[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]

لم يتفاجأ المجتمع العالمي، والعربي في صدارته، بما يقوم به "داعش" من عملية تهجير لمسيحيي العريش في سيناء، بعدما سبقها بشن أفكار سوداوية كمثل عدم مصافحة المسيحي أو دخول منزله أو أكل طعامه أو السلام عليه ... هي ليست المرة الأولى التي يقدم فيها هذا التنظيم الإرهابي رسالة وجوده في رؤيته الاجتماعية التي لا يطيق وجود أطراف أخرى فيه مهما كانت عقيدتهم أو طائفتهم أو مذهبهم أو عرقهم.
"داعش" ضد كل من لا يتفق مع فكرهم وأيديولوجيتهم، ففتكوا بمسيحيي العراق وسوريا، وقتلوا من الأيزيديين، والصابئة ... قدموا شهادة حضورهم على مسرح الواقع مغمسة بدم أبرياء الشعوب تلك. لم يألفوا كل تكوين متعايش وقائم على المودة والمصاهرة والحضور التاريخي الجمعي، كان "داعش" ولا يزال يعتبر الآخر عبدا وهو سيده والمتقدم عليه، بل كان يشعر بإلغائه تماما فقدم أفكارا اجتماعية لا تتطابق إطلاقا مع وقائع التقدم الإنساني. وليس ما يريده فقط إلغاء هذا الآخر، بل العمل على توظيف فهمه هذا وتنفيذه بحرفيته في إفساد المجتمع بمحاولة إبراز تناقض فيما بين مكوناته الأساسية، كمثل تأليب السنة على الشيعة وبالعكس، والنظرة الدونية إلى المسيحيين ليس فقط كأهل ذمة، بل غير المرغوب إقامتهم في المجتمعات التي ولدوا فيها منذ آلاف السنين وعاشوا فيها متآخين مع إخوانهم من بقية الطوائف الأخرى.
لم نكن قبل أن يطل هذا البربري المتجسد في "داعش" وأمثاله وروحه، لنشعر بوجود مجتمع عربي يحس بانتمائه الطائفي والمذهبي، ولم نقرأ يوما أخبارا من هذا النوع تقوي التنابذ في هذا المجتمع وتدفعه إلى الانفجار والتصادم. كانت الحياة الاجتماعية العربية أبسط من أن توصف وأرقى في دلالاتها الإنسانية، وليس من فروقات ما بين أبنائها. كنا عالما خاليا من النظرة المضطربة بين أبنائه، يعيش يومياته في تحابب وسعة صدر وأفق ومحبة. وأذكر أني قرأت مؤخرا، وهو ما أكرره، أني قرأت للكاتب العراقي عبدالواحد لؤلؤة وهو الذي عاش العراق منذ الثلاثينيات، أن لا أحد فيه كان يعرف طائفة الآخر أو مذهبه، إلا عندما وصل الأميركي إليه، وهو صاحب النظرية الكاذبة في الحرية والديمقراطية، فنبش أبشع إحساس شعبي ليقويه على الإحساس الوطني وليجعل منه أساس الانتماء وحده، وهي المذهبية والطائفية والعرقية. وبرأي لؤلؤة صار هنالك شيعي وسني وأيزيدي وصابئي ومسيحي وغيره، وهي المهمة التي جاء من أجل بثها الأميركي في مجتمع كان يعرف مدى تعايشه، وكاتب هذه السطور عاش في العراق إبان حكم أحمد حسن البكر وصدام حسين، ولم يكن يعرف هوية أصدقائه العراقيين ومنابتهم، بل كان الحديث فيه ممنوعا إلى حد المعاقبة بالسجن لكل من يثيره.
خطورة "داعش" إذن ليس عسكريا ولا في احتلاله للمكان الذي نعرف أنه سيطرد منه إن عاجلا أو آجلا، بل في فكرة السم الطائفي والمذهبي الذي يبثه في المجتمع، وهو وصية صهيونية دأبت إسرائيل أيضا على أن تكون الأساس في تفكيكها للمجتمع العربي لتظل السيد الأول في المنطقة.. وكلنا يعرف التركيبة السكانية العربية وحساسيتها المتوارثة.
المطلوب إذن حماية مسيحيي العريش وضمان وجودهم على الأرض التاريخية التي عاشوها إلى جانب المسلمين، كي لا يضاف إلى ما جرى لمسيحيي فلسطين وبقية العالم العربي من تراجع عددي يهدد سلامة مجتمعاتنا.