يشهد الوضع السياسي للأزمة السورية تصعيدًا جديدًا تقوم به دول لا تزال تقود مخطط التآمر على سوريا والمنطقة، حيث تعددت منطلقاته من قاعة مؤتمر جنيف الرابع إلى قاعة مجلس الأمن الدولي، وهو تصعيد لا يؤكد فقط الثابت حول دور الدول المتآمرة، وإصرارها على البحث عن مداخل تسمح لها بإسقاط الدولة السورية، وتدميرها ـ كما فعلت من قبل بالعراق وليبيا ـ وتحويلها إلى مرتع للإرهاب العابر للحدود وتنظيماته، وإنما أيضًا يؤكد توكيدًا تامًّا أن ما ترفعه الدول المعادية لسوريا من شعارات إنسانية براقة، وأنها حريصة على مساعدة الشعب السوري، وشعارات سياسية بتأييدها الحل السياسي، ليس له أساس لا على الواقع السياسي ولا على الواقع الميداني.
فأن تقدم دول كبريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة ـ على خلفية اتهام الحكومة السورية بتطوير الأسلحة الكيميائية واستخدامها ضد مدنيين ـ مشروع قرار في مجلس الأمن الدولي ينص على فرض عقوبات عسكرية على الحكومة السورية وإدراج 11 من قادتها العسكريين في "القائمة السوداء"، وحظر تصدير الطائرات المروحية إلى الجيش السوري، وحظر السفر وتجميد الأصول في الخارج لمسؤولين وقادة عسكريين سوريين، وفي الوقت الذي يتم في تعثير سير المفاوضات بين وفد الحكومة السورية ووفود "المعارضات"، فإن هذا التصعيد لا يمكن فهمه وتفسيره إلا بأنه مسعى جديد نحو إفشال الجهود القائمة التي تقودها روسيا الاتحادية لحل الأزمة سياسيًّا عبر الحوار السوري ـ السوري، وإبقاء التوتر على ما هو عليه بناء على مخطط الاستهداف والتدمير الذي بات واضحًا لكل متابع لمجريات ومواقف السياسة العدائية التي تتبعها الدول المتآمرة.
ولعل ما يؤكد بصورة أكبر تلك الحقيقة وتزامن تقديم مشروع القرار مع جلسات مؤتمر جنيف الرابع الجارية، هو إرادة التعطيل للحل السياسي ببث قدر كبير من التشويش والإرباك والتحريض والضغوط؛ وذلك في إطار اللعبة المتجددة القائمة على محاولة ابتزاز الحكومة السورية المنتخبة وحلفائها، وخلط الأوراق بما يؤدي إما إلى تقديم التنازلات المؤلمة على حساب المصلحة الوطنية والقومية للشعب السوري والدولة السورية، وعلى حساب سيادتها واستقلالها ووحدتها، بل ومصيرها وهويتها، وإما الضغط على الوفد الحكومي السوري والتشويش عليه لإجباره على الانسحاب من جلسات المؤتمر لكي يشن المتآمرون عبر ماكيناتهم الإعلامية حملة شعواء تشوه حقيقة الموقف السوري الرسمي الحريص على حل الأزمة سياسيًّا، وعلى تجنيب الشعب السوري ويلات الخراب والدمار والقتل والتشرد، وتخليص سوريا وشعبها من رجس الإرهاب وشروره، بحيث تظهره على أنه الطرف المعطل للحل.
الأمر الآخر الذي يؤكد تلك الحقيقة هو أن الحكومة السورية لتبرهن على صفاء موقفها، وحرصها على إنهاء الأزمة المفتعلة سلميًّا دون تدمير وتخريب وإراقة للدماء، قامت بتسليم ترسانتها الكيميائية عبر منظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى الدول صاحبة مشروع القرار الجديد إلى مجلس الأمن (ونعني بها الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا)، والتي تكفلت بدورها بتدمير هذه الترسانة، وبشهادة المنظمة أوفت دمشق بتعهداتها حيال هذا الأمر، وبالتالي العودة إلى فتح ملف السلاح الكيميائي واتهام الحكومة السورية باستخدامه لا يفهم منها إلا محاولة جديدة لتخريب المفاوضات الجارية في جنيف، وذلك من أجل إطالة أمد الأزمة السورية، فضلًا عن الفهم بأن الرهان على الإرهاب وتنظيماته لجهة تدمير ما تبقى من سوريا لا يزال حاضرًا وبقوة، ولجهة الرهان على قدرة التنظيمات الإرهابية على إسقاط الحكومة السورية، في حين وقائع الميدان لا تشير لا من قريب أو بعيد إمكانية قيام الجيش العربي السوري باستخدام أسلحة كيماوية خاصة بعد الميل الميداني الكبير لصالح الجيش العربي السوري ولصالح الدولة السورية؛ لذلك استخدام كل من موسكو وبكين الفيتو لنسف مشروع القرار يعبر عن الموضوعية والعقلانية لجهة تلك الاعتبارات السابقة.