يخشى المواطن الأميركي اليوم تعاظم معضلة الضمان الصحي، خاصة بعد الإعلان عن النية بإلغاء ما سمي بـــObama Care أي الضمان الصحي الذي قدمه الرئيس السابق لتغطية علاج جميع الأميركان بلا فوارق طبقية ولا لونية ولا دينية ولا قومية، خاصة وأن الطب في أميركا يبدو بدرجة من الغلاء أنه لا يمكن أن يكون في متناول الأدنى مدخولًا من الفقراء أو حتى من المصنفين في مستوى الطبقات الوسطى.
[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedaldaamy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]أ.د. محمد الدعمي[/author]
أحال الإعلام، فضلًا عن مجموع الفنون المرئية (كالسينما) الولايات المتحدة الأميركية إلى كوكب آخر، كوكب ناءٍ تسكنه أجناس تختلف عن الأجناس الآدمية التي تعودنا رؤيتها والتعامل معها عبر قارات ما يطلق عليه الأميركان تعبير "العالم القديم"، جزافًا. بيد أن تجربة العيش في الولايات المتحدة الأميركية لأعوام لا بد أن تحيل المرء إلى خلاصات مختلفة تمامًا عما يتمسك به سكان دول العالم المختلفة في آسيا وأوروبا وإفريقيا، من بين سواها.
يرد أصل هذا النوع من "الأسطرة" إلى ميل الذهنية الأميركية لتقديم أميركا مختلفة، أو متفوقة على الآخرين، حتى وإن كان الآخرون أوروبيين. بدأت عملية الأسطرة تأخذ مدياتها في دواخل العقل الأميركي مذ بداية سكّ تعبير "العالم الجديد"، كناية عن الاختلاف أولًا، ثم التفوق والخيلاء، ثانيًا.
إلا أن فرصة العيش في أميركا لا يمكن بأي حال من الأحوال إلا أن تبرهن للمرء بأن أساطير وخيالات السنوات السابقة لم تكن سوى نتاجات الدعاية والفنون البصرية التي تفوق بها الأميركان على سواهم من شعوب العالم، درجة الإيحاء بما يريدون للصينيين والأفارقة والأوروبيين بأنهم أعلى درجات منهم بسبب الحكمة والنظام الذي اختطه الرجال "المؤسسون" من اعتماد قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، ذلك أن أي تقشير للأغلفة الخارجية التي "تكبسل" المجتمع الأميركي لا بد وأن تدل العقل الفطن على أن الأميركيين لا يختلفون كثيرًا عنا، في آسيا وإفريقيا وأوروبا وأستراليا. هم يعانون من نفس المشاكل الاقتصادية الخانقة والمعضلات الاجتماعية المروعة، درجة أن متابعة أي برنامج تلفازي حول المشاكل الاقتصادية والصحية والاجتماعية، من بين سواها من المشاكل التي تعصف بهم إنما تطابق، إن لم تزد، على مكافئاتها في مجتمعاتنا، ومنها مجتمعاتنا العربية والإسلامية، بطبيعة الحال. وقد خلقت التغيرات السياسية والاجتماعية الأخيرة نوعًا من الضيق والتململ والخوف من المستقبل هناك، ناهيك عن شيوع اللهجة الحذرة التي اعتمدها الإعلام الأميركي في تغطية ومعالجة المشاكل الأميركية الأساس: كالأزمة الاقتصادية والهجرة والسود وقضايا التوزيع العادل للثروة وطرائق توظيف أداة الضريبة لتحقيق أهداف "تعيد أميركا عظيمة كما كانت"، كما كرر الرئيس الأميركي الجديد، دونالد ترامب، ذلك مرارًا.
يخشى المواطن الأميركي اليوم تعاظم معضلة الضمان الصحي، خاصة بعد الإعلان عن النية بإلغاء ما سمي بـــObama Care أي الضمان الصحي الذي قدمه الرئيس السابق لتغطية علاج جميع الأميركان بلا فوارق طبقية ولا لونية ولا دينية ولا قومية، خاصة وأن الطب في أميركا يبدو بدرجة من الغلاء أنه لا يمكن أن يكون في متناول الأدنى مدخولًا من الفقراء أو حتى من المصنفين في مستوى الطبقات الوسطى. وإذا كانت ذبذبة الخوف من المستقبل والحذر مما قد يميط هذا المستقبل اللثام عنه قد هيمنت على العديد من الفئات الاجتماعية، فإن جميع الأقليات الإثنية والدينية (ومنها العربية والإسلامية) تشعر بضغط نفسي كبير اليوم بسبب الخشية من مد النزعات الانعزالية والعنصرية درجة جعل الحياة حالًا لا تطاق. أما فئة الملونين، فهي الأخرى تخشى تدهور أوضاعها مع صعود كفة "اصحاب الرقاب الحمراء"، أي البيض من أوروبيي الأصل.
طالما كنا نعتقد بأن المجتمع الأميركي غير محايد سياسيًّا، خاصة عندما يأتي الأمر إلى الشرق الأوسط ومشكلته الأساس، القضية الفلسطينية، إلا أننا سرعان ما تصطدم بأن "أنباء" العالم الخارجي إنما هي "أنباء من لا مكان" بالنسبة للمواطن الأميركي العادي الذي قد يتدحرج بتجاهله وجهله عن العالم الخارجي حتى منخفضات الاعتقاد بأن "ألمانيا" إنما هي ولاية أميركية، فما رأيك بهذه الدرجة من عدم الاكتراث بسوى التخصص بالعمل الذي يؤديه الفرد، ذلك الانهماك بالعمل الذي يجعل الأمر من الصعوبة بمكان أن يعرف المرء الفرق بين العراق وإيران!