يرافق هذا القلق اتساع دائرة التواجد الأميركي في العراق في قواعد ثابتة مع زيادة لافتة لعدد القوات الأميركية في مسرح العمليات، وتكثيف الطيران الأميركي في المعركة، الأمر الذي اعتبره متابعون أن واشنطن تريد أن تعطي انطباعا أن أي هزيمة لـ"داعش" في العراق كانت هي بفضل ودعم أميركي مباشر، وهذه الإشارة ربما موجهة لكل الأطراف؛ لأن مرحلة ما بعد "داعش" هي من تضع أولوياتها السياسية والعسكرية والتحالفية، سواء كانت في العراق أو خارجه.
[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedsabry.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]احمد صبري[/author]
يتداول مسؤولون سياسيون وعسكريون أميركان وعراقيون معلومات حول أفق مرحلة ما بعد اندحار "داعش" في العراق، وآلية التعامل مع هذه المرحلة التي عدوها بالمعقدة والخطيرة إلى حد وصفها بأنها أخطر من مرحلة "داعش"، الأمر الذي فسره مراقبون على أن ملامح هذه المرحلة لم تتضح بعد.
وما يزيد من حيرة المتابعين لما يجري في العراق ومسار المعارك مع "داعش" أن الإدارة الأميركية الجديدة لم تكشف عن رؤيتها لهذه المرحلة رغم الإشارات المرتبكة عن خطورة وصعوبة مرحلة ما بعد "داعش"، وهو موقف فسر على أنه يندرج في إطار تخبط الإدارة الجديدة في التعاطي مع تحديات وأزمات المنطقة عموما وسبل مواجهتها.
ولم يقتصر القلق والحيرة على المتابعين للحرب على "داعش" وما سيعقبها من تطورات بعد هزيمة التنظيم، وإنما تعدى ذلك إلى الطبقة السياسية التي تحكم العراق ودول الجوار العربي والإقليمي الذين يتعاملون بحذر شديد مع هذه المرحلة وكيفية التعامل الأميركي معها..
يرافق هذا القلق اتساع دائرة التواجد الأميركي في العراق في قواعد ثابتة مع زيادة لافتة لعدد القوات الأميركية في مسرح العمليات، وتكثيف الطيران الأميركي في المعركة، الأمر الذي اعتبره متابعون أن واشنطن تريد أن تعطي انطباعا أن أي هزيمة لـ"داعش" في العراق كانت هي بفضل ودعم أميركي مباشر، وهذه الإشارة ربما موجهة لكل الأطراف؛ لأن مرحلة ما بعد "داعش" هي من تضع أولوياتها السياسية والعسكرية والتحالفية، سواء كانت في العراق أو خارجه.
إذًا نحن أمام مرحلة، صحيح أن القوات العراقية تخوض المعارك، وتحقق الإنجازات على الأرض بدعم أميركي، إلا أنها بالأحوال كافة هي معركة أميركية وضع خططها المستشارون الأميركان ونفذت بأدوات عراقية، وبالتالي فإن من يقرر استثمار النصر السياسي في هذه المعركة وتكريسه على أرض الواقع بتسويات بين أطراف الصراع هو من يقود المعركة ويوفر لها مستلزمات وصولها إلى أهدافها المرجوة،
وأول هذه المهام ـ طبقا للمتداول ـ فك الاشتباك بين القوى العراقية، وإيجاد آلية جديدة لتحقيق التوازن السياسي المفقود في العراق، وتحقيق العدالة في إدارته، وصولا لإعادة تموضع سياسي جديد قد يضع العراق أمام مرحلة جديدة تنهي حال الانقسام السياسي والطائفي وفوضى السلاح، والتدخلات الخارجية، وتعيد الأمل للعراقيين التواقين للاستقرار.
إن هذه الملفات وعشرات غيرها ستكون من أولويات المرحلة التي ستعقب هزيمة "داعش" في العراق.
والسؤال: من يضمن تحقيق خريطة الطريق المؤدية إلى معالجة وحل هذه الملفات، خصوصا وأن الائتلاف الحكومي الحاكم للعراق لا يتمتع بثقة ومصداقية شركائه بالحكم الذين يتهمونه بالاستئثار بالسلطة والقرار السياسي وإبعاد وإقصاء خصومه، فضلا عن فشله في إدارة شؤون البلاد وهدر ثرواته؟
نقول .. من؟
هل الولايات المتحدة حكم وضامن لأي صفقة سياسية ربما تتم بمباركة عربية وإقليمية وحتى أممية؟ وربما سيتعرف رئيس الوزراء العراقي حيدر العبادي على ملامحها خلال زيارته المرتقبة إلى واشنطن ويلتقي فيها الرئيس الأميركي دونالد ترامب.
وحتى لا نعلق آمالا على الدور الأميركي الذي كان سببا لما يشهده العراق والمنطقة والعالم من فوضى واضطراب منذ غزو العراق واحتلال عام 2003 وحتى الآن فإن واقع الحال في العراق لا يبشر بخير ولا يدعو للتفاؤل من فرط ما أصابه من أزمات وتحديات تحتاج إلى وقت طويل؛ ابتداء بالمصالحة، ورفع الظلم عن بعض المكونات وعودة المهجرين إلى ديارهم، ومن هي الجهة التي ستتولى إعمار وبناء مدنهم في ظل حيتان الفساد التي سرقت أموال العراق، وواقع الحال الذي يعيشه العراق يعكس حال عدم الثقة بين مكوناته السياسية والمجتمعية، وحتى الطائفية وتمترس قوى سياسية نافذة بالقرار السياسي تستند إلى ميليشيات مسلحة تفرض سلطاتها في الشارع وعلى حساب الدولة وسلطته الأمنية، ومخاطر الاحتكام إلى السلاح وتكريسه سلعة للتعامل مع الآخرين هو من يفشل ويقوض أي جهد حقيقي للحل، لا سيما وأن هذه القوى المعرقلة للحل التي نتحدث عنها لها امتدادات مع خارج العراق، وتتلقى الدعم السياسي والمالي لاستمرارها تغولها في المجتمع.
إن مهمة تحديد ملامح ورسم خريطة طريق لمرحلة "داعش" هي عسيرة ومعقدة وتحتاج إلى رافعة داخلية مدعومة من المجتمع الدولي لا سيما مجلس الأمن والأمم المتحدة وقبلها واشنطن لتسير على سكة السلامة المليئة بالألغام.