الإنسان، وبمعناه "التاريخي ـ الاجتماعي" هذا، أو بصفة كونه "مُمَثِّلًا" على "خشبة مسرح التاريخ"، ليس نَوْعًا واحدًا، ثابتًا، لا يتغيَّر؛ وليس بـ"النُّسْخَة الاجتماعية والفكرية والثقافية والسلوكية.." من "تكوينه الطبيعي الحيواني"؛ إنَّه أنواع، تتجاوَر في المكان، وتتعاقَب في الزَّمان؛ وهذا الإنسان (أكان فَرْدًا أم جماعة) يُمثِّل "الذَّات" في تفاعلها مع "الموضوع"؛ وينبغي له أنْ يسعى دائمًا في تغيير "الموضوع"..
[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/jawadalbashity.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]جواد البشيتي[/author]
"المُمَثِّل" و"التَّمثيل" و"التَّمْثيلية" و"المسرحية" و"الدَّوْر" و"المسرح" و"خشبة المسرح"..
إنَّها جُمْلَة من المفردات والمفاهيم الفنِّيَّة التي إنْ تَمَثَّلْنا معانيها، وتأمَّلْناها، نَفْهَم على خير وجه "حقيقة" الإنسان، أكان فَرْدًا أم جماعة؛ فما الإنسان، في ظَرْفَيِّ "المكان" و"الزَّمان" الخاصَّيْن به، إلا "مُمَثِّل"، يُمَثِّل، أو يؤدِّي، "دَوْرًا ما" على خشبة "مسرح التَّاريخ"؛ وإنَّه لخَلَلٌ منطقي في طريقة التفكير والنَّظَر إلى الأمور وفَهْمِها نراه، ونَقِف عليه، في كلِّ سَعْيٍّ (ولو أُلْبِس لبوس العِلْم) إلى كَشْف واكتشاف حقيقة الإنسان الأزلية، الأبدية، الثَّابتة، في خارِج "الدَّوْر" الذي يؤدِّيه، وبمعزلٍ عنه؛ فلا فَصْل، ولا انفصال، أبدًا بين الإنسان، بـ"حقيقته التاريخية والاجتماعية" وبين "الدَّور (الذي يُمَثِّله ويؤدِّيه)" على خشبة "مسرح التاريخ"؛ وهذا "الدَّوْر"، الذي مِنَ السُّخْف بمكان أنْ نبحث عنه، ماهيَّةً وخصائص وعناصر..، في "التَّكوين الطبيعي الحيواني" للإنسان، هو نُتَاج وثمرة "البيئة (التاريخية والاجتماعية)" التي وُجِدَ فيه إنسان ما، و"التربية" التي تلقَّاها؛ ويستطيع هذا الإنسان، بجهده الذَّاتي، أنْ يُدْخِل شيئًا من التَّعْديل على ظروف عيشه الموضوعية، وأنْ يتغيَّر هو نفسه بَعْدَ وبفَضْل ذلك؛ لكنَّه لن يستطيع أبدًا أنْ "يَخْرُج مِنْ جِلْدِه"، أيْ أنْ يَسْتَبْدِل ظروف عيش موضوعية جديدة بظروف عيشه الموضوعية القديمة، مهما بَذَل من جهد ذاتي؛ فإنَّ لـ"التَّعْديل (أو التغيير)" حدودًا لا يُمْكِنه تخطِّيها، في مكانه وزمانه.
الإنسان، بمعناه هذا، أو بمعناه الحقيقي هذا، يشبه، لدى مجيئه إلى الدنيا، إناءً فارِغًا تمامًا، يُمْلأ، في استمرار، بخليط من "السوائل البيئية والتَّرْبوية"؛ وهذه "السوائل" هي "النَّص الروائي" الذي ينبغي لهذا الإنسان تمثيله، وتأديته، على خشبة المسرح (التَّاريخي ـ الاجتماعي).
وهذا الإنسان نفسه، يشبه، مِنْ وجهة نظر أخرى، السَّائِل الذي شَكْله مِنْ شَكْل الإناء الذي يُوْضَع، أو يُسْكَب، فيه؛ وأَعْني بـ"الإناء" جُمْلَة ظروف عيشه الموضوعية، التي وَجَدَ نفسه فيها، بمعزل عَمَّا يرغب فيه، أو عنه، وعَمَّا يريد، ويُفضِّل، ويتمنَّى (وإنْ صارَع بعد ذلك إلى "إصلاح" ما يُمْكِنه إصلاحه منها).
أنتَ الآن في هذا المكان، وفي هذا الزمان، تنتمي إلى مجتمع ما، تُعَبِّر عن أفكاركَ ومشاعركَ بلغة ما، تُفكِّر في طريقة ما، تَعْتَقِد بمُعْتَقَدٍ، أو دينٍ، أو فكرٍ، ما، تشتغل بمهنة ما، تسعى إلى أهداف ما، وتَهْتَم بقضايا ما، تَزِن الأمور أخلاقيًّا بميزانٍ ما، تعيش حياتكَ اليومية في طريقة ما؛ فهل أنتَ تكون على ما أنتَ عليه الآن في كل الأمكنة والأزمنة؟
تخيَّل أنَّكَ وُجِدتَ في مصر الفرعونية، أو في روما القديمة، أو في اليونان القديمة، أو في "فرنسا لويس السادس عشر"؛ فهل تكون في "الهيئة التاريخية ـ الاجتماعية" التي أنتَ فيها الآن؟
هل تؤدِّي على خشبة مسرح التاريخي (في تلك الأماكِن) الدَّور الذي تؤدِّيه الآن؟
في هذه الأسئلة يَكْمُن من الإجابات ما يكفي لتأكيد أنَّ الإنسان (أكان فَرْدًا أم جماعة) يأتي إلى الدنيا مُمثِّلًا، يُمثِّل، ويؤدِّي، دَوْرًا، أو أدوار، على خشبة مسرح التاريخ؛ ثمَّ يَذْهَب إلى غير رجعة.
الإنسان، وبمعناه "التاريخي ـ الاجتماعي" هذا، أو بصفة كونه "مُمَثِّلًا" على "خشبة مسرح التاريخ"، ليس نَوْعًا واحدًا، ثابتًا، لا يتغيَّر؛ وليس بـ"النُّسْخَة الاجتماعية والفكرية والثقافية والسلوكية.." من "تكوينه الطبيعي الحيواني"؛ إنَّه أنواع، تتجاوَر في المكان، وتتعاقَب في الزَّمان؛ وهذا الإنسان (أكان فَرْدًا أم جماعة) يُمثِّل "الذَّات" في تفاعلها مع "الموضوع"؛ وينبغي له أنْ يسعى دائمًا في تغيير "الموضوع"، أيْ ظروف عيشه الموضوعية؛ لكن لا تعديل، ولا إصلاح، ولا تغيير، إلا بالمُتاح من القوى والوسائل "الاصطناعية"، والتي هي جزء لا يتجزَّأ من "واقع عيشه الموضوعي".