ـ التوصية بضرورة إجراء مزيد من الدراسات الجينية والمسوحات البيئية لضمان رجوع المها العربية في البرية العمانية وتأسيس البنك الحيوي للحيوانات البرية
كتب ـ وليد محمود : تصوير ـ إبراهيم الشكيلي:
وصلت أعداد المها العربية في محمية الكائنات الحية والفطرية بـ (جعلوني) بمحافظة الوسطى اليوم إلى 658 رأساً في سعي مكتب حفظ البيئة لتنمية وصون الحياة البرية لحيوان المها العربية من الانقراض، والذي جاء إحياؤه في عام 1980م، حيث تم إنشاء أول محمية طبيعية في السلطنة ليتم إطلاق 12 زوجاً من هذه الحيوانات بعد إكثارها في الولايات المتحدة الأميركية عن طريق سلالات تم جلبها من كل من السلطنة والمملكة العربية السعودية واليمن جاء ذلك في ورقة العمل التي ألقاها الدكتور قيس بن عبدالله الرواحي تخصصي أول صون الطبيعة بمكتب حفظ البيئة والمرشح لنيل الدكتوراه بجامعة سيدني الاسترالية عن مشروع التقييم الجيني للمها العربية وذلك ضمن أنشطة معهد تطوير الكفاءات في جانب التعليم المستمر بالتعاون مع مكتب حفظ البيئة بديوان البلاط السلطاني.
وقد نظمت محاضرة علمية حملت عنوان:(المها العربية بين الإطلاق والأسر) بحضور عدد من مسؤولي ديوان البلاط السلطاني وعدد من المهتمين والباحثين في المجالات البيئية وذلك بنادي الواحات حيث تكلم عن واقع المها العربية من حيث الأعداد والحالة الصحية والجهود المبذولة وخطة الإدارة المتكاملة لإدارة وإطلاق المها العربية.
وقد اشتملت المحاضرة العلمية على عدة محاور أبرزها تاريخ مشروع المها العربية في السلطنة وقصة إنشاء القطيع العالمي في الولايات المتحدة الأميركية من (9) رؤوس تم جلبها من ثلاثة مصادر وهي:(اليمن والسعودية والسلطنة) وتحدث المحاضر عن بدايات المشروع الوطني لتوطين المها العربية بمحافظة الوسطى والتي بدأت بعدد (12) رأساً من المها العربي للقطيع العالمي .
وأشار الباحث إلى العدد الإجمالي للحيوانات وصل اليوم إلى 658 رأساً بمحمية الكائنات الحية والفطرية بمحافظة الوسطى، كما بيّن المحاضر الانتشار الجغرافي للمها العربية وآخر مشاهداتها في سبعينيات القرن الماضي حيث سجلت في جدة الحراسيس قطيعا يتكون من عدد (6) رؤوس تم اصطيادها على أيدي منتهكي الحياة البرية باستخدام الأسلحة التي تعد من الأدوات المستخدمة في الصيد بالإضافة إلى التوسع العمراني من أسباب انقراض المها العربية من البراري، وقد تحركت المنظمات العالمية المختصة ومنها المنظمة العالمية لصون الحيوان بالمملكة المتحدة والمختصة في صون البيئة للإمساك بحيوانات المها العربية في عملية عرفت بعملية المها والتي نجحت في الإمساك بعدد (4) رؤوس من المها العربية (3 ذكور وأنثى ) وتأسيس القطيع العالمي وإكثاره باستقدام مجموعة منها للتوطين في فيافي الصحراء العمانية (بجدة جعلوني) في العام 1980م ، وتعتبر محمية الكائنات الحية والفطرية أول محمية طبيعية يعلن عنها في السلطنة بموجب المرسوم السلطاني رقم (4/ 94) وتتنوع تضاريسها ما بين السهل والجبل والرمل والوادي، وتتميز بجمالية استثنائية لتكويناتها الجيولوجية والأرضية بالمنطقة، وتبلغ مساحتها حوالي 2824 كيلومتراً مربعاً، وهي تعنى في المقام الأول بإعادة توطين والحفاظ على حيوان المها العربي.
كما تطرق الرواحي كذلك في ورقته إلى الوضع الراهن وواقع المها العربية والحالة الصحية والجهود المبذولة حسب ما دلت عليه آخر الإحصائيات والدراسات، مشيراً إلى أهم الخصائص البيولوجية للمها وأنواعها بتأقلمها للتعايش مع درجات الحرارة العالية كما أنها قد تقطع مسافات طويلة تصل لحوالي 93 كم في غضون 24 ساعة أو حوالي 70 كم في غضون 15 ساعة من المساء للصباح.
وأشار الرواحي في ورقته إلى أن أبرز نتائج الدراسات والأعمال الميدانية والبحوث (الجينية والأمراض) التي قام بها مكتب حفظ البيئة خلال الفترة الماضية تشمل دراسة مكونات الدم الطبيعية للمها العربية وتصنيف هذه العينات مع مراعاة مصدرها إن كانت من المجموعات العمانية أو مشتركة مع دول أخرى، حيث أظهر التفاوت في مستويات مكونات الدم الطبيعية بين ذكور وإناث المها العربي، والصغار والكبار بأرقام وجداول تساعد المختصين في رعاية الحيوانات البرية على معرفة المستوى الطبيعي لمكونات دم المها العربية وفي دراسة أخرى تم تحديد واقع طفيليات الدم والطفيليات الخارجية بين حيوانات المها العربية وحيوانات الأسر في محمية الكائنات الحية والفطرية،
وتحدث الباحث في دراسته الجينية (إيضاحات أولية للتباين الجيني في قطيع إكثار المها العربية بمحمية الكائنات الحية والفطرية باستخدام الحمض النووي للميتوكندريا (mtDNA) والتي أظهرت فيها تفاصيل أسلاف المها العربي ومقارنتها بين المها العربي في القطيع العالمي، وأيضاً أفضلية جينية بإضافة مجموعات أخرى خارجية للتكاثر مع القطيع حيث وجدت 9 نسخ نوعية موزعة على 138 عينة شملتها الدراسة بين قطيع الإكثار (القطيع العماني والقطيع المشترك).
ثم تطرق إلى التدابير التي اتخذها مكتب حفظ البيئة حول خطة الإدارة المتكاملة لإدارة وإطلاق المها العربية وطرق الحماية منها وحول تحديات الصيد الغير المشروع والاعتداءات على الحياة الفطرية في السلطنة وأهمية إعادة الإطلاق للبرية.
وفي نهاية المحاضرة تحدث الدكتور قيس بن عبدالله الرواحي عن النظرة المستقبلية لسلسلة الدراسات الميدانية والجينية لحيوانات المها العربية في السلطنة ودور المجتمع المحلي المشارك في حمايتها في المناطق التي تعيش وتتكاثر فيها وجاءت التوصيات بضرورة إجراء مزيد من الدراسات الجينية والمسوحات البيئية لضمان رجوع المها العربية في فيافي البرية العمانية حرة وآمنة، فقد أكد الدكتور على ضرورة البدء في برنامج مدروس وممنهج لإكثار المها العربي في الأسر وتأهيلها قبل الإطلاق في مجموعات بين ذكر وأنثى وصغير وكبير.
وتحدث الباحث قيس الرواحي عن إطلاق مبادرة مشروع تعاون مشترك بين مكتب حفظ البيئة ومجلس البحث العلمي والجهات البيئية المختصة ممثلاً بمركز الموارد الوراثية والحيوانية وذلك من أجل تأسيس البنك الحيوي للحيوانات البرية في السلطنة والذي يهدف الى جمع عينات الحيوانات البرية واستخلاص الحمض النووي وتسجيل التسلسل الوراثي لكل نوع، بالإضافة الى مشروع جينوم المها العربي والذي يتم بالتعاون بين المكتب وجامعة سدني الاسترالية.
ويعتبر مكتب حفظ البيئة بديوان البلاط السلطاني الذي أنشئ عام 1974م أقدم مؤسسة بيئية في السلطنة يساهم بجانب المؤسسات الأخرى المعنية بالبيئة في صون الطبيعة والحياة الفطرية في عدد من المحميات الطبيعية المتمثلة في (محمية الخوير الطبيعية، محمية رأس الشجر الطبيعية، محمية السرين الطبيعية، محمية الكائنات الحية والفطرية، محمية خور صلالة الطبيعية) ويشرف على تنفيذ بعض المشاريع البيئية المهمة المتعلق أغلبها بصون المفردات والنظم البيئية لتلك المحميات كــ (مشروع صون النمر العربي، ومشروع مسح وصون الوعل العربي، ومشروع مسح الصقر الأدهم، ومشروع اعادة توطين المها العربية ومشروع غزال الريم كما يقوم حالياً بمشروع اكثار الغزال العربي بمحافظة الوسطى).