الخطوة لم يكن إلدار ليطرحها، لولا الضوء الأخضر من زعيم الحزب نتنياهو، الذي وإمعانًا في التحدي، يصر على المضي قدمًا في الاستيطان وبخاصة في تهويد القدس، وزرع منطقتها بوحدات استيطانية جديدة، كما في باقي مناطق الضفة الغربية. في ظل هذا الوضوح الصهيوني، ما زال بعضهم يراهن على إمكانية قبول الكيان بإقامة دولة فلسطينية في أراضي عام 1967 من خلال المفاوضات معه..

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fayzrasheed.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. فايز رشيد[/author]

العنوان أعلاه ليس اختراعا من قبل كاتب هذه السطور. إنه عنوان مجموعة قصصية للراحل الشهيد المبدع غسان كنفاني. العنوان ينطق بنوع مما يجري حول الموضوع المقصود. مما لا شك فيه، أن الوعي هو انعكاس للواقع. الأخير يتشكل من المعرفة وبما يدور في المجتمع من ظواهر اقتصادية واجتماعية وثقافية وغيرها. كل هذه الظواهر/ المجالات, لها نظرياتها المبنية على تعريفات تحاول أن تكون محددة, فالاختلاف حولها كبير وواسع, لكن هناك سمات مشتركة لكل واحدة منها, وقاسمًا مشتركًا أعظم فيما بينها. هذه الظواهر ليست منفصلة بعضها عن بعض, فهي مرتبطة بشكل جدلي, تؤثر كل منها في الأخرى وتستقبل تأثيرها, لذا فلا فصل بينها.
بالتالي, فإن المواقف السياسية تتراكم تدريجيًّا عبر عملية طويلة على طريق تعزيز الصائب منه, وبالتحديد في الموقف من العدو الصهيوني. المواقف هي إذن, بكل حقائقها ومعطياتها, وبالضرورة إمكاناتها المتاحة غير المرئية، التي بالجهد الدؤوب يمكن إظهارها وتحقيقها, وما قد تفرزه من خطوات تالية. نقول ذلك أولًا: مقارنة مع التأثير الهزيل لقوة تأثير الدول فرادى. مثل آخر على ذلك، إن العدو الصهيوني أصبح في طور الإعداد لمشروع قانون سيقدمه إلى الكنيست في دورته الحالية (وبخاصة نجاح قانونه لسرقة الأراضي الفلسطينية بملكية خاصة – قانون التسوية) وينص على ضم الضفة الغربية إلى الكيان باعتبارها أرضًا إسرائيلية. الخبر نشرته صحيفة معاريف, منذ فترة, نقلا عن قائد المستوطنين في الضفة الغربية شيلا إلدار من الليكود, الذي كشف فيه النقاب عن أن الكنيست سيمرر قريبًا مشروع قرار الضم, وليس من المستبعد أن يكسب المشروع أصوات حزب العمل المعارض بزعامة هيرتزوج, الذي لوحظ عليه مؤخرًا من تصريحاته، اقترابه الحميم من نهج الليكود, وبخاصة بعد اقتراحه خطة للتسوية, من عشر نقاط, كتبنا تحليلا لها في العزيزة "الوطن". كما نوّهت الصحيفة إلى أن ما ورد على لسان إلدار لقي تأييد العديد من زعماء الأحزاب الإسرائيلية الأخرى، التي كان يُشك في تصويتها لصالح نجاح المشروع حتى الأمس القريب.
الخطوة لم يكن إلدار ليطرحها، لولا الضوء الأخضر من زعيم الحزب نتنياهو، الذي وإمعانًا في التحدي، يصر على المضي قدمًا في الاستيطان وبخاصة في تهويد القدس، وزرع منطقتها بوحدات استيطانية جديدة، كما في باقي مناطق الضفة الغربية. في ظل هذا الوضوح الصهيوني، ما زال بعضهم يراهن على إمكانية قبول الكيان بإقامة دولة فلسطينية في أراضي عام 1967 من خلال المفاوضات معه، مع العلم أن نتنياهو رفض حتى المبادرة الفرنسية الجديدة رغم تقزيمها للحقوق الوطنية الفلسطينية. هذا إلى جانب تصريحات عديدة لمسؤولين «إسرائيليين»، أكدوا فيها أن لا دولة فلسطينية ستقام بين النهر والبحر غير دولة إسرائيل.
نعم نحن نعيش عصرًا تراجعت فيه القضية الفلسطينية عقودًا إلى الوراء. التراجع وصل حتى إلى قلة الاهتمام بالخبر الفلسطيني. لذا, ليس غريبًا أن نقول إن "الوهم السياسي" أصبح مدرسة, بل مدارس! وعناوين لروايات عالمية منها "حفلة التفاهة" للمبدع ميلان كونديرا. وتحول إلى كتب ثقافية, آخرها كتاب "نظام التفاهة" لأستاذ الفلسفة والعلوم السياسية الكندي ألان دونو. يتطرق الكتاب (باختصار شديد) إلى السيطرة الحالية للتافهين على العالم, بعد أن حسموا المعركة دون ثورات, وسيطروا على عالمنا وباتوا يحكمونه. اجترحوا حلول القابلية للتعليب محل التفكير العميق لبني البشر. يوصي دونو الإنسان الراغب في أن يكون واحدًا منهم, بـ: لا تكن فخورًا ولا روحانيًّا, فهذا يظهرك متكبرًا. لا تقدم أي فكرة جيدة. فستكون عرضة للنقد. لا تحمل نظرة ثاقبة, وسّع مقلتيك, أرخ شفتيك, فكر بميوعة ـ أي مرونة قابلة للتشكل ـ وكن كذلك. عليك أن تكون قابلًا للتعليب! نعم، لقد تغير الزمن.. فالتافهون قد أمسكوا بالسلطة في دول كثيرة من العالم. نعم، لن يصح سوى الصحيح. أن الكيان الصهيوني زائل لا محالة. ألم أقل إن العالم الحالي, ليس لنا!