[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/tarekashkar.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]طارق أشقر [/author]
أكدت الابتكارات التكنولوجية في عالم الاتصالات في العقد الأخير من القرن الحالي على قدرتها الفائقة في إحداث الكثير من التحولات في البنيات الأساسية للمجتمعات الإنسانية، والمعروفة علميًّا بالبنيات السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والاجتماعية، في حين تأخذ الأخيرة المرتبة الأولى عادة في عمليات التحول والتغيير لينتشر تأثيرها في البنيات الأخرى تراتبيًّا كانتشار النار في الهشيم.
وما يؤكد تلك القدرة للتكنولوجيا في إحداث التحولات، ما يشغل صالونات وأركان المتداخلين على وسائل التواصل الاجتماعي في الزوايا البعيدة في المقاهي، أو على الكراسي المنعزلة عن أفراد العائلات في المنازل من حديث ومحاذير ومخاوف من "التحديث الجديد لتطبيق الواتس أب" الذي يتمتع بقدرات عالية على التقاط صور لمستخدم الهاتف ومن معه ونشرها في الحال عبر خاصية جديدة يتفاعل بها التحديث مع "الإسناب شات"، وذلك حتى لو لم يكن صاحب الهاتف متعمدًا تشغيل الكاميرا كما هو في التطبيق التقليدي القديم، لتصبح الصور الملتقطة تلقائيًّا بكاميرا الهاتف ذات مشاعية جماعية ليطلع عليها كل من هم في قائمة الاتصال بالهاتف بمختلف مستويات علاقتهم بصاحبه، بغض النظر عن ما إن كانت تلك العلاقة صداقة، أو علاقة عمل رسمية، أو تجارية، أو عابرة أو غير ذلك من نوع العلاقات الإنسانية.
بهذه النقلة النوعية في تطور تكنولوجيا الاتصال المصنفة ضمن عمليات "نقل التكنولوجيا" من الغرب إلى الشرق ولغيره من أنحاء الكرة الأرضية، التي لا تعتبر بأي حال من الأحوال "كعملية تبادل تكنولوجي" بين المجتمعات كونها شبه معدومة في الحالة العربية، يبدو بذلك الحديث عن ثقافة المواكبة أمرًا فرضته حالة "الاستهلاك التكنولوجي" التي يعيشها الشرق الإنساني المجبر بالضرورة على التعايش مع كل ما هو جديد في عالم تكنولوجيا التواصل والاتصال، وذلك بحكم الحاجة للتواصل مع الآخر شاء أو لم يشأ.
وفي ظل المواكبة نفسها، لم تواجه المجتمعات الشرقية بأي عناء في اقتناء، واستخدام ما استجد/ وما سيستحدث من تطبيقات وتحديثات في هذا العالم التكنولوجي المتطور بمختلف مسمياته، سواء كانت "واتس أب" أو "سناب شات"، أو "فيس بوك"، أو "الآيبو"، أو "التويتر"، أو "الانستجرام" إلخ، غير أنها عانت الكثير من التعايش مع المتغيرات التي أسهمت تلك التقنيات في التسريع بها، والتي بينها المتغيرات السياسية الدراماتيكية في العقد الأخير من القرن الحالي، وما زال الشرق يلاحق تداعيات تلك المتغيرات من آثار وانعكاسات على حياة الناس سلبًا وإيجابًا.
وفي السياق نفسه من ثقافة المواكبة، انغمست المجتمعات الشرقية بسهولة ويسر في استخدام تلك التكنولوجيات لدرجت ارتفعت بها أصوات الاجتماعيين، مبدين تخوفهم من أن تجد الفردية، والانعزالية طريقها إلى البنيات الاجتماعية للأسر، وذلك في وقت أصبح فيه البعض يتواصلون عبر وسائل التواصل وهم داخل بيت واحد لا تفصلهما إلا بعض سنتمترات أو حتى أمتار من المسافات داخل المنزل.
ولكن، مثل ما وجدت المجتمعات الشرقية نفسها متعاطية عمليًّا مع جميع مخرجات تطور تكنولوجيا الاتصال، فإنه لن يكن من العسير عليها أن تلم بكيفية الوصول إلى مقابض التحكم والضبط في التحديث الجديد وغيره من التحديثات حتى تتفادى اختراق الخصوصية، وذلك باعتبار أن هكذا تكنولوجيا يصعب معايرتها بنظرية المؤامرة التي أصبحت شماعة المجتمعات الشرقية كلما عجزت عن مواجهة تحدٍّ معين من تحدياتها اليومية، فبالضرورة أن تكون الجهة المصممة لأي تحديث تكنولوجي قد وضعت كل الاعتبارات الخاصة بضبطه واستخدامه، وتبقى المسألة في النهاية مسألة تكيف وتعلم لما هو جديد، وهو أمر سهل شرقيًّا.
وفي المجمل، يحسب للمجتمعات الشرقية، بأن قدرتها على المواكبة مع جديد تكنولوجيا التواصل والاتصال مكنت قطاعات كبيرة منها من حسن استخدامها في توسيع قاعدة المشاركة الاجتماعية في الإسهام في الكثير من الأعمال التطوعية التنموية خصوصا في المجتمعات المحلية البعيدة عن المراكز الحضرية في الكثير من البلدان العربية والإفريقية والآسيوية، فأسهمت تلك الوسائل في رصف طرق ريفية، وبناء مدارس، ومراكز صحية، وحفر آبار لمياه شرب، وغيرها من الأعمال التطوعية، ليبقى الأمر بذلك متوقفا على المستخدم الذي بإمكانه تعظيم فوائد تلك التكنولوجيا أو إساءة استخدامها ضده.