تعدّ اللغة العربية عامل مشترك للتواصل بين الشعوب بمختلف الثقافات، لينتج عن ذلك التواصل تلاقح في الأفكار وتعرف على الهويّات والسلوكيّات والأديان وبعض من العادات والتقاليد التّي تصبح مع مرور الوقت معياراً لتحديد الثقافات في المجتمعات. وهذا يعني أنّ الشّعوب بمختلف ثقافاتها يجب أن تتقاطع في بعض اللغات العالميّة خصوصاً إن كانت لغات يعتمد عليها في الأديان وفي الاقتصاد وفي التاريخ والفكر وما تملكه من مخزون فكري ورصيد علمي له وزنه الثقافي ومكنونه المعرفي بين الأمم نعني به اللغة العربية، ولذا لا غرابة مطلقاً أنْ نرى في كثير من دول العالم اندماجاً يعبّر عن تقارب حقيقيّ بين الثّقافات كما نجد ذلك على سبيل المثال عادةً في كثير من المجالات الاقتصاديّة والاجتماعية والتربوية وغيرها.
من تجليّات التقارب الثّقافيّ في بعض الشعوب العالميّة ممارسة اللغات والتقارب في بعض المفردات والمفاهيم والمصطلحات وممارسة ذلك سلوكيّاً في النطق داخل المنظومة اللغويّة ذاتها. فتوضّح وتفهم الالفاظ على مقاصدها ومن ثمّ تعمل هذه الالفاظ على تنمية قيمتها التواصليّة بين الشعوب فتحدث الوصال والتجانس والتلاقح الفكريّ والدينيّ فتنسب القيمة الماديّة والمعنوية للغات في تلك الشعوب.
إنّ ما نرمي قوله في هذا النص يعنى بلغتنا العربية التي كرمها الله تعالى فأنزل بها القران الكريم وذلك تشريفا وتكريما لهذه اللغة الخالدة التي ينطق بها اليوم كثير من دول العالم ويضطر إلى تعليمها وتعلمها كثير من سكان العالم، ذلك ما لمسته ورأيته وسمعته عندما تشرفت بدعوة خلال الاسبوع المنصرم لحضور مؤتمر دولي إسلامي في مدينة اسطنبول التأريخية؛ نظمته إحدى المجلات العالمية الرائدة في التنمية الاسلامية للشعوب والتي تعمل على الاهتمام بالقيم التي حث عليها ديننا الحنيف. حضر المؤتمر ممثلين من أكثر من خمسة وتسعين دولة حول العالم من مختلف القارات في مدينة اسطنبول التاريخية ذات الرائحة العثمانية.
إنّ ما أودّ ذكره في هذا الصدد متعلق بلغتنا العربية التي تشعرنا بالفخر دوما حينما نغادر أرض الوطن حين لفت انتباهي نبوغ كثير من المتحدثين من مختلف دول العالم يجيدون تحدّث العربيّة بفصاحة تامة، رغم توافر الترجمات لكثير من الحاضرين إلاّ أنّ اللغة العربية فرضت نفسها لأنّ الحديث له علاقة وطيدة بديننا الاسلاميّ الحنيف ذلك الارتباط المقدّس وضع العربيّة في مصافّ الدول العظمى لنجد متحدثين يتقنون العربيّة من الولايات المتحدة الاميركيّة والبرازيل وروسيا وبريطانيا ودول شرق آسيا ماليزيا وسنغافورة والصين وتايلند وكذلك دول أميركا الجنوبيّة ودول شرق أفريقيا وأوروبا فكان أمر له وقع وأثر كبير على نفوس الحاضرين. ذلك شأن كان في غاية الأهمية لأن إدراك هؤلاء للعربية لم يأت من فراغ بقدر ما هو مهم بالنسبة لهم تحدث العربية وتعليمها في دولهم.
من هنا أردنا القول إنّ إحياء اللغات أمر في غاية الضرورة وتعليمها للناشئة كذلك أمر لا بدّ منه وما يضير إن فرضنا ذلك في جامعاتنا وكلياتنا وفي مناهجها الدراسية والعلمية العليا، وما يضير كذلك إن تحدثنا سياسيّا وعلميّا واقتصاديّا بلغتنا الأم وأن تصبح اللغة الأمّ هي اللغة الرسميّة في العلوم العُليا وفي المؤتمرات العالميّة والاقليميّة وتليها اللغات الأخرى التي يعتبر تعلّمها ثانويّ لمتغيّرات حياتيّة أخرى.

خلفان بن محمد المبسلي
[email protected]