تتداول مواقع الانترنت الكثير من الفيديوهات التي تحتوي على مشاهد لمشاجرات وتبادل شتائم وأحيانا ضرب وتكسير للديكور بين بعض المتحاورين على الفضائيات الذين تتم استضافتهم في البرامج الحوارية لمناقشة المواضيع الساخنة التي تعج بها مجتمعاتنا العربية لاسيما السياسية .. فنرى برامج تونسية أو مصرية أو يمنية أو أردنية وغيرها يحتدم فيها النقاش والجدال بين المتحاورين ويعلو صوت كل منهم في محاولة لفرض رؤيته ووجهة نظره وفي نفس الوقت التشويش على فكر الآخرين ثم يصل الأمر إلى تبادل الاتهامات التي عادة ما تكون بالتخوين والعمالة لأطراف خارجية ثم يتطور الحال إلى أن يصل إلى الشتائم وأحيانا الضرب وتكسير ديكورات الاستوديو على رأس المذيعين.
لاشك أن ما نراه من جدال ممقوت لا يمت لديننا وعاداتنا وتقاليدنا بصلة كما أنه يخرج البرنامج عن السياق والهدف والمضمون الذي أعد من أجله .. فرغم أن معظم هذه البرامج الهدف منها هو جذب أكبر عدد من المشاهدين حتى لو لجأت لاستضافة أشخاص من تيارات وأحزاب مختلفة ومتنافسة وإثارة مشاعرهم واستفزازهم حيث إنه كلما غضب الضيف وخرج عن شعوره فإن نسبة مشاهدة البرنامج تعلو وترتفع .. إلا أننا لا ننكر أنها أحيانا تناقش قضايا هادفة ونافعة تهم الشعوب العربية ومن المفترض أنها توجههم لما فيه خير البلاد خاصة أن هذه الشعوب تعاني حالة من الضياع منذ أن قامت بها ما يسمى بثورات الربيع التي لم يعد تعرف بعدها الشعوب أين الصالح ومن هو التيار أو الرئيس المناسب لإدارة شئون البلاد.
لقد أرشدنا الله عز وجل في كتابه الحكيم إلى كيفية التحاور والجدال فقال سبحانه وتعالى "وجادلهم بالتي هي أحسن" أي أن الحوار يجب أن يطغى عليه الحلم والصبر والهدوء لأن الانفعال لن يصل بصاحبه لتوضيح وجهة نظره بطريقة صحيحة بل سينفر منه المشاهدون ويحقرون من رأيه الممزوج بالغضب والعصبية.
قد يسعى بعض الذين تتم استضافتهم في البرامج الحوارية من وراء عصبيته وانفعاله إلى إثبات الذات والحصول على الشهرة بحيث يتردد اسمه بين العامة بأنه قال وانفعل إلا أنه في النهاية يقع في شرك الجدال العقيم الذي لا يسمن ولا يغني من جوع .. وبالتالي يتحول البرنامج إلى حلبة مصارعة وليس منبر مناقشة وحوار.
لاشك أن اتباع المرء العقلانية والوسطية في طرح الرأي هي الوسيلة المثلى لإقناع الآخر بوجهة نظره وسداد فكره .. فحسن الجدال من الحكمة والاختلاف في وجهات النظر لا يعني الاستبداد بالرأي .. والاستمرار في المناقشة بعصبية وحدة يولد الكراهية ويزرع الشقاق بين المتجادلين في وقت نحن أحوج ما نكون فيه للوحدة والتكاتف وليس التفرق والتشرذم .. ولو كان في الجدال خير لما حرمه الله عز وجل في الحج وقرنه بالفسوق والرفث.
يجب أن يعيد معدو البرامج الحوارية على القنوات الفضائية حساباتهم مرة أخرى فيعملون على تقديم خدمة إعلامية مميزة الهدف منها هداية المشاهدين والتوصل لحلول تنموية وناجعة للمشاكل التي تعاني منها المجتمعات العربية .. فالإعلام هو النبراس الذي يضيء للشعوب طريقها الصحيح نحو التنمية والتقدم والرقي وهو ضمير الأمة الذي يعبر عما يعتريها من أزمات ومن المفترض أنه يهديها إلى طريقة الخروج منها .. أما الإسفاف والسعي وراء الربح وحده فقط فإنه يفرغ وسائل الإعلام من أهدافها المنوطة بها حيث أصبح إعلامنا ناقلا فقط وليس توعويا فيقوم بنقل نبض الشارع ولا يقدم التوعية اللازمة للرقي بالأمة بل أحيانا يؤجج الخلافات سواء على المستوى العربي أي بين الدول وبعضها أو بين أفراد المجتمع الواحد فيطلق العنان للشائعات ويستقي المعلومات غير الدقيقة من مصادر مجهولة وغير موثوق فيها فيساعد في نشر الفوضى والفرقة والشحناء.
يجب أن يتنبه المشاهد العربي للتحديات التي تواجهه ولا ينجرف وراء البرامج الهابطة التي لا تثري عقله وفكره بالمعلومات المفيدة التي تنير له الدرب وتساعده على النهوض بوطنه وأمته.

* * *
هل ينجح العرب في فرض عولمة إسلامية؟
تردد مصطلح العولمة كثيرا في السنوات الأخيرة وتم استهلاكه بالتحليل وسرد سلبياته وإيجابياته خاصة على الشعوب العربية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والعلمية والتكنولوجية والإعلامية وغيرها من المجالات التي يتفاعل معها الإنسان .. وخلص المتخصصون إلى أنها منظومة من المبادئ والمفاهيم والمناهج التي يراد بها إكراه العالم على الاندماج فيها والعيش في إطارها بحيث يحيا العالم كله في نسق واحد شماله مثل جنوبه وشرقه مثل غربه وأينما توجه الإنسان يجد أنه داخل نفس المنظومة فلا يشعر بالاغتراب.
لاشك أن هذا يعني محو الهوية والخصوصية التي تميز مجتمعا عن الآخر فهي تلغي الحضارات والثقافات وتؤطر المفاهيم الإنسانية طبقا للمتحكم في عملية العولمة وهي في الغالب الدول العظمى المهيمنة على مقدرات العالم لاسيما التكنولوجية فتجعل من الشعوب صورة مشوهة وممسوخة لها ولمبادئها ساعدها في ذلك الثورة المعلوماتية والعلمية الرهيبة التي تفوقت فيها وساقت من خلالها بقية الشعوب وجعلتها خاضعة لنفوذها.
للأسف الفجوة التكنولوجية بين عالمنا الإسلامي والغرب تتسع يوما بعد يوم وبدلا من أن نسعى إلى تخطيها نقف محلك سر ونظل مستهلكين لا مشاركين في الثورة المعلوماتية وهو ما يهددنا بالخضوع لقيم العولمة التي يسعى الغرب لفرضها علينا والتي بدأ أثرها يظهر على بعض المجتمعات العربية والإسلامية فتغيرت السلوكيات واتسعت الهوة بين الفقراء والأثرياء حتى الجريمة أخذت طابعا عابرا للحدود.

ناصر اليحمدي
السؤال الذي يفرض نفسه هل من الممكن أن ينتقل المجتمع المسلم والعربي من حالة التلقي والتأثر السلبي إلى التفاعل النشط فيكون له منظومة خاصة به أو ما يمكن أن نسميه عولمة عربية أو إسلامية تحفظ لشعوبها الخصوصية الحضارية التي يتمتعون بها والقيم الإسلامية التي يلتزمون بها بل وتؤثر في الآخر وتصبغه بها ؟.. وهل لدى العرب القدرة على مواجهة غزو العولمة والتأثير في الآخر بحيث نجذبه إلى منظومتنا الإسلامية ؟.
لاشك أن الانفتاح المعلوماتي والاحتكاك بالآخر وما اعترى المجال التقني من تقدم وتطور خاصة في مجال الاتصالات ساهم بشكل كبير في تقارب المجتمعات سواء العربية فيما بينها أو بينها وبين الآخر الغربي وغير الغربي وهذا ما يجب أن يستغله العرب ويستفيدوا منه فيوضحوا في البداية أمام الغرب الموقف العام الإسلامي من القضايا المختلفة ويبرزوا الصورة المشرقة للإسلام وكيف أنه يحث على التعايش ويتسم بالوسطية والاعتدال ثم تعمل البلاد العربية فيما بينها على تفعيل اتفاقيات التعاون المشترك وعلاقات التكامل في كافة المجالات الاقتصادية والثقافية والعلمية وبناء تكتل سياسي اقتصادي إسلامي قوي يرسخ أقدامه على المستوى الدولي ويستطيع بقوته وهيمنته مقاومة تيارات العولمة بل والتأثير في الآخر لأن البقاء دائما للأقوى.
إن وجوه العولمة كثيرة ومتعددة ولكن المهم هو كيفية الاستفادة من الوجه الإيجابي لها فهي كالعملة ذات وجهين أحدهما إيجابي وهو ما يجب النظر إليه والاستعانة به والآخر سلبي وهو ما علينا تجنبه والابتعاد عنه.
إن غزو العولمة يتزايد ومروجوها يستخدمون الأساليب التي تبعث في النفوس الشعور بالهزيمة والاستعداد للاستسلام لذلك على حكوماتنا وإعلامنا ومثقفينا ومفكرينا وكل مسئول في دولنا العربية أن يعمل على غرس الشعور بالانتماء وتغذية الإحساس بالاعتزاز بحضارتنا وهويتنا وتراثنا ورصيدنا من الثقافة الإنسانية .. لأنه بدون ذلك فإننا سوف نذوب في دروب القوى المهيمنة ولن يصبح لنا شأن أو ملامح واضحة .. ولنا في ذلك أسلافنا عبرة وعظة فبالرغم من انتشار الإسلام في أصقاع الأرض المختلفة وفي اتجاهاتها الأربعة إلا أن هذا الاختلاط لم يغير فيهم قيد أنملة بل على العكس تأثرت البلاد التي فتحها المسلمون الأوائل بأخلاقهم وصفاتهم وصبغت جميعها بالصبغة الإسلامية .. فهل تعود هذه الأيام مرة أخرى ونسود العالم وتتسم العولمة بالإسلامية ؟.. إنه أمل لو تعلمون عظيم.

* * *

آخر كلام
لا تستح من إعطاء القليل .. فإن الحرمان أقل منه