” ليست تلك المرة الأولى التي يبرز فيها اسم اللواء حفتر في وسائل الإعلام، ففي مطلع عام 2012 وبعد أشهر قليلة من الاطاحة بحكم القذافي في ليبيا دعم عدد من ضباط الجيش الليبي تعيين اللواء حفتر رئيسا للأركان لكن السلطة الانتقالية في طرابلس وقتها رفضت وعينت قائدا آخر للجيش.”
ـــــــــــــــــــــ
بغض النظر عن مدى "قانونية" او "شرعية" العمليات التي يقوم بها اللواء المتقاعد خليفة حفتر والقوات التابعة له شرق ليبيا، فإن محاولة التصدي للجماعات المسلحة في المنطقة تستحق الاهتمام فيما هو أبعد من ليبيا ذاتها. فتلك الجماعات التي تتخذ من شرق ليبيا مرتعا لا تحظى بتأييد واسع بين السكان كما يدعي بعض أنصارها والداعمين لها من خارج ليبيا. ولأن محاولات بناء سلطة في ليبيا بعد القذافي لم توفق ـ لأسباب كثيرة سبق الحديث عن بعضها في هذه المساحة ـ فإن المؤسسات "التلفيقية" الموجودة في العاصمة طرابلس إما تستند إلى تلك الجماعات المسلحة المتطرفة أو جماعات أخرى ككتيبة مصراته ومسلحي الزنتان أو قوات الصاعقة في الشرق. والنفوذ الأكبر في طرابلس هو للمتشدد عبد الحكيم بلحاج وسنده الأيديولوجي الشيخ الصلابي المقيم في قطر.
ليست تلك المرة الأولى التي يبرز فيها اسم اللواء حفتر في وسائل الإعلام، ففي مطلع عام 2012 وبعد أشهر قليلة من الاطاحة بحكم القذافي في ليبيا دعم عدد من ضباط الجيش الليبي تعيين اللواء حفتر رئيسا للأركان لكن السلطة الانتقالية في طرابلس وقتها رفضت وعينت قائدا آخر للجيش. ثم مطلع هذا العام قام اللواء حفتر بمحاولة للإطاحة بالسلطات الانتقالية مطالبا بتشكيل "هيئة رئاسية برئاسة المحكمة العليا وتعيين رئيس وزراء جديد". لكن البرلمان الانتقالي اصطف مع رئيس الوزراء وقتها علي زيدان، الذي اطاح به البرلمان نفسه بعد ذلك. ويبدو أن اللواء حفتر ومؤيديه من ضباط الجيش قرروا أن "تجميد" السلطات الانتقالية في طرابلس ليس بأهمية "تنظيف" شرق ليبيا من الجماعات المسلحة، خاصة المتشددة منها. لذا بدأ حفتر وقواته هذا الأسبوع عمليات ضد تلك الجماعات وفي مقدمتها "أنصار الشريعة" التي يشار إلى علاقتها بتنظيم القاعدة والتي تعمل كحاضنة لعناصر تذهب للقتال في سوريا وربما ايضا معارضين للسلطات الانتقالية في مصر المجاورة.
يشير تاريخ اللواء حفتر، القائد السابق للقوات البرية والبحرية في الجيش الليبي، إلى أنه بعيد إلى حد ما عن تجاذبات الأطراف الخارجية في الساحة الليبية الداخلية. فالرجل انشق عن القذافي قبل الانتفاضة ضده بفترة واختار المنفي الاختياري في الخارج. ويقال ان حفتر من العسكريين الليبيين الذين شاركوا في حرب اكتوبر 1973 بين العرب واسرائيل، أما تأسيسه للجيش الوطني الليبي فيعود إلى نهاية الثمانينيات عندما كان حفتر ضمن قيادة الحملة العسكرية الليبية على تشاد لاستعادة اقليم أوزو المتنازع عليه. ونتيجة الانقلاب على الحكم في تشاد وقتها تعرض حفتر واتباعه لنقمة السلطات التشادية ـ التي دخل القذافي في مفاوضات معها وقتها واستعاد قواته إلا من انشق بقيادة حفتر ـ ونقل هو وعدد من القيادات معه إلى زائير بحماية قوات أميركية ليعيش في أميركا منذ ذلك الحين حتى الانتفاضة على القذافي. ولم يكن حفتر ضمن "جوقة" حكم القذافي وقتما كانت بعض الأطراف الاقليمية والدولية التي انقلبت عليه تتقرب إليه وتصادقه.
الرجل إذا مهموم ببلده كما يقول، أو على الأقل ليس في تاريخه ما يشير حتى الآن إلى عكس ذلك. ولا يريد لليبيا ما بعد القذافي أن تظل مرتعا لجماعات متطرفة هدفها سوريا والجزائر وربما مصر، ولا يرضى عن افشال محاولة بناء البلد بسبب ولاءات بعض قيادات المراحل الانتقالية لقوى وأطراف خارجية. ربما لهذا أعلن مطلع العام أنه لا يقود "انقلابا" بل يريد "اعادة الثورة الليبية الى مسارها لتحقيق تطلعات الشعب الليبي". ومع حملته على الجماعات المتطرفة في الشرق، واعلان ضابط آخر ـ ربما كان مثله ـ تعطيل المجلس الوطني قد يستطيع حفتر وضباط الجيش السابقين استعادة هذه البلاد من الجماعات المسلحة التي حولت ليبيا الى "خرابة" تستحق التنظيف فعلا. ولا اظن انه من الصحيح التباكي على المجلس الوطني الذي مارس هو ورئيسه بو سهمين سلطة متعسفة إلى حد كبير بدا واضحا خضوعها للمتشددين وأربابهم خارج ليبيا.
ولعلنا نتذكر جميعا محاولة حفتر مطلع هذا العام لفرض خريطة طريق تتجاوز السلطات الانتقالية، واقواها المجلس الوطني الذي تحركه جماعات متشددة، وفشلت محاولته وسخر منه رئيس الوزراء المؤقت وقتها علي زيدان. ولم يمض وقت طويل حتى اهين علي زيدان باختطافه على يد مجموعة مسلحة ثم بعد ذلك طرده من السلطة ومن ليبيا من قبل المجلس الوطني. هذا الخطل والتخبط في ليبيا يحتاج إلى حسم، وان لم يكن معنى ذلك أن حفتر وجماعته قادرون على هذا الحسم بالضرورة. لكن المهم ان هناك قوى أخرى في ليبيا لا تريد للبلاد الاستمرار في هذا المسار الذي يقوده متشددون يمولون من الخارج ويترك البلد للتشرذم ما بين شرق وغرب وجنوب.
بالطبع سنسمع الكثير من التحليلات ـ وبعضها مصدرها تنظيم الإخوان ومن ورائه ـ عن أن حفتر "عميل اميركي" أو مدعوم من قوى "لا تريد للإسلام أن يحكم في بلاد المسلمين" وغير ذلك من الهرتلة. بل وربما يربط البعض بين تحركات حفتر والتغيير الذي شهدته مصر، او يذهب البعض شططا لربط ما يجري في ليبيا بخلافات بعض الدول العربية أو حتى ما بين موسكو وواشنطن. لن يكون كل ذلك هطلا وتخريفا وهو ليس في القوت نفسه حقا او دقيقا. وسيعتمد التحليل والتخريف على مدى نجاح حفتر من عدمه.

د. أيمن مصطفى
كاتب صحفي عربي