[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
تعددت "المعارضات"الموصومة بالهوية السورية من موسكو إلى القاهرة إلى اسطنبول إلى الرياض، وتعددت معها المدن المستضيفة لمباحثات الحل السياسي بين تلك "المعارضات" والحكومة السورية من جنيف إلى موسكو إلى فيينا إلى أستانا ثم العودة إلى جنيف.إلا أن هذا التعدد لا يؤكد غياب المشروع الوطني السوري الجامع لدى هذه "المعارضات" فحسب، وإنما يؤكد تعدد الولاءات للقوى المتآمرة على سوريا، وحمل كل "معارضة" أجندة لا تخصها هي، وإنما تخص جهاز استخبارات الدولة ـ العدو التي شكَّلتها وربَّتها وأطعمتها، ودربتها على كيفية الظهور أمام وسائل الإعلام وفي المحافل الرسمية، وطريقة التحدث والتمظهر أمام الرأي العام بأنها تحمل قضية وطن وشعب عادلة، وتسعى من خلالها تحقيق آمال الشعب السوري وتحقيق تطلعاته.
قد يقول قائل إن مثل هذا التوصيف قاسٍ، ومبالغ فيه، لكن بالنظر إلى الواقع والوقائع على الأرض، يصبح التوصيف مطابقًا لواقع الحال، فهل يعقل أن تقوم دولة متآمرة على سوريا بالتحريض على الانشقاقات في صفوف الحكومة والجيش السوريين، وتضخ مبالغ ضخمة لإغراء قيادات وأفراد بدفعة مقدمة من المال العميل والقذر، ثم راتب شهري، من أجل سواد عيون الشعب السوري؟ كما هو حال رموز هذه المعارضات السياسية والعسكرية، فمن قَبِلَ التمرد على وطنه مقابل حفنة من المال القذر، لن يكون حرًّا ومستقلًّا في تصرفاته وأفعاله وأقواله وسلوكياته، ولن يتحرك قيد أنملة دون إذن من سيده وولي نعمته، وبالتالي أي دور يقوم به ليس من وحي عقله وفكره واستقلاليته، وإنما دوره وظيفي وفق ما يأمره به سيده وولي نعمته، وكذلك أي كلمة يتفوه بها قد لقَّنه إياها سيده، وما كشفه أحد المعارضين في الحوار الذي تقدمه الإعلامية المتألقة لينا زهر الدين على قناة الميادين بأن بيانات "المعارضة" تأتيها مكتوبة ومفروضة عليها فرضًا من الدولة المستضيفة وصاحبة الولاء، وغير مسموح لهم بأن يضيفوا أو يعدلوا فيها، يؤكد هذه الحقيقة.
وما يشاهده العالم أجمع من مماحكات وصدامات بين منصات هذه "المعارضات"على خلفية تشكيلة الوفد المفاوض إلى جنيف، وتبادل الاتهامات، ومحاولة هيمنة منصة على أخرى، لن يخرج عن السياق الآنف. فهؤلاء جميعهم لا يملكون مشروعًا وطنيًّا جامعًا مستقلًّا ذا سيادة، يحقق تطلعات الشعب السوري. فمن يتابع تصريحاتهم ومواقفهم وبياناتهم يجد أنها تستهدف الأركان التي تقف عليها الدولة السورية وسيادتها واستقلالها ووحدتها وهويتها، فكل همهم اقتلاع الدستور والحكومة السورية ورئيسها الشرعي المنتخب من قبل الشعب السوري، والجيش العربي السوري وعقيدته العسكرية، وخفض عديده وتجريده من أسلحته النوعية ، وتحويله إلى شرطي ومنشآت، وهو ما يؤدي إلى انهيار الدولة على النحو المشاهد في ليبيا مثلا. وعند النظر إلى هذه المطالب التي يرفعون سقفها بين الحين والآخر، نجد أنها لا تحقق آمال الشعب السوري وتلبي تطلعاته ـ كما يدَّعون ـ في الحرية والديمقراطية والعدالة والمساواة؛ لأن مطالبهم هذه فيها قفز واضح على الوسائل السلمية والشرعية التي تحقق ما يدَّعونه، ثم هل تطلعات الشعب السوري تتحقق بتغيير عقيدة الجيش العربي السوري وتجريده من أسلحته، وتحويله إلى شرطي مدن وشوارع، مع أنه الحارس الأمين لسوريا والساهر على أمن شعبها واستقراره، وقدم تضحيات كبيرة ولا يزال، والأسر السورية المكلومة التي فقدت أبنائها لديها الإجابة الشافية لكل باحث عن الحقيقة؟
جهاد مقدسي، عضو منصة القاهرة للمعارضة السورية، رفض تشكيلة الوفد المفاوض إلى جنيف، التي أعلنت عنها "الهيئة العليا للمفاوضات" التابعة للإتلاف الوطني، المنبثقة عن منصة الرياض للمعارضة، وأنه ومن معه في المنصة لا يريدون أن يكونوا عنصر الديكور في وفدهم، وأن منصة القاهرة من جهتها اقترحت تشكيل "وفد متوازن" يضم ممثلين عن المنصات الثلاث، في موسكو والقاهرة والرياض، معتبرًا أن إعلان "الائتلاف الوطني" عن قائمته إلى مفاوضات جنيف -4 يعني رفض هذا المقترح. من جانبه، رفض قدري جميل، رئيس ما يعرف بمنصة موسكو أن تشكل "الهيئة العليا للمفاوضات" أكثرية داخل وفد المعارضة إلى جنيف. واتهم جميل مجموعة الرياض بتعطيل عملية السلام، وطالب بـ"تمثيل عادل ومتوازن" لجميع قوى المعارضة خلال تشكيل وفدها إلى مفاوضات جنيف.
إن شيطان التآمر والعمالة دائمًا ما يتغلغل في تفاصيل التفاصيل عند كل مناسبة تحين لمناقشة الحل السياسي للأزمة السورية؛ أي أن الشعب السوري تحديدًا مع سيناريو مكرر لما سبق من مؤتمرات جنيف تتصدر مشهده الأدوات الوظيفية، ليس من أجل الحل وتسوية الأزمة، وإنما بهدف التعطيل وطرح الإملاءات بالوكالة عن معشر المتآمرين، وهذا ما سيتابعه السوريون والعالم أجمع حين تلوي الأدوات أعناق بيان مؤتمر جنيف الأول بما يناسب مخططات المتآمرين، ليصار إلى فشل جديد، وهو المراد من أجل إطالة أمد الأزمة واستمرار الفوضى والإرهاب ضد الشعب السوري؛ لهذا رغم الوضوح في الموقف السوري الرسمي من الوارد أن تعمد الأدوات إلى إرباك المشهد في جنيف حسب الطلب والإملاء؛ بل والحديث عن أشياء أخرى خارج طاولات جنيف، واتخاذ مواقف متشنجة لا علاقة لها بما يفيد الحوار. فمن يساوم الحكومة السورية على الإفراج عن أطفال ونساء سوريين خطفهم من بيوتهم وقراهم مقابل إفراج الحكومة عن إرهابيين في السجون السورية اعتقلوا في مواجهات مع الجيش العربي السوري، لن يكون مدافعًا عن الشعب السوري، ولن يكون صاحب قضية عادلة، بل ليس معارضًا، ولا ولن تنطبق عليه هذه الصفة، ومن قَبِلَ أن يمارس هذا الدور والوظيفة مقابل حفنة قذرة من الدولارات لن يكون أحرص على الشعب السوري.