على شاكلة البدو الرحّل، أطلّ علينا مؤخراً في الساحة الرقمية مصطلح الرقميون الرحّل digital nomads كدلالة مباشرة للتحولات التي تحدث في قطاع الأعمال ونتيجة لتأثير تقنية المعلومات والاتصالات، الرقميون الرحل هم عمّال معرفة knowledge workers هائمون يأنفون من ممارسة أعمال تقليدية ترتبط بالمكان والحضور والإنصراف، ويفضلون العمل الحرّ المتنقل، دائم الحركة، والقائم على الابداع والابتكار، إنهم أشخاص عاديون ولكنهم يملكون صفات شخصية تجعلهم قادرين على العمل بحرية مطلقة أثناء ترحالهم وتنقلهم بواسطة حواسيبهم المتنقلة، أو ألواحهم وهواتفهم الذكية، بتنا اليوم نراهم يعملون وينجزون أعمالهم ووظائفهم في المقاهي، والمكتبات العامة، وردهات الفنادق، والمتنزهات والشواطئ الجميلة، أو أينما يحلوا لهم ذلك .. كما أنهم يتنقلون ويسافرون خارج حدود البلد الواحد وتراهم يعشقون الترحال والتنقل من مكان إلى آخر أو من دولة إلى أخرى.
تشير التوقعات أن الرقميّون الرحّل سيستحوذون على نسبة عالية من قطاعات الأعمال في المستقبل المنظور، وسيمثلون كتلة كبيرة من القوى العاملة، وخصوصاً في مشاريع الشركات المتوسطة والصغيرة التي توظف التقنية بصورة فاعلة في أعمالها، لقد ساعدت شبكات التواصل الاجتماعي وهيّأت للرقميين الرحّل تسويق أعمالهم وأنشطتهم، انهم يتكاثرون ويمثلون مستقبل العمل الجديد، كل ما تحتاجه هذه الفئة من عمال المعرفة هو أجهزتهم المحمولة وخدمات انترنت فائقة السرعة.
بعضهم ينتسبون لشركات قائمة، ولكن أغلبهم مستقلون freelancers يعملون وفق استراتيجيات وأهداف خاصة وضعوها بأنفسهم، وتتنوع أعمالهم لتشتمل على التسويق والتجارة الرقمية، والخدمات الاستشارية، بالإضافة إلى تقديم الدروس وورش العمل عن بعد، وإدارة صفحات الشبكات الاجتماعية لمؤسسات أو منظمات حكومية أو خاصة، والتصميم والابتكار، وتصميم الشعارات والقوائم والاستمارات، وكذلك تصميم وإدارة تطبيقات حاسوبية، وإدارة العلاقات العامة، وتطوير وتحسين صفحات الانترنت وخدماتها، وخدمات الزبائن والعملاء، والمتابعة والتنسيق، وتصدير واستيراد، وإدارة أنشطة خدمات لوجستية، وتسويق الأغذية ووجبات المطاعم، وتطوير النظم الحاسوبية، وتقديم خدمات محاماة واستشارات قانونية ... وغيرها الكثير من الأعمال القائمة حالياً، والتي تلاقي اهتماماً ورواجاً كبيراً في بيئة الأعمال الرقمية.
إن هذا القطاع من الأعمال أصبح يلاقي اهتماماً كبيراً من قبل الأنظمة الاقتصادية في بلدان مختلفة من العالم، كما صار يجذب اهتمامات الباحثين، ورواد الأعمال، والمستثمرين، وما أحوجنا نحن اليوم في بلادنا لتعزيز الفرص القائمة على هذا النوع من الأعمال وخصوصاً في ظل تزايد أعداد مخرجات التعليم العالي التي تبحث عمن يرشدها إلى عمل أو وظيفة ويشد بيدها ويشجعها، ويسهل لها الوصول إلى الأعمال الحرة والمستقلة القائمة على تطويع التقنية واستثمار إمكاناتها العالية، لهذه المخرجات همم عالية، وحوافز متوقدة، ورغبة جادة للعمل والعطاء، ولكن قد ينقصها الوعي بحجم ونوع الفرص الوظيفية المتوفرة في غير القطاع الحكومي، ومن هنا ندعو الباحثين عن عمل البحث والاطلاع عما يناسب اهتماماتهم وميولهم وقدراتهم الذاتية في الابداع والابتكار، وتعزيز الثقة بالذات ومحاولة الالتحاق ببيئة الأعمال الرقمية.

د.علي بن سيف العوفي
أستاذ مشارك بقسم دراسات المعلومات، جامعة السلطان قابوس
[email protected]