متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي :
تصوير ـ إبراهيم الشكيلي :
تختتم اليوم الندوة العلمية لكتاب «برهان الحق» لمؤلفه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة، المقامة في جامعة السلطان قابوس برعاية «الوطن» إعلاميا، بجلسات اليوم الثاني التي ستتناول في الجلسة الثالثة محور «المنهج التأصيلي في البرهان» وتقدم فيه عدة بحوث منها «المنهج اللغوي في كتاب برهان الحق» ويقدمه الدكتور خالد الدسوقي ، و»القطعيات والظنيات في كتاب برهان الحق» ويقدمه الدكتور أحمد بن يحيى الكندي ، و»انفرادات كتاب برهان الحق الاستدلالية» ويقدمه الدكتور عبدالله بن سعيد المعمري ، و»المناقشات الأصولية في كتاب برهان الحق» ويقدمه الدكتور ماجد بن محمد الكندي ، و»تحليل مصادر كتاب برهان الحق» للدكتور مصطفى بن إدريسو. اما «الجلسة الرابعة» فتتناول محور «البعد التربوي في كتاب برهان الحق» وتقدم فيها عدة بحوث وهي «دلائل الإيمان بوجود الله من خلال كتاب برهان الحق» ويقدمه الباحث سالم المشهور ، و»اللقاءات الحية من خلال كتاب برهان الحق» ويقدمه سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي ، و»البعد التربوي من خلال كتاب برهان الحق» ويقدمه الدكتور سلطان بن محمد الحراصي.


وكانت الندوة قد بدأت فعالياتها أمس ونظمتها مؤسسة الكلمة الطيبة بالتعاون مع جامعة السلطان قابوس ومؤسسة ابن عمير للبحث العلمي برعاية «الوطن» إعلاميا حيث يشارك في الحدث عدد من الباحثين والمفكرين من داخل السلطنة إضافة إلى الباحثين والمتخصصين والضيوف من أهل العلم من مصر وليبيا وتونس والهند واليمن والجزائر، وقد شمل حفل الافتتاح كلمة للمشاركين إضافة إلى اللجنة المنظمة.
أبعاد فلسفية ومنطقية
بدأت جلسات اليوم الأول الذي رعاه سعادة الشيخ أحمد بن سعود السيابي الأمين العام بمكتب الافتاء بمحور «المنهج الاستدلالي في كتاب برهان الحق» حيث قدم خلالها عدة أوراق بدأ ببحث «الأبعاد الفلسفية والمنطقية في موسوعة كتاب برهان الحق» للأستاذ الدكتور محمد عبدالرحيم الزيني قال فيه: استطعت أن أحدد الأبعاد الفلسفية والمنطقية في الموسوعة، وبالإمكان تلخيصها في النقاط الآتية أولا النظرة الكلية الشاملة للقضايا، نعتقد أننا لا نجانب الصواب إذا قلنا هذه السمة تتجلى أعظم ما يكون التجلي في أجزاء الموسوعة، وتظهر بأعظم ما يكون الظهور خلال الموضوعات التي استوعبتها. ثانيا : الانحياز إلى النزعة العقلية المعتدلة في البرهنة على كافة قضاياه، لا جرم أن نؤكد أن هذه النزعة تظهر في عنوان الموسوعة؛ فـ«البرهان» وسيلة من وسائل العقل ويعني الدليل القاطع، وهو القياس المؤلف من المقدمات اليقينية، و»الحق» من القيم الثلاث التي تدرسها الفلسفة، وهي خاصة بعلم المنطق الذي يضع «مجموعة القوانين التي من شأنها أن تقوم العقل وتسدد الإنسان نحو الطريق الصواب ونحو الحق « فيما ذهب الفارابي. ثالثا : الشك المنهجي، اشتهر الفلاسفة بإعمال المنهج الشكي في النصوص المتاحة أمامهم، وفي كثير من كتب التراث، أو القضايا التي يتلقونها من الآخرين، وهذا ما تجلى عند الإمام الغزالي (ورينيه ديكارت (1650) ولا نكون مبالغين إذا قلنا إن هذا المنهج كان من وسائل المؤلف لاختبار المعلومات التراثية، ورفض كافة المغالطات والأضاليل التي ألصقت بالتراث الديني، واستبعاد الآراء الضعيفة والمنحولة، وعدم قبول أي فكرة، أو التسرع في الحكم عليها إلا بعد إقامة الدليل عليها حتى تصبح واضحة ومتميزة في ذهنه. رابعا : المنهج النقدي لتمحيص آراء العلماء والقصص الواردة في التراث، هذا المنهج كان حاضرا أيضا بقوة في صفحات الموسوعة، وكان من أدوات المعرفة التي محص بها المؤلف وجهة نظر الفرق الأخرى وفي جداله المحمود معهم، وتوضيح الثغرات الخافية في رؤيتهم، مثل نقد فكرة التوسل بالقبور والنذر للعيون، و مقولة فلاسفة الإسلام بإنكار علم الله بالجزئيات.
خامسا : رحابة الصدر وسعة الأفق مع المخالفين له والتسامح معهم.
سادسا : الصبر والمثابرة في دراسة آراء المتكلمين، لاشك أن كل بحث علمي وتفكير نظري، يحتاج إلى إرادة قوية، وجهد جهيد في متابعة المشكلات المطروحة ودراسة أبعادها.
وفي الخاتمة أشار «الباحث» إلى ان الحقيقة أننا أمام عمل علمي رصين، ومشروع فكري شامل، وجهد عظيم لا يقوم به إلا العصبة أولو القوة، وأصحاب العزائم القوية والإرادات الصلبة والطموحات الوثابة التي تعانق النجوم في سماواتها. نحن بصدد كتابات معمقة في العقيدة الإسلامية، لم يغب عنها منهج الفلاسفة، وأدواتهم المعرفية في هذا المجال، وفي مقدمتها النزعة العقلية، كذلك كان فكر المناطقة حاضرا بقوة؛ من خلال استعمال التعريف والقياس والاستقراء، وبعبارة مركزة كان المنهج العلمي ديدنه في البرهنة على صحة ما يؤمن به ويعتقد في صدقه.
اتجاه موسوعي
عقب ذلك قدم الدكتور خالد سعيد يوسف تفوشيت بحثه بعنوان «علوم القرآن في كتاب برهان الحق» حيث حاولتْ هذه الدراسة إبراز أهم مفردات ومباحث علوم القرآن في برهان الحق، نصوصاً وقواعد وتفريعات، تضمنها المصنف الموسوعي «برهان الحق»، وهو كتاب لم ينسج على منواله عند المتقدمين والمتأخرين، يبحث في دقائق مسائل العقيدة تحريراً، وقد تميز فيه مؤلفه سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي باتجاه موسوعي جمع بين التضلع في مجال الدراسات اللغوية والبلاغية عرضاً ونقداً وإضافة، وفي إطار
المباحث الكلامية والأصولية استقراءً للنصوص، وتحليلاً للقواعد، وتجديداً في مسالك الاستدلال، وإضافات في الموازنات... ونظراً لما تهيأ لمؤلفه من أدوات البحث حول القرآن الكريم وعلومه بعد معايشة طويلة واسعة وعميقة للمكتبة الإسلامية عقيدة وشريعة في أصول مصادرها المخطوط منها والمطبوع.
وأضاف «الباحث» هذا التنوع في ميزان البحث يستدعي أنْ تنشأ دراساتٌ مؤصلةٌ ومجددة حول كل بُعد من أبعاده؛ ولذلك ركزت هذه الدراسة من خلال فصولها ومباحثها على إظهار مدى استيعاب مجهود سماحة الشيخ الخليلي في البرهان لأهم تلك المباحث والمسائل والقضايا المتعلقة بها، وتوظيفها في الاستدلال على المسائل العقدية. ويظهر ذلك باستقصاء تلك المسائل والقضايا في هذا السِّفر المبارك، وجمعها وتصنيفها حسب موضوعات علوم القرآن، ثُمَّ استخراج ما فيها من أقوال وآراء للشيخ، وأهم المصادر التي اعتمد عليها في عرض تلك المباحث والمسائل المتعلقة بهذا العلم. وكذلك من خلال التعريف بمنهج سماحة الشيخ الخليلي في تناول مباحث علوم القرآن، ويكون ذلك بإبراز منهجه في الاستدلال، واختياراته وترجيحاته من خلال عرض نماذج وتحليلات من كتابه البرهان، ومن ثَمَّ معرفة طريقة الشيخ الخليلي في الترجيح. واعتمدت هذه الدراسة المنهج الاستقرائي في تجميع المسائل والموضوعات التي تعنى الدراسة بها، والمنهج الوصفي في عرضها وبيان تفصيلاتها، كما استخدمت المنهج التحليلي للولوج إلى مكنوناتها، فهو منهج يتآلف فيه: العرض والوصف والتحليل والاستنتاج، وهذه كلها مسالك وطرائق في البحث تتشابك فتتكامل لخدمة البحث في هذا الموضوع. وذلك من خلال خطة حاولتْ استيعاب ذلك كله في تمهيد وفصلين قصد تغطية هذه الاهتمامات جميعها.
نقد الإسناد والمتن
ثم قدم بعنوان «المناقشات الحديثية في كتاب برهان الحق» الشيخ خالد بن عايش الهاشمي ورقته التي جاء فيها : «نحن لسنا مع من يجازف برد الروايات وإنكارها كما أننا لسنا مع من يتقبل الروايات جميعا بما فيها من خلل في الأسانيد أو اضطراب في المتون، وإنما نضع كل رواية على محك النقد في الإسناد والمتن، وكل ما احتمل معنى صحيحا لا يتناقض مع قواطع الوحي، ولا مع براهين العقل؛ أخذنا به وحملناه على ذلك المعنى « (ج 5/ص 349 ) ذلك هو المنهج الذي تعامل به سماحة الشيخ حفظه الله تعالى في كتابه برهان الحق، وتلك هي الصناعة الحديثية التي صبغ بها كتابه ولم يك نظريا يجتر القواعد ويحفظ الأصول دون إعمال لها، لما لثبوت الرواية من أثر «إذ الحجة فيما نص عليه القرآن أو ثبت عن النبي عليه الصلاة والسلام « (ج 7/ص 245) إن الصناعة الحديثية في كتاب برهان الحق تظهر جلية من خلال ما نستطيع إيجازه في «عدد الكتب الحديثية» و»القواعد الحديثية» و «قواعد السند» و»قواعد المتن» و»العناية بغريب الحديث».
سفينة لمن أراد النجاة
وفي الجلسة الثانية التي ناقشت المحور الثاني الذي حمل عنوان «آفاق حضارية من برهان الحق» قدم فيها بحث بعنوان «مظاهر الوسطية في منهج سماحته من خلال كتابه «برهان الحق» للباحث عبدالله العزي ألقاها نيابة عنه محمد بن خاتم الذهلي وقال فيه : إن أهمية كتاب «برهان الحق» لا تقتصر على كشفه لحقيقة منهج التنزيه ومنهج التشبيه ودراسته لمسائل العقيدة دراسة تفصيلية معمقة قائمة على صريح العقل وصحيح النقل، بل إنه يعتبر الصيغة النهائية أو النسخة الأخيرة المعاصرة لتجليات العقلية المسلمة الواعية في مجال العقيدة وما يتعلق بها من أبنية التطورات الفكرية المعاصرة، إذ أن مؤلفه جمع فيه بين آخر ما توصل إليه فحول العلماء في كيفية التعاطي مع مسائل العقيدة مسألة مسألة كماً وكيفاً وضداً ومعاً وبين ما فتح الله عليه من تطوير للجواب وتجديد وترشيد للخطاب، مضيفاً إلى هذا وذاك طريقة جديدة في كيفية استعراض المسائل وطرق عرض الدلائل أغنى بها كل محتاج وعائل، وأشبع نهم كل محروم وسائل من طلاب الحقيقة ورواد العقيدة. وقد صاغه بأسلوب متميز حافظ فيه على أصالة اللغة التي هو من هو فيها، ومن به يضرب المثل في جميع فنونها وأبوابها، وكمال البيان وهو من يشار إليه فيه بالبنان، ناهيك عن جمال عباراته، ولطائف إشاراته، وقوة أدلته ودلالاته، وسلاسة ألفاظه وسلامة مقاصده وأبحاثه، وروعة عروضاته، ناهيك عن النأي به عن مصطلحات التعقيد وتعقيد المصطلحات، وقد شكل من بين كتب العقيدة المماثلة نموذجاً رائعاً ومنهجاً فريداً، فهو في مجال المزاوجة بين الأدلة وضع تأصيلاً مهماً في كيفية عرضها وكيفية توجيه براهينها الوجهة الصحيحة وفي مجال الجمع في الاستدلال بين صحيح النقل وصريح العقل وضع ما يمكن تسميته بشروط البرهان أو حق البرهان، ومن حق هذا الكتاب أن يسمى «برهان الحق وحق البرهان»، وهذا الأسلوب الرائع قل من يتنبه له أو يعمل على إظهاره وإبرازه بالوجه الصحيح الذي يجب أن يظهر ويبرز به.
بيد أن طريقته في كيفية تفنيد دعاوى الملحدين، وشبهات المشبهين، وتمويهات المجسمين، وفنقلات المفنقلين، وتحريفات الغالين، وانتحالات المبطلين، وتأويلات الجاهلين، تضعنا أمام تأصيل جديد ونموذج فريد تطمئن إليه النفس ويرتاح معه البال. وأما إبداعه ومنهجه في كيفية إسقاط القداسة والعمالة التي صنعها أهل الباطل حول رموزهم التي حملوها فوق قداسة الكتاب وصحيح السنة فهو يمثل تحطيماً حقيقياً لأوثان وأصنام العصر التي نمت وترعرعت وعشعشت في عقول الكثير من أصحابها تحت لافتات فضفاضة وعناوين براقة ضلت كثيراً من الناس. ولخص الباحث كتاب «برهان الحق» قائلا : يعتبر سفينة لمن أراد النجاة من الغرق في بحر الضلالات والظلمات والتدليسات والتلبيسات والتغريرات والشبهات التي غرق فيها كثير من الناس وحارت فيها عقول الأكياس فضلاً عن عقول ذوي الشك والالتباس. وأجد نفسي عاجزاً عن توصيف أو تعريف كتاب كهذا فضلاً عن الكتابة عن منهج مؤلفه.
إحاطة الأصول
بعدها تم تقديم بحث بعنوان «تبرئة المذاهب المظلومة من خلال كتاب برهان الحق» وقدمه سيد أزهر حسين حيث ألقى في ورقته الضوء على المذاهب المظلومة في التاريخ الإسلامي كالمعتزلة والشيعية والجهمية والإباضية، حيث قال الباحث : اننا هنا وضعنا المدرسة الإباضية كنموذج ، مع اعترافنا بأن من أسس المنهج العلمي ضرورة استقاء المعلومات من كتب الفرقة التي نكتب عنها، فأهل مكة أدرى بشعابها، فإذا أردنا أن نحيط بأصول المذهب الإباضي علينا بقراءة ما كتبه علماء المذهب الإباضي، لأن من ينشد الحق يطلبه من ينبوعه، لا من منتحله حسب هواه.
وفي ختام أوراق الندوة في يومها الأول قدم الدكتور فرحات الجعبيري بحثه بعنوان «البعد الحضاري من خلال كتاب برهان الحق» حيث ركز هذا المحور على الجوانب الحضارية التي تنفع المجتمع بشكل عام وما يتعلق بذلك من إنصاف للمظلوم وتبرئة المتهم والوسطية التي يقوم عليها الدين وهذه الوسطية تتجلى في مبادئ الدين كله، فلا شك انها تظهر في صورة واضحة في العقيدة.