قصة نبي الله سليمان عليه السلام مع الملكة بلقيس في سورة النمل ، من القصص العجيبة .. ( قيل لها ادخلي الصرح فلما رأته حسبته لجُة وكشفت عن ساقيها قال إنه صرح ممرد من قوارير ) ، حيث يقول المفسرون إن الصرح هو كل بناء عال مرتفع والقوارير هي الزجاج.
لماذا بنى النبي سليمان هذا الصرح ؟
الجواب بكل وضوح هو رغبته عليه السلام أن ترى الملكة بلقيس ، عظمة ملكه وقوته ، من بعد أن علم عن قصرها باليمن ، حيث كان عظيماً ورفيع البناء، وفيه ثلاثمائة وستون نافذة من مشرقه ومثلها من مغربه، وقد تم تصميمه بحيث تدخل الشمس كل يوم من نافذة من جهة الشرق لا تدخلها باليوم التالي، وتغرب من مقابلتها بالجهة الغربية، فيسجدون للشمس كل يوم صباحاً ومساء، ومن هنا جاء كلام الهدهد « إني وجدت امرأة تملكهم وأوتيت من كل شيء ولها عرش عظيم * وجدتها وقومها يسجدون للشمس من دون الله »..
لما علم النبي سليمان عظم وضخامة وروعة قصرها، أمر العاملين تحت إمرته من الإنس والجن والشياطين، أن يبرعوا ويبدعوا في بناء قصر عال ضخم لم ولن يكون له مثيل، تنبهر به الملكة حين تراه، فبنى قصراً كاملاً من زجاج، وأجرى الماء تحته حتى ليظن الداخل إليه أنه سيخوض في الماء.. وهذا ما حدث تماماً مع الملكة بلقيس حين همت بدخول الصرح ، فكشفت عن ساقيها، تحسب أنها في الماء خائضة.
قيل لها : إنه صرح ممرد من قوارير .. فرأت مُلكاً هو أعز من ملكها، وسلطاناً أعظم من سلطانها، وأنها في حضرة نبي كريم وملك عظيم ، حتى إذا وقفت على النبي سليمان أعلنت إسلامها وتوبتها " رب إني ظلمت نفسي وأسلمت مع سليمان لله رب العالمين" .
هذا المُلك العظيم وتلك الهندسة العجيبة في بناء القصور ، سواء قصور النبي سليمان عليه السلام أو حتى قصر الملكة بلقيس ، ربما يدعونا أحياناً إلى التساؤل عنها وأين ذهبت ، بل لماذا ذهبت واندثرت وهي بتلك الروعة في الهندسة والتصميم والبناء المحكم ، ولماذا لم تبق إلى يومنا هذا، شاهدة على عظمة ملوك ذاك الزمان، وعلى رأسهم نبي الله سليمان عليه السلام، في الوقت الذي نرى هنا وهناك آثارا إغريقية أو رومانية أو فرعونية وغيرها منذ آلاف السنين، شاهدة على روعة عقول أولئك القوم في العمارة والهندسة؟
أين هذا الصرح الممرد من قوارير، وأين قصر بلقيس ذو النوافذ الكثيرة، الشرقية منها والغربية؟ هل من حكمة ربانية في اختفائها وخصوصاً قصر النبي سليمان الزجاجي وغير ذلك من قصوره وسلطانه ومُلكه ؟ لا أدري ، ربما.. والمجال مفتوح للتساؤل والبحث .

عبدالله العمادي