لم يسبق ان جرى العبث بدولة في هذا القرن مثلما هي حال ليبيا اليوم والتي يمكن تسميتها عن جدارة بالدولة الفاشلة .. فما أقساها من تجربة عربية لا تشبهها تجربة، وبكل اختصارات الكلام، فإن ليبيا تحولت اليوم إلى عبء على سكانها وعلى محيطها وعلى عروبتها وحتى على تاريخها.
عندما ينظر اليوم إلى ليبيا في واقعها الأخير فإن أول ما يستدعي فهمه، انها لم تعد دولة بل اشلاء دولة، او بعبارة اقل دبلوماسية هي مجموعات تتجمع لبناء كيان لم يصل بعد الى مستوى دولة. لكنها في كل حالاتها الشاذة، تتحول الى مركز واستقطاب لشتى انواع المشكلات .. فهي مصدر هائل لتهريب السلاح، ولدى السطات المصرية معلومات فائقة الأهمية عن كميات السلاح التي دخلت الى مصر من حدودها الليبية، واذا ما تحدثنا عن تونس سنجد بصمات ليبيا موجودة فيها وخصوصا في تهريب السلاح الى مقاتلين شذوا عن الحياة التونسية ووجدوا في الجبال ملاذا آمنا لهم تحت ظنون صبيانية مضحكة. اما في الجزائر فلليبيا علاماتها هناك، واول رد فعل على المعارك الاخيرة في بنغازي جاء من الجزائر التي اغلقت سفارتها على الفور، وهي ايضا تملك الكثير من المعلومات عما تمده هذه الدولة لشتى الجهات الاسلامية المتطرفة من سلاح منوع .. واما في سوريا فحدث ولا حرج، ويعرف السوريون كم وكم من هذا السلاح الليبي وصل الى المسلحين أو اوصلها ليبيون ظنوا ان الجنة تنتظرهم على الاراضي السورية، فأقاموا فيها وما زالوا، لكنهم قبلها جلبوا سلاحهم معهم عبر بواخر متعددة ..
وقد لا يكفي مثل هذا الكلام للتحدث عن هذه " الدولة " الفاشلة فعلا، سوى انها ايضا تعيش في الداخل صراعاتها المفتوحة التي بات لا يعرف من اين تأتي علاماتها، لكنها جميعها من جهات متطرفة وجدت لها المناخ الفوضوي الذي سمح لها بالخروج على اية سلطة ومقاومة اي كيان ومؤسسات.
لم يعد معروفا أين هي اموال الدولة واين هي المصادر التي تجني منها ما هو في تشغيل خزائنها بما تمليه عليها فهم المؤسسات المنوعة. فلقد صادر المسلحون النفط، والمال العام، وصادروا الاراضي بعدما اقتطعوها من الدولة نفسها، ومثلما صادروا السلاح، فقد وضعوا ايديهم على الشواطئ وعبثوا فيها .. انهم اليوم يمسكون بزمام الأمور، مرة يقتلون رجالات الدولة، ومرة يخطفونهم، ومرات يعتدون عليهم .. فهل بعد ذلك من امل ان يتوصل هذا الكيان الى اعادة ترتيب نفسه بما يتناسب مع شكل الدول المؤسساتية.
لقد اكتشف الليبيون ان المشكلة لم تكن في نظام القذافي، وانما فيهم، لأنهم لم يهضموا تجربة القذافي لا الفكرية ولا النظرية ولا عوامل تطبيقها. ولقد ظن حلف الناتو ان تحرير ليبيا من القذافي سينشئ دولة مختلفة، فإذ بها على هذه الشاكلة من التخلف الذي لن تتمكن لا الناتو ولا كل احلاف الارض ـ مع افتراض حسن النية ـ من اعادة ليبيا الى سابق عهدها او رسم طريق مختلفة عما هي عليه اليوم من ممارسات همجية لعناصر وتجمعات لا تحمل أدنى شعور للمسؤلية الوطنية أو القومية ولا حتى تجاه الشعارات التي يرفعونها .. ويبقى السؤال مطروحا، كم من الزمن سيمضي وليبيا تبحث عمن يعيدها إلى سابق عهدها .. دولة؟!.