شكل التعليم اللبنة الأساسية التي أقام بها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم ـ حفظه الله ورعاه ـ هذا الصرح النهضوي العظيم، على مدار الـ46 عامًا الماضية، فمنذ ندائه بالتعليم ولو تحت ظل شجرة، وحتى دعوته إلى إضافة معارفَ جديدة، عن طريق الاستنباط والفكر والتدبر بهدف تصحيح معارف من سبقنا لأن المعرفة ليست مطلقة، المعرفة متجددة، وإيمانه ـ أبقاه الله ـ الراسخ بأننا نعيش عصر العلم، ونشهد تقدمه المتلاحق في جميع المجالات، وإن ذلك ليزيدنا يقينًا بأنَّ العلم والعمل الجادَّ هما معًا وسيلتنا لمواجهة تحديات هذا العصر، وبناء نهضة قوية ومزدهرة على أساس من قيمنا الإسلامية والحضارية. فوفق الرؤية السامية كان العلم النافع، هو سبيل النهضة الوحيد؛ لذا فقد شدد جلالته في توجيهاته السديدة على بناء المعلم العماني الكفء منذ بواكير عصر النهضة، إدراكًا منه لما يمثله المعلم في العصر التربوي الحديث، وهي رؤية تنطلق من اهتمام جلالته ـ أيده الله ـ ببناء الإنسان العماني ورعايته وتأهيله ليكون على قدر المسؤوليات الملقاة على عاتقه.
إن مهنة التعليم من أرقى المهن وأشرفها، ففي بعض الدول تسعى رقاب أصحاب المهن لتصل لأهمية ومكانة المعلم، ولمَ لا؟ فهو من علمهم، سواء كانوا علماء أو مفكرين أو حتى مخترعين، فهم كانوا أطباء أو مهندسين أو أدباء يعود الفضل في ذلك إلى هذا الأب التربوي الذي علم فخرج أجيالًا، إنه صانع الحاضر وباني المستقبل، ومستخلص العبر من الماضي، فهو من غرس بعلمه بذورًا، تتحول بمرور الوقت إلى ثمار يانعة تغدق الأوطان بعلمها، وعملها، وتنهض بينابيع المعرفة وفيوض الآداب، فالمعلم صاحب رسالة يستشعر عظمتها ويؤمن بأهميتها ولا يضن على أدائها بغالٍ ولا رخيص، ويستصغر كل عقبة دون بلوغ غايته من أداء رسالته.
فمع ثقل الدور الذي يقع على عاتق المعلم، حيث يتعدى دوره التعليمي بأدوار عدة تربوية ـ اجتماعية تساير روح العصر والتطور، فالمعلم في المفهوم التربوي الحديث ناقل لثقافة المجتمع، فهو قدوة لطلابه، يتمسك بالقيم والمثل العليا، يدعو إليها ويبثها بين طلابه والناس كافة، ويعمل على شيوعها واحترامها ما استطاع. كيف لا؟ وهو أحد العوامل الحاسمة في تحقيق أهداف السياسات المختلفة للتعليم، لذا وجب رعاية المعلم العماني وتوفير ما يحتاج إليه في أداء رسالته التربوية، وذلك عبر العديد من برامج الإنماء المهني في مختلف المجالات التخصصية والمهنية.
ونحن نحتفل بيوم المعلم الذي يصادف الرابع والعشرين من شهر فبراير من كل عام، فإننا نحدد يومًا سنويًّا نتذكر ونذكر فيه الجميع بأن هناك جهودًا تبذل، وثلة مخلصة تعمل واضعة نصب عينيها الهدف الأسمى، وهو الرقي بعمان شعبًا وإنجازات، فبدون المعلم ـ المؤهل أكاديميًّا ومهنيًّا، المدرك لعظم دوره، المتحمل لأمانة رسالته، الواعي بتغيرات مجتمعه، المستعد لتحديات عصره، المطلع على مستجدات مهنته ومتطلباتها ـ لا يستطيع أي نظام تعليمي ـ مهما كانت إمكاناته المادية ـ الوصول إلى تحقيق غاياته التعليمية وأهدافه الوطنية، المتمثلة في تربية الأبناء، وبناء المجتمع وبخاصة في عصر المعرفة وثورة المعلومات، وطفرة الاتصالات والتقنيات العالية، وتحول التنافس بين الأمم إلى ميادين العلم والابتكار ومناهج التعليم وتخصصاته ومخرجاته وساحات التربية ومدارسها وروادها من المعلمين والمتعلمين .
إنه يوم نتمنى لو نضعه في ذاكرتنا جيدًا، فكم من معلم تهفو أنفسنا ونحن كبار على استذكاره، والإقرار بفضله، فلولاهم ما كنا حيث نحن، لذا فعلينا استغلال هذه المناسبة، بالتعبير البسيط لهم عن امتناننا، بإرسال كلمة شكر للمعلم، الذي تفانى في تعليمنا، أو اتصال بسيط قد يكون حافزًا له طوال العمر، فما أجمل أن تشعر بحصاد ما غرست، وعلينا أيضًا أن نعلم أبناءنا فضل المعلم، ومحاولة إعطائهم هدايا رمزية يقدمونها لمعلميهم، الأمر الذي يدل على تأثر المعلم بالطلبة باعتبار أن المعلم هو المربي لهم. كما علينا أن نشارك كأولياء أمور الطلبة في الاحتفاء بالمعلم على كل ما يبذله في سبيل أبنائنا.