”إن اصطياد الأخبار المزيفة لا طائل من ورائه، ولكن في أوروبا اليوم، هناك الكثير من الناس المتحفزين في انتظار شيء ما ليطفو على السطح، وفي كل من فرنسا وألمانيا، أطلق موقع الفيسبوك مؤخرا نفس الحل لمكافحة الأخبار المزيفة الذي جربه لأول مرة في الولايات المتحدة بأنه يمكن للمستخدمين وضع علامة على المحتوى الذي يبدو وهميا بالنسبة لهم لارساله إلى مجموعة من المشرفين.”


بالمقارنة مع الولايات المتحدة العام الماضي، لا تشهد الدول الأوروبية التي ستخوض انتخابات ذات تنافس محموم في عام 2017 انفجارا كبيرا في الأخبار الوهمية.
ففي هولندا، حيث ستجرى الانتخابات في 15 مارس، حيث يعد حزب الحرية القومي لجيرت فيلدرز هو الأوفر حظا، فقد تم ضبط فيلدرز مؤخرا في فضيحة إخبارية وهمية بعد أن غرد بصورة مركبة لزعيم حزب منافس وهو يحشد مع مجموعة إسلامية متطرفة، رافعين لافتات كتب عليها "الإسلام سوف يغزو أوروبا" و "الشريعة لهولندا"، بينما الصورة الأصلية التقطت في المملكة المتحدة في عام 2009.
وأعيد نشر تغريدة فيلدرز 491 مرة – وهو ليس رقما كبيرا بالنسبة لرجل سياسي يتابعه ما يقرب من 770000 شخص على تويتر - وكان أكثر هذه المشاركات للتغريدة من معارضي السياسيين. بخلاف هذه الحادثة، بدت الانتخابات الهولندية إلى حد كبير خالية من هواجس "ما بعد الحقيقة".
المعركة الانتخابية الرئيسية التالية ستجرى في فرنسا في أبريل ومايو، حيث قام ايمانويل ماركون ، مرشح يسار الوسط، في الآونة الأخيرة بفبركة أخبار وهمية عن أحد موضوعات حملته الانتخابية، متهما وسائل الدعاية الروسية المملوكة للدولة بنشر معلومات مضللة عنه، وهذا يكاد يكون خبرا مزيفا في حد ذاته.
وردا على سؤال حول الاتهامات في التليفزيون الفرنسي، أشار ريتشارد فيرون، الأمين العام لحزب ماركون، إلى قضاء ليلة في السفارة الفرنسية خلال رحلة في يناير في لبنان – في إساءة استخدام مزعومة للأموال العامة.
جاء أسوأ هجوم على ماركون من Sputnik ، أحد مواقع الكرملين، بنقل تصريحات المشرع الفرنسي اليميني نيكولا دويك الذي انتقد ماركون كداعية العولمة، منوها إلى أن هناك "لوبي مثلي الجنس من الأثرياء جدا" يقفون وراءه، وتوقع بأن "تفاصيل مثيرة للجدل من حياته الشخصية وعلاقاته" ستظهر قريبا للعلن. وهكذا وصف بأنه "رأي" وليس "خبرا" وهميا أو غير ذلك.
وفي ألمانيا، حيث بقي على الانتخابات سبعة أشهر فقط، ربما يكون الوقت مبكرا للغاية بالنسبة لسيل من الأخبار الوهمية حول أي من كبار المرشحين. حتى الآن، كانت الفضائح ذات أهمية سياسية محدودة، حيث رفعت عضوة حزب الخضر بالبرلمان رينات كويناست دعوى ضد مجموعة يمينية لإعادة نشر اقتباس وهمي لها من المفترض أنه يدافع عن أحد طالبي اللجوء الأفغان الذين اغتصبوا وقتلوا طالبا ألمانيا. وقام اللاجئ السوري الذي التقط ذات مرة صورة شخصية له مع المستشارة الالمانية انجيلا ميركل عندما زارت مركزا للاجئين في برلين برفع دعوى قضائية ضد الفيسبوك بعد أن ظهرت الصورة جنبا إلى جنب مع مشاركات تدعي أنه متورط في هجمات إرهابية.
بغض النظر عن ذلك، دأب موقع بريتبارت Breitbart، الأميركي اليميني المتطرف على نشر مواد تتجاوز حدود المنطق حول الانتخابات الألمانية. ففي يناير الماضي، أفاد الموقع بأن مجموعة من الغوغاء أضرموا النار في كنيسة دورتموند وهم يهتفون "الله أكبر" في ليلة رأس السنة الميلادية الجديدة. لكن الحقيقة هي أن سقالات كانت تغطي الكنيسة اشتعلت فيها النار لفترة قصيرة بسبب الألعاب النارية. ومع ذلك فقد تمسك موقع Breitbart بتقريره، بل وواصل نشر وابل مستمر من الأخبار التي تصور ألمانيا كما لو كانت مسرحا لأعمال الشغب والجريمة من المسلمين. ولكن الجمهور الألماني المتابع لموقع Breitbart ضئيل - حوالي 900 ألف زيارة في يناير مقارنة بـ 86.3 مليون زيارة لصحيفة التابلويد "بيلد".
إن اصطياد الأخبار المزيفة لا طائل من ورائه، ولكن في أوروبا اليوم، هناك الكثير من الناس المتحفزين في انتظار شيء ما ليطفو على السطح، وفي كل من فرنسا وألمانيا، أطلق موقع الفيسبوك مؤخرا نفس الحل لمكافحة الأخبار المزيفة الذي جربه لأول مرة في الولايات المتحدة بأنه يمكن للمستخدمين وضع علامة على المحتوى الذي يبدو وهميا بالنسبة لهم لارساله إلى مجموعة من المشرفين. وفي فرنسا أيضا، دشن موقعا الفيسبوك وجوجل، ووسائل الإعلام الرئيسية وجماعات المجتمع المدني أيضا مشروعا يسمى CrossCheck مكرسا لتتبع ووقف انتشار الأخبار مزيفة.
هذه الجهود مجتمعة، واحتمالات قفز السياسيين وأجهزة الاستخبارات على أي ذرة افتراء خطير تجعل من الصعب على أي عمليات تضليل متضافرة أن تنجح قبل الانتخابات الأوروبية هذا العام. ولكن أشك في أن أيا من ذلك سيحدث.
فوسائل الدعاية الروسية المفتقرة للجمهور في معظمها يهمها اتهامها علنا بمحاولة التأثير على نتائج الانتخابات، ومن ثم دحض هذه الاتهامات بصوت عال، وذلك لأنه يروق بشكل جيد لجمهور محدد في موسكو – أي المسؤولين الذين تغذي وجهات نظرهم قرارات الميزانية.
ليس هناك فائدة في خلق أخبار وهمية أوروبية على النحو الذي فعله الشباب المقدوني بالنسبة للولايات المتحدة في عام 2016 لحصد جمهور للإعلانات على مواقعهم، فهناك الكثير من الدول لمتابعتها واللغات التي يصعب تحليلها، ولا توجد دولة أوروبية لديها جمهور مقبل على الأخبار المزيفة قد يضاهي قاعدة دونالد ترامب من حيث الحجم والحماس. بل إنه حتى المجتمعات اليمينية المتطرفة المحلية تضع المزيد من الثقة في المصادر المحلية في فرنسا وألمانيا.


ليونيد بيرشيدسكي
كاتب بخدمة بلومبرج فيو، ورئيس التحرير المؤسس للصحيفة الاقتصادية الروسية فيدوموستي، ومؤسس موقع Slon.ru.
خدمة واشنطن بوست وبلومبيرج نيوز – خاص بالوطن