إن إيقاع المذابح في المدنيين العزل وفي مقدمتهم الأطفال هي إحدى أدوات الإرهابيين على مر التاريخ ليس لنهب الأراضي والممتلكات واغتصاب الحقوق فحسب، وإنما لإشباع الغريزة المتوحشة والمتعطشة للدماء التي ترى في هذه الدماء غذاءً أوحد ومصدرًا للبقاء، وبالتالي في عرف هذه الوحوش ـ التي شوهت صورة بني البشر ـ لا قيمة للإنسانية والبشرية السوية ولا بقاء واجبًا للفطرة الإنسانية السليمة.
هذا النهج الدموي المتوحش الكاره للحياة والإنسانية كان ـ ولا يزال ـ هو ديدن المحتلين الإسرائيليين في التعامل مع الشعب الفلسطيني، منذ ما قبل عام 1948م. وهو منهج أخرج في التاريخ الحديث عصابات صهيونية اشتهرت بمذابحها وجرائمها التي يذهب ضحيتها مئات المدنيين الأبرياء، واتخذت من الفلسطينيين بأطفالهم وشبابهم ونسائهم ومسنِّيهم مادة عملية حية، حيث مارست بحقهم ولا تزال أبشع صنوف التطهير العرقي والتمييز العنصري.
والمؤسف أن هذا التاريخ الصهيوني الملطخ بدماء الفلسطينيين والعرب والمكتظ بجرائم الحرب لم ينكفئ يومًا أو تأخذه عِبر السنين عن مواصلة مد الحياة الإنسانية الفلسطينية خاصة والعربية عامة بمهددات البقاء والإقصاء المتنوعة والمتعددة من أمثال عصابات "الهاجاناه" و"شتيرن" و"جولد شتاين"، ومن جديد هذا التناسل الإجرامي البشع عصابة ما يسمى "تدفيع الثمن"، بالإضافة إلى العصابات والمفارز الإرهابية المكونة لجيش الإرهاب الإسرائيلي وشرطة الإرهاب الإسرائيلي، وعصابات أجهزة التجسس والتنصت كـ"الموساد" والشاباك" و"الشين فين".
وكلما خرجت إلى العلن عصابة صهيونية أعلنت عن نفسها بمذبحة لتتراص المذابح والجرائم على امتداد التاريخ وتناسل هذه العصابات المتولدة من رحم الإرهاب الصهيوني العالمي كمذبحة كفر قاسم ودير ياسين وبحر البقر وغزة وجنين وصبرا وشاتيلا وقانا وهلم جرا.
والمؤسف أن هذه المذابح وجرائم الحرب دائمًا ما ترتكب بالتزامن مع مساعٍ دبلوماسية بالتواطؤ مع أنصار قيام كيان الاحتلال الإسرائيلي في الغرب لمواصلة جرائم الحرب وحملات التهجير القسري للفلسطينيين حتى يومنا هذا.
اليوم يقف التاريخ شاهدًا على جريمة حرب جديدة ترتكبها عصابات الإرهاب الإسرائيلية بحق المدنيين الفلسطينيين العزل بمن فيهم الأطفال، حيث كان سجن عوفر الإسرائيلي المكتظ بالفلسطينيين مسرحًا لمذبحة بحق فتيين فلسطينيين جرى توثيقها بالفيديو. إذ أثار نشر صور الجريمة امتعاض حلفاء كيان الاحتلال الإسرائيلي وقلقهم، ليس دفاعًا عن الفلسطينيين، وإنما خوفًا على حليفهم ودفاعًا عنه وخشيةً على أن لا تظهر صورته القبيحة التي تجملها المساحيق الغربية، بدليل أنهم طالبوا بإجراء تحقيق ـ مع أن الجريمة واضحة وفاضحة ـ وهو تحقيق لا يختلف عن ما سبقه من تحقيقات، وتقارير لجان تقصي الحقائق. وفي استخفاف واضح بالدم الفلسطيني أعلنت وزارة الخارجية الأميركية أنها "تشجع" حكومة الاحتلال الإسرائيلي على "إجراء تحقيق سريع وشفاف بهدف تحديد ما إذا كان استخدام القوة "متكافئًا" مع التهديد الذي شكله المتظاهرون أو لا". والاستخفاف هنا يبرز خاصة في تلك المساواة بين حجر يحمله مقاوم وبين قذائف يحملها محتل متغطرس ومتعطش للدماء ورصاص حي يطلقه جنوده عن سابق إصرار وترصد.
إذًا، القول بأن هذا الكيان المحتل هو كيان عنصري هو تخفيف للحقيقة، لأن الحقيقة الثابتة هي أنه تجاوز مرحلة التمييز إلى مرحلة التطهير بدليل ما ينوء التاريخ بحمله من جرائم ومذابح إسرائيلية.