[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]

خميس بن حبيب التوبي
[email protected]

تشي جلسات مؤتمر جنيف الرابع بعدم إمكانية حدوث اختراق حقيقي في جدار التعقيد، ذلك أن الإرادة لدى أطراف المعارضة (منصات، ائتلافات، هيئات) ليست بعد في وارد التحرك خطوات باتجاه إحداث الاختراق المطلوب، وكسر الروتين الممل الذي يشوب كل مرة المؤتمرات المتعلقة بمناقشة الأزمة السورية.
فعلى الرغم من الأجواء الإيجابية التي أنتجتها مباحثات مؤتمر أستانا والاتفاق على محاربة الإرهاب، وقبول مجموعات مسلحة فصل نفسها عن تنظيمي "داعش والنصرة" الإرهابيين، وجلوس الجميع على طاولة التفاوض في جنيف، فإن المؤتمر يبدو أنه بحاجة ماسة إلى قوة دفع أكبر كالتي حضرت أثناء مؤتمر أستانا، غير أن هذا لا يبدو متوافرًا بعد، وهو ما يعكس ـ كما في كل مرة ـ الدور الذي تلعبه القوى المتدخلة في الشأن الداخلي السوري، والحريصة دومًا على تعميق الأزمة، وتأجيج مشاعر العداء والكراهية، والفتن الطائفية والمذهبية بين مكونات المجتمع السوري، حيث لا تزال تمارس هذه القوى وسائلها عبر من تقول إنها تدعمهم من "المعارضات"، ولكنها في حقيقة الأمر من توظفهم، ليس لتعطيل المؤتمر فحسب، وإنما لفرض شروطها وإملاءاتها على المؤتمر وعلى الطرف الحكومي وحلفائه تحديدًا.
إن ما قاله المبعوث الأممي ستافان دي ميستورا في كلمة افتتاحه مؤتمر جنيف الرابع، بأن المجهود الذي ينطلق في المؤتمر هو فرصة لوضع مسار الحل السياسي للأزمة في سوريا، مشددًا على أنه لا ينبغي أن تكون هناك شروط مسبقة للمحادثات. هو وصف أصاب كبد الحقيقة من حيث إنه فرصة يجب على الجميع اغتنامها، وينتظرها الشعب السوري بفارغ الصبر، لأنه المتضرر الأول والأكبر من الإرهاب ومن استمراره واستمرار دعم تنظيماته، وبالتالي لا بد أن يتحلى بروح المسؤولية من يتشدقون من "المعارضات والهيئات والائتلافات" بأنهم يدافعون عن الشعب السوري، ويُنصِّبون أنفسهم متحدثين باسمه، وأن يبرهنوا على حقيقة دفاعهم، وأول برهنة على ذلك التخلي الصريح عن دعم الإرهاب وتأييده، والتخلي عن موالاة من يكنون العداء البيِّن والكراهية البارزة تجاه سوريا (شعبًا وجيشًا وقيادةً)، والتخلي أيضًا عن أن يكونوا منصات لهم، ووكلاء عنهم في الحديث وسَوْقِ الشروط والإملاءات المسبقة وفرضها، خاصة وأن هذه الشروط والإملاءات باتت مكشوفة ومفضوحة أنها تتربص بسوريا وشعبها وجيشها وقيادتها، ووحدتها وسيادتها واستقلالها، وتخدم أجندات ومشاريع موجهة نحو المنطقة عامة وسوريا خاصة.
لذلك لم يخفِ المبعوث الأممي دي ميستورا، في الوقت ذاته، الحقيقة وهي أنه لا يتوقع معجزة من هذه المفاوضات، موضحًا أن هناك "خلافات كثيرة جدًّا".. ولعل هذا أيضًا ما يعبِّر عن فهمه ـ باعتباره قريبًا جدًّا من القوى المتدخلة في الأزمة السورية ومن المعارضات ـ أن العديد من القوى المتورطة بالحرب على سوريا تخطيطًا ودعمًا وتمويلًا وتسليحًا وتدريبًا للتنظيمات الإرهابية التكفيرية الظلامية، ونتيجة عقم خياراتها وفشل رهاناتها في سوريا، باتت تعول على السياسة لتعويض ما فشلت فيه بالميدان بفرض شروط وإملاءات تتناسب مع مخططاتها وأهدافها، وإذا ما فشلت في هذا أيضًا، فإنها بهذا تكون قد نجحت في إفشال المؤتمر، ومحاولة إعادة الأمور إلى مربعها الأول، وبالتالي إجهاض وتعطيل المسعى الدولي لحل الأزمة الذي ينسجم مع طموحات ومصالح وتطلعات السوريين‏. لذلك مؤتمر جنيف الرابع أو الخامس بحاجة إلى معجزة حقيقية تحقق أحلام الشعب السوري وتطلعاته، وتترجم الجهود الحثيثة التي تبذلها الحكومة السورية وحلفاؤها من أجل وضع نهاية لهذه الأزمة التي طال أمدها.
المفارقة اللافتة هنا هي أن المعجزة التي يبحث عنها دي ميستورا أو لا يتوقعها يبدو المبعوث الأممي نفسه سببًا في تعذرها، وذلك من خلال الورقة التي قدمها للأطراف المشاركة في مفاوضات مؤتمر جنيف الرابع، وتتضمن مقاربة جديدة لعملية الانتقال السياسي في سوريا تقترح بحث قضايا التفاوض بالتزامن، حيث جاء في الوثيقة على لسانه "سنبحث هذه المسائل الثلاث (الإدارة، الدستور، الانتخابات) بشكل متوازٍ، ويمكنني اقتراح تشكيل مجموعات عمل".
قد يفهم مما تضمنته الورقة أن دي ميستورا يسعى إلى إحداث اختراق في مسلح المفاوضات وتعقيداتها، وهو ما يشي في الوقت ذاته ببراءة المبعوث الأممي وحسن نياته وحرصه على إنجاز الحل السياسي وتتويج مهمته به، إلا أن تجزئة المفاوضات، وتكوين مجموعات عمل يعني أيضًا تشتيت الجهود، وهنا ربما يفهم منه أن ثمة محاولة لاصطياد الوفد الحكومي، باعتباره الطرف الأقوى، والمتمكن من فهم قواعد اللعبة التي تدار بها جلسات المؤتمرات من قبل الأطراف الأخرى ومن معهم بمن فيهم المبعوث الأممي نفسه، فضلًا عن عدم شمول الورقة محاربة الإرهاب الذي أراد أن يخرب المفاوضات، ويرسل رسائل متعددة عبر سلسلة الهجمات الإرهابية التي طالت مقرات أمنية في مدينة حمص وأودت بحياة أكثر من أربعين سوريا أمس الأول.
في تقديري أن التعطيل لمسار الحل السياسي المنتظر سيتواصل من قبل المُعطِّلين والمعرقِلين، كما في الجولات السابقة، بانتظار موقف أميركي واضح في ظل الإدارة الجمهورية الحالية.