[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
رغم اعتياد منتجي الدراما العربية على المشاركة في المهرجانات الدولية للسينما طيلة السنوات الماضية من أجل إكساب أفلامهم صفة العالمية، إلا أن الكثير من مهرجانات هذا العام تميزت بتسليطها الضوء على عدد من القضايا العربية، بعضها قدمه منتجون ومخرجون غير عرب، غير أن الزوايا الأساسية لتلك القضايا التي اهتمت بها أفلام المهرجانات الدولية هذا العام كانت ذات منطلقات سياسية واجتماعية في غالبها الأعم، مما يشي بأن تعقيدات القضايا العربية لم يعد الاهتمام بها في الغرب محصورًا على الساحات الإعلامية والعسكرية والمنابر السياسية فحسب، بل تعداها لساحة الفن السابع لتناقش جمهورًا غير جمهورها... فترى ماذا يعني هذا التحول؟
لقد بدا غزو القضايا العربية لسينما المهرجانات الدولية لهذا العام 2017 واضحًا في كل من مهرجان الأوسكار في لوس أنجلوس بالولايات المتحدة الأميركية أمس الأول الأحد، ومهرجان برلين السينمائي الدولي بألمانيا الأسبوع الماضي، ومهرجان روتردام السينمائي الدولي بهولندا في يناير الماضي، حيث فرضت القضايا العربية في تلك المهرجانات نفسها، وشغلت بذلك قطاعًا عريضًا من جماهير مشاهدي المهرجانات الذين عادة ما ينتقون ما يرغبون مشاهدته في ظل وفرة خيارات الأفلام التي تعرض في وقت واحد وبمجموعة من دور السينما القريبة من بعضها جغرافيًّا، مما يعني أن موضوع السيناريو وحبكته وشهرة ممثليه وآنية القضية التي يناقشها هي التي ستجذب المشاهدين له.
وبعيدًا عن التفاصيل الفنية لتلك الأفلام يظل السؤال عن سبب انتقال القضايا العربية إلى ساحة الفن السابع قائمًا خصوصًا عندما يتبين أن الفيلم الوثائقي "الخوذ البيضاء" اي "ذي وايت هيلميتس" للمخرج البريطاني أورنالدو فون أينسدل قد فاز الأحد بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم وثائقي قصير، وهو دراما فنية توثق لحياة مجموعة من الشباب السوريين آثروا حياة غيرهم على حياتهم بحرصهم على أن يظلوا في خضم المعارك لينقذوا حياة المدنيين دون أن يولوا حياتهم أهمية كبرى ودون التفكير في الهجرة إلى خارج بلادهم طوال السنوات الست الماضية.
كما تبين أيضًا في برلين فوز الفيلم الفلسطيني "اصطياد أشباح" للمخرج الفلسطيني رائد أنضوني بجائزة أفضل فيلم وثائقي في الدورة السابعة والستين لمهرجان برلين الدولي للأفلام، وهو يجتر ذكرى المشاركين فيه من الممثلين لفترات وتجارب اعتقالات سابقة تعرضوا لها وعاشوها في السجون الإسرائيلية. كما تميزت مهرجانات دولية أخرى أيضا بمشاركة أفلام عربية عديدة، كمهرجان روتردام الهولندي الذي عرض فيه 13 فيلما عربيا تناولت جميعها قضايا عربية معاصرة لا تخلو من الهم المشترك بين المشاهد العربي والغربي.
رغم أنه ليس بالجديد على الأفلام العربية أن تسجل حضورًا في المهرجانات الدولية كما أشرنا سابقًا، إلا أن اللافت في هذا العام الزخم الكبير الذي وجدته "القضايا العربية" في الاهتمام بها من مخرجين غير عرب، ومن جماهير المشاهدين في ألمانيا وهولندا وأميركا، مما حدا ببعض المراقبين إلى تفسير ذلك الزخم بأنه دليل على وجود قاسم مشترك جديد بين جمهور المشاهدين في الغرب والآخرين في المنطقة العربية، وذلك بعيدا عن مشاعر المشاركة الوجدانية والتضامن الذي سبق أن نجحت وسائل الإعلام في حشده غربيا حول بعض القضايا العربية كالقضية الفلسطينية، بل تعدى الأمر في ما تعرضه الدراما إلى ما يمس حياة جمهور السينما في الغرب، وتأثرهم بتداعيات الصراعات العربية التي انعكست آثارها في الهجرة من مواقع الصراع في سوريا والعراق وفلسطين وغيرها، بل اتسعت دائرة تأثيرات تلك التداعيات لتنتج عنها أعمال عنف وهجمات وتفجيرات في قلب أوروبا، فضلا عن الآثار الاجتماعية والاقتصادية والأمنية الأخرى.
وبذلك وجد جمهور السينما في الغرب، وتحديدًا في عواصم المهرجانات الدولية نفسه مندفعًا نحو صالات عرض الأفلام التي تناولت الكثير من القضايا العربية مثل قضايا الهجرة والمهاجرين العرب كالتي تناولها فيلم "الجانب الآخر من الأمل" للمخرج الفنلندي أكي كوريسماكي الذي عرض بمهرجان برلين وحظي بإقبال جماهيري كبير كونه يلامس همومهم أيضا كمستقبلين لأولئك المهاجرين في أرضهم.
وعليه فإن هذا الزخم، وإلى جانب أنه مكسب فني لتلك الأفلام العربية، إلا أنه رسالة قوية لصناعة السينما العربية مفادها بأنه انتهى زمن التهريج الكوميدي، بل عليها أن تناقش قضايا الداخل العربي بشفافية وجدية تهدف من خلالها لملامسة حقيقية لقضايا المجتمعات العربية، خصوصا وأن ما تعرضت له المنطقة العربية من متغيرات دراماتيكية عنيفة أوجدت للسينما العربية المناخ الأنسب لمناقشة تداعيات تلك المتغيرات وتأثيراتها على الراهن العربي المعاش، علها بذلك تسهم في زيادة رقعة الوعي إن لم تسهم عمليًّا في إنارة النفق المظلم تجاه الحلول التي هي بالضرورة خارج ساحة السينما.