” .. لم يقتصر مسار معارك الموصل على النتائج المتحققة في ميدان المعارك وما يتبعها من أزمة نازحين، وإنما المستقبل السياسي لمدينة الموصل وعلاقته بمسار العملية السياسية بشكل عام. فهزيمة "داعش" في الموصل ومحاصرة بقاياه في العراق ستفتح الطريق أمام إعادة تموضع سياسي قد يقود إلى إعادة النظر في التحالفات السياسية على ضوء النتائج المتحققة في الميدان.”

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]

مع انطلاق الصفحة الثانية لمعركة استعادة أيمن الموصل فإن التحدي الذي يواجه القوات المهاجمة يكمن في معركة تدور رحاها في أزقة ضيقة وقديمة تحتوي على منازل متراصة يقطنها عشرات الآلاف من المدنيين.
وعلى الرغم من أن قوات الشرطة الاتحادية، قد تقدمت فعليا من المدخل الجنوبي لهذه المنطقة، وأحكمت قبضتها على تقاطع الطريق بين بغداد ونينوى. إلا أن هذه الخطوة غير كافية للتكهن بمديات المعركة وسقفها الزمني. وطبقا لمحللين عسكريين فإن خطة المعركة لاستعادة أيمن الموصل تتضمن مشاغلة تنظيم "داعش" في محوري الشمال والجنوب، لدفعه إلى سحب عناصره إليهما، وفسح المجال أمام جهاز مكافحة الإرهاب، المتمركز في المحور الأوسط على ضفة الجانب الأيسر، لتمكينه من الوصول إلى مركز الموصل القديمة، ذات الكثافة السكانية العالية.
وتزامن الجهد العسكري العراقي بتدخل طائرات أميركية بشنها غارات جوية على ضواحي المدينة الغربية، بينما بدأت قوات خاصة بالتقدم نحو هذه المناطق.
واستنادا لمسار الخطة العسكرية تحاول القوات العراقية سحب عناصر "داعش" نحو مناطق شمال الجانب الأيمن وجنوبه، ذات الكثافة السكانية القليلة نسبيا، وتجنب القتال داخل المناطق المكتظة بالسكان، فضلا عن التعامل مع منطقة الموصل القديمة، التي تضم نحو 800 ألف من السكان ما زالوا بداخلها.
وازاء مسار المعارك ومستجداتها توقعت بعثة الأمم المتحدة في العراق، نزوح نحو 400 ألف شخص من الجانب الأيمن جراء تداعيات المعركة واحتمالات استمرارها لفترة أطول مما خطط له.
ولم يقتصر مسار معارك الموصل على النتائج المتحققة في ميدان المعارك وما يتبعها من أزمة نازحين، وإنما المستقبل السياسي لمدينة الموصل وعلاقته بمسار العملية السياسية بشكل عام. فهزيمة "داعش" في الموصل ومحاصرة بقاياه في العراق ستفتح الطريق أمام إعادة تموضع سياسي قد يقود إلى إعادة النظر في التحالفات السياسية على ضوء النتائج المتحققة في الميدان.
وما يعزز هذا المنحى في المسار السياسي بعد هزيمة "داعش" الموقف الأميركي الذي يتركز على تصحيح المسار السياسي في العراق وإبعاده عن التأثيرات الخارجية ليبقى متناغما مع المزاج العربي والإقليمي القلق من النفوذ الخارجي في تحديد أولويات سياسة العراق وتحالفاته الخارجية بعد مرحلة "داعش".
وزيارة وزير الدفاع الأميركي للعراق وتأكيده على مواصلة دعم بلاده لبغداد تندرج في إطار الاهتمام الأميركي بمستقبل العلاقة مع العراق، وهي محاولة أميركية تنتهجها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب لإبقاء العراق حليفا استراتيجيا لها وليس يدور في فلك دول أخرى تتقاطع أهدافها مع سياستها المتبعة في الخليج العربي.
إن الخيارات المطروحة للتعاطي مع مرحلة ما بعد "داعش" قد تحدد مسار الأحداث في العراق ومساراته المستقبلية داخليا وخارجيا على الرغم من أن معركة استعادة الجانب الأيمن من الموصل قد تستغرق وقتا وجهدا إضافيين، إلا أن مصير المدنيين والحفاظ على حياتهم سيبقى مصدر قلق الجميع.