[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

في مشهد الأزمات المفتعلة في الدول العربية المستهدفة برزت قضيتان بصورة لافتة؛ لكونهما إحدى اللوازم التي يجب أن يبنى عليها مخطط التدمير والتقسيم والنهب والسيطرة على المقدرات والثروات، واستعباد الشعوب، ولن يكتب النجاح له ـ كما يرى العقل المُخطِّط ـ ما لم تحقق كل قضية منهما أهدافها.
القضية الأولى هي: الاستنسال المتعدد للتنظيمات الإرهابية من رحم تنظيم القاعدة الإرهابي (تنظيم الأم)، وتوسيع رقعة انتشاره مع تضخيم خطره، وفي مقدمتها تنظيم "داعش" الإرهابي، ثم الادعاء بمحاربة الإرهاب، باعتباره المبرر الأقوى والذريعة الكبرى لجهة محاولة إضفاء نوع من الشرعية والقانونية على التدخل في الشؤون الداخلية للدول. أما القضية الثانية فهي إلحاق أكبر قدر من الكوارث والآلام بالمدنيين، واتباع سياسة التهجير والتشريد على نحو ما بدا للجميع في العراق وليبيا وسوريا واليمن حاليًّا، حيث بات الموضوع الإنساني لهؤلاء المدنيين المشردين عمدًا وقسرًا مادة إعلامية وسياسية دسمة للقوى المتآمرة والمتدخلة في الشؤون الداخلية لهذه الدول المستهدفة. ومن يرصد مسار الأحداث في هذه الدول يجد أن هاتين القضيتين تتصدران المشهد اليومي سياسيًّا وإعلاميًّا وأيضًا عسكريًّا، لكن عند النظر في تفاصيلهما سيلحظ مدى التوظيف لهما والمُعبِّر عن انحطاط أخلاقي غير مسبوق، وفائض نفاق يغرق كل المبادئ والقيم الإنسانية لصالح شرذمة من القوى الشريرة العاشقة للإرهاب والعنف وإراقة الدماء، وذلك من خلال الادعاء الكاذب بمحاربة الإرهاب، في حين يتواصل دعم التنظيمات الإرهابية عسكريًّا ولوجستيًّا وخاصة تنظيم "داعش" الإرهابي. فما معنى أن يحافظ هذا التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية على قوته وعديده، ويواصل مد رقعة انتشاره، مع ما أعلن عن استراتيجية لمواجهته، وتحالف دولي يفوق ستين دولة ويغطي طيرانه الحربي سماء المنطقة؟ وماذا يفهم أن يجاهر أحد تجار الحروب وداعمي الإرهاب بتهديده قارة بأكملها بإغراقها باللاجئين والمهجرين؟
إنه التوظيف غير الأخلاقي والمنحط للإرهاب وللاجئين لتحقيق أجندات وأهداف تبدو واضحة وأبعد من مزاعم محاربة الإرهاب، ومن مزاعم حماية اللاجئين والمهجرين من مدنهم وقراهم من جرائم التنظيمات الإرهابية؛ فالذي يدَّعي حماية المدنيين واللاجئين والمهجرين، ويدعم الإرهاب لكي لا يُبقي حجرًا على حجر، ولا بشرًا آمنًا في سربه، ولا شجرًا قائمًا على أرضه، يضع عينه على أهداف يعمل على إنجازها.
يعود الأميركي بثوبه الجديد إلى واجهة الأحداث في المنطقة معلنًا عن توجهه نحو إقامة "مناطق آمنة" لـ"منع تدفق اللاجئين والمهاجرين على الغرب"، وفي هذا الإعلان قفز على حقائق الأشياء، لجهة أن أزمة اللاجئين ما كان لها أن تحدث لولا الدور الغربي في إنتاج الإرهاب ودعمه لتدمير سوريا وليبيا والعراق واليمن، واستخدامه بديلًا عن الحروب العسكرية التقليدية بعد الخسائر البشرية والمالية التي مُنِيَ بها الأميركي والغربي، وبالتالي فإن الحل الأمثل لهذه الأزمة، ولتبديد المخاوف الأميركية ـ الغربية المفتعلة أو الصادقة من احتمال اندساس إرهابيين بين هؤلاء اللاجئين، هو التخلي عن دعم الإرهاب وتنظيماته، وعدم عرقلة الحل السياسي، وتشجيع الأفرقاء على ذلك، ورفع يد الوصاية عن من يسمون اليوم بـ"المعارضات".
غير أن ما يسعى إليه الأميركي والغربي من توجهه نحو إقامة "مناطق آمنة" وبغض النظر عن من يمولها، هو تحقيق ثلاثة أهداف مهمة بالنسبة لهما: الهدف الأول هو الاستيلاء على مصادر الطاقة والثروات الطبيعية، حيث العين تبدو ـ من خلال دعم الأميركي ومن معه لتمركز تنظيم "داعش" الإرهابي ـ موجهة إلى المناطق التي بها ثروات النفط والغاز، ولم يخفِ الرئيس الأميركي دونالد ترامب هذا الهدف عبر مجاهرته بتدفيع العراق ثمن الغزو الأميركي من احتياطيات العراق النفطية، وكذلك، بتأكيده أنه لو تدخلنا مبكرًا ومنعنا تنظيم "داعش" من سيطرته على النفط لتمكنا من تحجيمه، ومثل هذا الكلام مردود عليه، فالذي يبيع النفط العراقي والسوري الذي يسرقه التنظيم الإرهابي معروف، والذي يدعمه بالأسلحة مقابل الأموال المقبوضة من بيع النفط المسروق معروف، فضلًا عن نشر التنظيم الإرهابي ودعم تمركزه في المناطق ذات الثروات النفطية والغازية والطبيعية.
والهدف الثاني هو أن النجاح في إقامة "مناطق آمنة" أو "حظر طيران" سيسهل نجاح مخطط التقسيم والتفتيت في الدول التي يراد أن تقام فيها هذه المناطق. أما الهدف الثالث فهو تقطيع أواصر محور المقاومة، وخلق مناطق عازلة عن تواصل قواه؛ وبالنظر إلى هذه الأهداف الثلاثة نجد أنها تخدم طرفًا واحدًا وهو كيان الاحتلال الإسرائيلي وحده الذي شنَّت الولايات المتحدة لحسابه حروبها العسكرية على دول المنطقة.