يعد احتضان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة إحدى أهم الخطوات التي تساعد الاقتصاد الوطني على النمو المطرد، فاحتضان المؤسسات الصغيرة والمتوسطة وتوفير المناخ المناسب لها من شأنه أن يؤدي إلى نموها لتصبح مؤسسات ضخمة، محققة بذلك الأهداف المقصودة للسلطنة، حيث تمتلك تلك المؤسسات سمات أساسية، تعتبر من مقوماتها البنيوية، فهي الأقدر من حيث الإمكانات على توفير فرص العمل، فهي وفق الأرقام العالمية، توفر أكثر من 60% من فرص العمل في الاقتصادات الكبرى، كما أنها تملك خاصية التوزيع الجغرافي العادل للثروات، فإمكانات المؤسسات الصغيرة والمتوسطة تمكنها من العمل بعيدًا عن العواصم، أو المناطق الرئيسية، حيث تستطيع توفير مصادر دخل للمواطنين في أماكن تواجدهم.
وتعتبر آلية حاضنات الأعمال من أكثر المنظومات التي تم ابتكارها في العشرين سنة الأخيرة فاعليةً ونجاحًا في تسريع تنفيذ برامج التنمية الاقتصادية والتقنية، وخلق فرص عمل جديدة، فحاضنات الأعمال تعد وسيلة مهمة وضرورية لدعم نمو المؤسسات الصغيرة والمتوسطة, وخصوصًا المبدعة, فهي تساعدها في التغلب على مشاكل التأسيس والانطلاق, وتطوير وتسويق منتجاتها, خصوصًا في ظل الأوضاع الحالية, والتي تتسم بتزايد حدة المنافسة.
ويتركز الدور الرئيسي للحاضنات على احتضان المؤسسات الصغيرة المبدعة نظرًا لقابلية هذه المؤسسات للتطور والنمو وتقبل الأفكار الجديدة، لذا ومع احتفال المركز الوطني للأعمال، التابع للمؤسسة العامة للمناطق الصناعية، بتخريج مجموعة من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة المحتضنة في حاضنتي المركز و"ريادة"، حيث هذه المشاريع جزء من مستقبل المشاريع الاقتصادية في السلطنة، فهي أعمال طموحة تقدم منتجات وخدمات في مختلف المجالات، لكنها كانت تحتاج يد العون، فكان المركز الوطني للأعمال و(ريادة) خير معين وقدما عبر الاحتضان المطلوب الدعم المادي والمعنوي، خاصة في المراحل التأسيسية لهذه المشاريع، ما أسهم في إيجاد طاقات عمانية قادرة على مواصلة الأعمال ومواجهة التحديات واجتياز الصعاب.
ولم تكن هذه المشاريع المحتفى بها هي الوحيدة، فقد بلغت الشركات المحتضنة في كل من حاضنتي المركز و"ريادة" خلال عام 2016، حوالي 34 شركة، وقد حققت هذه الشركات إجمالي مبيعات تجاوز 1,2 مليون ريال عماني تقريبًا، واستطاعت في فترة وجيزة توفير مورد رزق لأكثر من 81 موظفًا من القوى العاملة الوطنية، وقد جاءت هذه الأرقام ـ على الرغم من تحديات الظروف الاقتصادية والمنافسة والتحديات الأخرى التي تواجه أي رائد أعمال ـ لتدل على العزم والإصرار، والشجاعة التي يتحلى بها أبناء هذا الوطن، وهم نموذج يعطي لشبابنا القدوة التي يحتاج إليها لتأسيس مشاريع مبتكرة تتمتع بالتركيز في مجالات متخصصة تمكنهم من الدخول في شراكات فيما بينهم، وبالتالي تتطور إلى أكثر من شركة في الوقت نفسه، ما يدعم النهضة الاقتصادية من خلال توفير البيئة المناسبة لأداء الأعمال.
إن هذه النجاحات تؤكد أهمية تجربة الاحتضان في السنوات الأولى لأي مشروع، من خلال الاستفادة من البرامج التدريبية والتوجيه، ما ينعكس على تطوير المشروع خلال فترة الاحتضان، حيث يشكل دعم الاحتضان رافدًا يتلاقى مع العمل بكل جد وإصرار في تطوير وصقل الشباب لأفكارهم لتتحول الأفكار الصغيرة إلى شركات من أنجح المشاريع في المستقبل، وذلك كله يبدأ من الشباب وينتهي إليهم، فالنجاح يخطو خطواته الأولى عبر الحث الذاتي لروح الإبداع الكامنة لدى عقولنا الشابة، لينمو عبر تجربة مميزة من الاحتضان توفرها الدولة وتسعى إليها دومًا، فكما قالت إحدى رائدات الأعمال في حديثها: الاحتضان تجربة مثرية، يجب استغلال الفرصة للانضمام إليها، واستثمارها، فاحتضان المشروع كاحتضان الأم لابنها، فهو ما يعضد تكوينه في سنواته الأولى، ليدعمه بالخبرة والتدريب، ليكون قادرًا على التنافسية المنتظرة في ظل عولمة تحكم العالم، بابتكارات متتالية، لصنع الفارق.