[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
وليد الزبيدي
هناك معياران للتجربة الديمقراطية في أي بلد، الأول، عبارة عن شعارات وبيانات وتصريحات تطلقها السلطات والمسؤولون في حكومة ذلك البلد، وغالبا ما تكون رنانة وفخمة، وقد ينبهر بها البعض ويجد في أطرافها وقشورها ما يوهم الآخرين بوجود ديمقراطية حقيقية في البلاد، وعندما يسمع البعيدون تلك التصريحات والخطب فإن الصورة الوردية سرعان ما تطفر أمام الكثيرين. أما الثاني، فيكون بشقين متلازمين، وهنا نتحدث عن الديمقراطية كما يفترض أن تكون عليه، فمن ناحية، نادرا ما تسمع تصريحات وبيانات وخطابات تتباهى بالديمقراطية في البلد، ولا تجد من يمتدح القادة والحكام لممارسات ديمقراطية والتزام مؤسسات الدولة باحترام حقوق الإنسان، وعدم وجود انتهاكات في هذه الزاوية أو تلك المخابئ، بل على العكس من ذلك فقد تجد انتقادات واتهامات للحكومة بسبب نقص في جوانب خدمية أو تضييق على شرائح معينة في المجتمع، وفي بعض الأحيان تكون تلك الانتقادات بحجم التهويل الخطابي والشعاري في البلدان المتباهية بديمقراطية غير موجودة واحترام لحقوق الإنسان لا يتجاوز وجوده على الورق والتصريحات.
على الجانب الآخر، لا يمكن تلمس ديمقراطية حقيقية بدون وجود تنمية في المجتمع، وإذا كانت الديمقراطية تؤسس لبناء سليم وشديد التماسك، فإن أولى نتائج ذلك البناء يجب أن تظهر على أرض الواقع، لكن ليس بطريقة الخطابات والتباهي والتفاخر التي يسمعها الناس في الكثير من الدول دون أن يلمسوا شيئا حقيقيا، بل إن المعضلة الحقيقية تتمثل في أن الكثير من الذين يتشدقون بالحديث عن الديمقراطية تجدهم يخفون الآلاف من المعتقلين الذين يتعرضون لأبشع أنواع التعذيب والانتهاكات، كما أن الكثير من هؤلاء يسرقون قوت شعوبهم ويخربون كل شيء في المجتمعات، في حين تتواصل حملاتهم الكلامية الشعارية التفاخرية.
مصطلح الديمقراطية سهل اللفظ، وليس ثمة صعوبات في فهمه والتعرف على تفاصيله، لكن المعضلة تكمن في تطبيقه بصورته الصحيحة، ولأن الجميع يزعمون وصلا بالديمقراطية، وأن أكثر هؤلاء الذين لا صلة لهم بهذا المصطلح إلا في حيز الخطابات والمزاعم، فإن المطلوب وضع ضوابط دقيقة يمكن تلمس من خلالها وجود ديمقراطية من عدمه، وفي مقدمة تلك الضوابط رفض تباهي المسؤولين وأدواتهم والحديث عن الديمقراطية، والمطالبة بالكف عن ذكر هذا المصطلح والاكتفاء بالمظاهر الحقيقية التي تؤكد وجود مؤسسات تنموية حقيقية واحترام حقوق الإنسان والحرص على خلق الأجواء الإيجابية في حياة الناس.
إن الديمقراطية الحقيقة يجب أن تظهر في التعليم الواسع والمنظم في مختلف أرجاء البلاد على أن يشمل الجميع دون تمييز لأحد على أحد، ودون إقصاء لهذه الفئة أو تلك المنطقة، وأن تكون أوجه التنمية الأخرى بارزة ويتلمس المرء مظاهرها في جميع مناحي الحياة، وأن يكون للثقافة حضورها البارز، وأن يحرص الجميع على هوية واحدة للمجتمع تزيد من قوته وتماسكه.