كم نحتاج طويلا إلى شرح أهمية عودة الوعي إلى الذات العربية من باب فهمها الحفاظ على حقيقتها التاريخية وبالتالي حاضرها .. لكننا دائما نصطدم بالانقسام العربي المر، والذي صار مع الزمان ومع مرور الوقت عبرة لمن اعتبر، بل تحول الى تمسك غربي به وجعله من أسس واقعه، لكأنما يحارب هذا الغربي العرب بفهمهم لأنفسهم.
لقد كفانا ضربا بالأسس التي تقوم عليها وحدة العرب تحت شعارات شتى لا تخدم سوى ذلك الغرب واسرائيل اللذين يتخذان من هذا البرنامج العربي علامة النجاة لهما. في ظن بعض العرب أن الثقب الموجود في الباخرة لن يؤدي بهم الى التهلكة، في حين أن جميع من في تلك السفينة سوف يغرقون، وهذا هو حال العرب في طبعة حياتهم التي يشاء هذا البعض أن يجد تفسيرات لها، غير منطقية البتة ولا تمس شرعية الوجود الواحد للأمة الواحدة.
إن مجرد نظرة لواقع العرب اليوم وما يتخلله من انقسامات شتى، ليس له أكثر من تفسير، وإنما تفسير واحد أن البعض كاره لمفهوم التوحد، بل هو يريد البقاء على حالة من الانقسام من أجل أن يظل ولو واقفا في عين الشمس وحيدا وليس له ظل يتبعه. إن عالما عربيا بهذه الطريقة لايمكن أن يجد له مكانا تحت الشمس، لا الآن ولا في المستقبل، ذلك أن عصر المفردات قد ولى ، وصار من الماضي، وما تطرحه أوروبا على نفسها هو المطلوب وهو الصائب.
إن عربا بتعداد أربعمئة مليون تقريبا، ويقومون على أسس واحدة، تبدأ من اللغة الواحدة وتذهب الى الدين الواحد، لتمر على الواقع الجغرافي المتلاصق وغيره من التعريفات، لن تقوم لهم قائمة مادام الانقسام شريعتهم، والقسمة مبدأهم .. وهذا عكس التاريخ ، ومعاكس لكل فكرة عربية أصيلة. ومهما من دولة عربية بلغت علوا، فهي لن تصل الى مبتغاها بل الى الاحترام الدولي لها ، بل الى حال الوثوق بقدراتها.
انتصر العرب في تاريخهم لأنهم آمنوا بوحدتهم، وذهب وجودهم هباء في الأندلس لأنهم عاشوا على انقسام، وتقاتلوا وتنابذوا .. بل تعاملوا مع الأجنبي على بعضهم البعض، فكان أن ذهبت ريحهم هباء، وكان أن انقرضت بشكل نهائي حضارة ثمانمائة عام، بلغ فيها المسلمون هناك أروع حضارة شعت على العالم وأضاءت مكوناته.
لن تكون الدنيا بخير مادام العرب على انقسامهم ، كما أن مشاكلهم العامة تحتاج الى ألفتهم، وحتى مشاكل كل قطر الخاصة تحتاج الى وقفتهم الموحدة الى جانبه. مصيبة سوريا تؤلمنا جميعا، ولبنان يؤرقنا أن أصابه مكروه، وفلسطين جرحنا الواحد الذي مازال ينزف في كل عربي اينما كان، ووحدة مصر عامل قوة للعرب جميعا، بل وحدة المغرب العربي قرار الصوت الواحد في لحظة اصغاء للحاجة الانسانية وخليجنا الآمن المستقر غايتنا.
لن يتمكن العرب من انتصار على الذات على الأقل إن لم يجدوا السبيل الى ابعاد فرقتهم . فلا حرية بدون وحدة، ولا حقوق بدونها ايضا ، بل لا إنسانية تجد لها احتراما إن لم يتمتع العرب بوحدة تدون للتاريخ أنها تحولت الى فعل.
لابد من الزام الجميع بقانون الوحدة، ومحاربة كل ذي تفكير بالانقسام والتباعد .. للعرب هالة عظمى إن هم توحدوا، فلتتوحدوا لأن الانقسام هو الأبغض عند الله قبل عبيده.