إن كل سياسي عراقي يضع مصلحة الفئة أو الطائفة التي ينتمي إليها في المقدمة، إنما يمثل لغمًا يستهدف وحدة الوطن، لأنه يتحرك بنزعة فرعية للدفاع عن كتلته التي رشحته على حساب حقوق العراق والعراقيين، وعلى حساب منطق الإخلاص الوظيفي المهني، ثم كيف لا يكون السياسي أو الإداري صانع ألغام إذا أعطى الأسبقية الأساسية لمصالحه الشخصية ولحاشيته..

[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/adelsaad.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]عادل سعد[/author]

كثير هو عدد العراقيين الذين تتحكم بهم سطوة اللغم وضغوطاته والخوف من انفجاره في أية لحظة ضمن أي شكل غامض يجدونه أمامهم في الشارع أو واجهة البيت أو بالقرب من سيارة أو مسرح أو محل لبيع الذهب أو الفجل، أو اللحوم المعلبة التي تأتي إلى البلاد من مناشئ عديدة تغطي القارات الخمس.
وليس قليلًا عدد العراقيين الذين يتمترسون خوفًا من أية هدية مفاجئة، أو رسالة في البريد أو مظروف مغلق، وليس قليلًا عددهم أيضًا من أي امرأة تبتسم لهم في الشارع خوفًا من اصطيادهم، مع ارتفاع عدد الذين تم اختطافهم بعد أن استدرجت ابتسامات نسائية أنفسهم القاحلة، وإذا اكتفينا في تلك الشواهد على حضور اللغم في حياتنا اليومية، فلنا أن نتوقف عند تلك الألغام السياسية الضامرة والسميكة التي لا ينقطع بعض العراقيين من التعاطي بها تحت أمل العبور بأهدافهم إلى ما يحقق سيطرة هذه الكتلة السياسية الطائفية أو المناطقية، وإذا كان لا بدَ من التفصيل في هذا الشأن فلنا أن نتوقف أيضًا عند الأجهزة التي تم استيرادها للكشف عن الأسلحة والعبوات الناسفة والمواد المحرمة الأخرى عندما يكون جهاز الفحص عاجزًا مقدمًا من التشخيص؛ لأنه وصل إلى يد العسكري في نقطة التفتيش إثر عمليات فساد بنيوية تمتد من الشركة المصنعة إلى المسؤول الإداري مرورًا بالوسيط التجاري الذي وضع مقدمًا شرط قبض عمولته.
هناك أيضًا ألغام وألغام لا حدود لعددها في الحصة الغذائية التي تتولى الحكومة تقديمها للمواطنين، وتكمن هذه الألغام في قائمة التعاقدات لتمرير سمن فاسد أو رز أو شاي بعد تغيير تواريخ صلاحيته للاستخدام البشري، إذ يتم تسريبه بين فترة وأخرى إلى الموزعين التجاريين وفق صلاحية استخدام مزورة، ولكي أكون منصفًا لا بدّ من التأكيد أن الألغام بالنسخ المشارة إليها هي أقل خطورة من الألغام التي تتعلق بتسميم آراء العراقيين ودفعهم للمغامرة بموجوداتهم المعرفية لصالح أهداف هي في مضمونها مريبة.
لقد قلت في مقالة سابقة لي إن الرئيس الأميركي ترامب هو صانع أقفال ليس إلا، ولي هنا أن أضيف وأستعين بالوصف نفسه لأقول إن أغلب السياسيين العراقيين ليسوا سوى صانعين أقفال، ربما مع اختلاف المواد الأولية الداخلة في التصنيع، والشيء بالشيء يذكر لا بدّ من الإشارة إلى الموظف (اللغم) الذي تداول الروس والأميركيون في تمريره لإضعاف الهيكل الحكومي العام، إذ لا مهمة للعميل الروسي أو الأميركي سوى اقتراح وتسويق شخصيات غير مناسبة لشغل مناصب حكومية في بلده على درجة من الأهمية.
ومن التشخيص السريع أقول إن كل سياسي عراقي يضع مصلحة الفئة أو الطائفة التي ينتمي إليها في المقدمة، إنما يمثل لغمًا يستهدف وحدة الوطن، لأنه يتحرك بنزعة فرعية للدفاع عن كتلته التي رشحته على حساب حقوق العراق والعراقيين، وعلى حساب منطق الإخلاص الوظيفي المهني، ثم كيف لا يكون السياسي أو الإداري صانع ألغام إذا أعطى الأسبقية الأساسية لمصالحه الشخصية ولحاشيته، ولك أن تتأكد من هذا التشخيص إذا أتيح لك مراجعة قائمة هؤلاء المسؤولين أو المحيطين بهذا الوزير أو النائب أو المدير العام، وتصل السلسلة إلى مديري الأقسام والموظفين الآخرين الذين هم أقل درجة وظيفية.
والسؤال الذي يستحق الطرح أخيرًا يتعلق بإمكانية خلاص العراق من سطوة الألغام على تنوعها.
أعتقد جازمًا أنه بحاجة إلى هيئة أخلاقية لكشف الألغام السياسية والإعلامية والإدارية، تعمل بأجندة تختلف عن أجندة الهيئة العامة لمعالجة الألغام والمقذوفات، أما كيف تكون الآليات المعتدة فيها فالأمر متروك لأصحاب الشأن في مواجهة الفساد، أعني اللغم الأضخم.