الخليلي: إكرام الله لرسوله بإمامة النبيين يدل على علو منزلته (صلوات الله وسلامه عليه) وأن رسالته مصدقة للرسالات السابقة

حمود الصوافي: "الإسراء والمعراج" حدثت بعد سلسلة من المآسي حلت بالرسول (عليه الصلاة والسلام)

ابراهيم الصوافي: رسالة النبي وارثة لمقدسات الأنبياء والمرسلين وشريعته مهيمنة على الشرائع كلها
إعداد ـ علي بن صالح السليمي ومبارك بن عبدالله العامري:
شهر رجب ترتبط به ذكريات غالية لها في نفوس المسلمين آثار جليلة تشرح الصدور وتملأ النفوس بالغبطة والسرور وتعطينا صورة صادقة واضحة لما كان عليه المسلمون في صدر الإسلام وما قاموا به من أعمال بطولية في الدفاع عن العقيدة وحمايتها من الأعداء وتأمين حدود البلاد وتطيرها من كل خائن .. ومعجزة الإسراء والمعراج كانت المعجزة تسلية لرسول الله واحتفاء به في ملكوت السموات بعدما لاقى من عنت القوم ووفاة زوجته وعمه ولجوئه إلى الله مناجيًا لما يلقاه من أهل الأرض فيقول له ربه: ﴿وَلا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمَّا يَمْكُرُونَ، إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُون﴾ (النحل 127 ـ 128)، وهذه إشارة لرسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) أنَّ ربَّه الذي كلَّفه بهذه الرسالة السامية بلا شك سينصره رغم هذه الشدائد.

وتعد معجزة الإسراء والمعراج آية من آيات الله تعالى التي لا تُعَدُّ ولا تُحصى، ورحلة لم يسبق لبشر أن قام بها، أكرم الله عزوجل بها نبيَّه محمد (صلى الله عليه وسلم) .. إنها رحلة الإسراء والمعراج التي أرى اللهُ عز وجل فيها النبيَّ (صلى الله عليه وسلم) عجائب آياته الكبرى، ومنحه فيها عطاءً رُوحيًّا عظيمًا؛ وذلك تثبيتًا لفؤاده، ليتمكَّن من إتمام مسيرته في دعوة الناس وإخراجهم من الظلمات إلى النور، ولتكون تمحيصًا من الله للمؤمنين، وتمييزًا للصادقين منهم، فيكونوا خَلِيقين بصحبة رسوله الأعظم إلى دار الهجرة، وجديرين بما يحتمله من أعباء وتكاليف.
الإسراء فهي تلك الرحلة الأرضيَّة وذلك الانتقال العجيب، بالقياس إلى مألوف البشر، الذي تمَّ بقُدْرَة الله عزوجل من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى، والوصول إليه في سرعة تتجاوز الخيال، يقول تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [الإسراء ـ 1]، أمَّا المعراج فهو الرحلة السماويَّة والارتفاع والارتقاء من عالم الأرض إلى عالم السماء، حيث سدرة المنتهى، ثم الرجوع بعد ذلك إلى المسجد الحرام، يقول تعالى: {وَلَقَدْ رَآَهُ نَزْلَةً أُخْرَى عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آَيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} [النجم 13 ـ 18].
وفي هذا الجانب اوضح سماحة الشيخ العلامة أحمد بن حمد الخليلي المفتي العام للسلطنة عن هذه المناسبة في احدى محاضراته : في مثلِ هذه الأيامِ في كلِّ عامٍ من الأعوامِ تتوهّجُ في نفوسِ عبادِ اللهِ المؤمنين جذوةُ ذكرى من ذكرياتِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم)، فتعتمِلُ في تلك النفوسِ لواعجُ الشوقِ، وتفيضُ فيها مشاعرُ الحنانِ ذلك لأنَّ هذه الأيامَ حسبما شاعَ عند جمهورِ الناسِ هي الأيامُ التي أُسريَ في مثلِها برسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى المباركِ، ولا ريبَ أنَّ كلَّ ذكرى من ذكرياتِ رسولِ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ذاتُ عطاءٍ مدرارٍ، فإنَّ في كلِّ ذكرى من هذه الذكرياتِ من العِبرِ والدروسِ لعبادِ اللهِ المؤمنين ما لا يخفى، وغنيٌّ عن القولِ أنَّ رسولَ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) ما أرادَ اللهُ سبحانه وتعالى بهذا الحدثِ العظيمِ الذي مرَّ عليه والذي تمثّلُه هذه الذكرى إلا إكراماً، فإنَّ اللهَ سبحانه وتعالى منحَ النبيَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) في ذلك الحدثِ من المِنَحِ العظيمةِ ما لم يهبْه أيَّ واحدٍ من عبادِه الصالحين، ومن بينهم الأنبياءُ والمرسلون ، فقد خرقَ اللهُ سبحانه وتعالى له العوائدَ للإسراءِ به في ليلةٍ واحدةٍ من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى، ولم يقفِ الأمرُ عند هذا الحدِّ حتى رفعَه الدرجاتِ العلى، وأراه من الملكوتِ ما رأى، فقد كشفَ اللهُ سبحانه وتعالى له ستارَ الغيبِ، وأراه من آياتِه ما أراه، وعادَ (صلى الله عليه وسلم) في نفسِ الليلةِ إلى هذه الأرضِ حاملاً إلى هذه الأمةِ هديةً عظيمةً من اللهِ سبحانه وتعالى، وهي الصلواتُ الخمسُ، وقبلَ ذلك أكرمَه اللهُ سبحانه وتعالى في المسجدِ الأقصى إذ أُحضرِت له أرواحُ النبيّين، فأمَّ بهم رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم).
وقال سماحته: وفي كلٍّ من ذلك أكثرُ من درسٍ تتلقّاه هذه الأمةُ، وقبلَ ذلك كان الإسراءُ به (صلى الله عليه وسلم) من المسجدِ الحرامِ إلى المسجدِ الأقصى، فالمسجدُ الحرامُ يكتنِفُ الكعبةَ المشرفةَ، وهي أوّلُ بيتٍ وُضِعَ للناس (ِفِيهِ آيَاتٌ بَيِّـنَاتٌ مَّقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَن دَخَلَهُ كَانَ آمِناً) (آل عمران ـ 97)، والمسجدُ الأقصى مسجدٌ تتنزّلُ مِن حولِه البركاتُ، إذ اللهُ سبحانه وتعالى أنزلَ الكثيرَ من الرسالاتِ على عبادِه مِن حولِ ذلك المسجدِ في تلكم الأرضِ المقدّسةِ، وفي هذا ما يُوحي بأنَّ هذه الرسالةَ التي بُعِثَ بها رسولُ اللهِ (صلى الله عليه وسلم) هي رسالةٌ مصدِّقةٌ لما قبلَها من الرسالاتِ ومهيمِنةٌ عليها ، وتلك الرسالاتُ بأسرِها ما كانت إلا توطئةً وتمهيداً لهذه الرسالةِ الكبرى ، فإنَّ كلَّ رسولٍ من أولئك الرسلِ الذين بعثَهم اللهُ سبحانه وتعالى مِن قبلِه (عليه أفضلُ الصلاةِ والسلام)ِ جاءَ مُبشّرِاً به (صلى الله عليه وسلم)، وقد أخذَ اللهُ سبحانه على جميعِ النبيّين ميثاقَ الإيمانِ به، فاللهُ تعالى يقولُ:(وَإِذْ أَخَذَ اللّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّيْنَ لَمَا آتَيْتُكُم مِّن كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءكُمْ رَسُولٌ مُّصَدِّقٌ لِّمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُواْ أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُواْ وَأَنَاْ مَعَكُم مِّنَ الشَّاهِدِينَ( (آل عمران/81)، ثمَّ بجانبِ ذلك في هذا ما يُؤذِنُ بأنَّ هذه الأمّةَ هي وريثةُ الأممِ السابقةِ في مقدساتِها ،كما أنّها وريثةٌ لكلِّ النبوّاتِ في بداياتِها ، فعليها أن تحافظَ على هذه المواريثِ، وألا تفرِّطَ في شئ منها، وفي إكرامِ اللهِ سبحانه وتعالى رسولَه (صلى الله عليه وسلم) بإمامةِ النبيّين ما يدلُّ على علوِّ منزلتِه (صلواتُ اللهِ وسلامُه عليه)، وعلى أنَّ هذه الرسالةَ أيضاً مُصدِّقةٌ لما في تلك الرسالاتِ التي جاءَ بها أولئك المرسلون، وأنّها مُهيمِنةٌ عليها جميعاً ،كما أنَّ في المجيءِ بالصلواتِ الخمسِ من السماواتِ العلى ما يدلُّ على عِظَمِ منزلةِ هذه الصلواتِ من بين سائرِ العباداتِ، فإنَّ الإنسانَ المصلِّيَ عندما يقفُ يدي بين اللهِ سبحانه، ويستحضرُ كلَّ كلمةٍ يتلفّظُ بها في صلاتِه ؛ تعرجُ روحُه بين يدي اللهِ سبحانه وتعالى، وتشاركُ الملأَ الأعلى في السُّبُحاتِ والتقديسِ للهِ سبحانه.
أما الشيخ حمود بن حميد الصوافي فقال عن هذه المناسبة الجليلة: إن معجزة الإسراء والمعراج قد حدثت على أعقاب سلسلة من المآسي حلت برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، منها وفاة زوجه خديجة التي كانت تقوي فيه روح التصميم؛ للمضي في سبيل الدعوة إلى الله عز وجل، ومنها وفاة عمه أبي طالب الذي كان يدفع عنه أذى قريش، ومنها إيذاء المشركين له من أهل مكة والطائف وغيرهم، فأراد الله سبحانه وتعالى لنبيه محمد (صلى الله عليه وسلم) من هذه الرحلة العظيمة راحةً لنفسه، وترضية لخاطره، إلى جانب ما شاهده من عالم آخر، لم يكن ميسورا له ليشاهده أو يتصل به؛ حيث إنه وصل إلى مكان لم يصل إليه ملك مقرب ولا نبي مرسل ليعلن له مكانته عنده، ومنزلته لديه، فكأن الله سبحانه وتعالى قال لنبيه (صلى الله عليه وسلم): يا محمد إن كان أهل الأرض قد جهلوا قدرك؛ فإن قدرك عند الله عظيم، وإن كان أهل الأرض قد ناصبوك العداء؛ فإن أهل السماء يرحبون بك، وإن كان أهل الأرض لم يرضوا بك قائدا رائدا؛ فإن أهل السماء قد رضوا بك إماما مباركا، وإن كانت الأرض قد ضاقت بك؛ فإن السماء قد فتحت صدرها استبشارا بقدومك )وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى * مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى * وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى * عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى* ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى * وَهُوَ بِالْأُفُقِ الْأَعْلَى * ثُمَّ دَنَا فَتَدَلَّى * فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى * فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى * مَا كَذَبَ الْفُؤَادُ مَا رَأَى * أَفَتُمَارُونَهُ عَلَى مَا يَرَى * وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِندَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِندَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى( (النجم1 ـ 18).
وذكر الشيخ حمود الصوافي بأن الله سبحانه وتعالى قد فرض في هذه الليلة المباركة عليه وعلى أمته في كل يوم وليلة خمس صلوات، أمرهم بالمحافظة عليها، وجعلها عليهم كتابا موقوتا، بها يناجون ربهم، وبها يقومون بواجب العبودية، وبها يتغلبون على الشهوات والأهواء، وبها تغرس في قلوبهم مكارم الأخلاق، وبها يطهرون نفوسهم من الجبن والشح، والهلع والجزع، وبها يستعينون على مشاق الحياة، فمن أراد حياة هنيئة، وسعادة أبدية فليحافظ عليها، وليكثر مناجاة ربه بها )وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ * الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُم مُّلاَقُو رَبِّهِمْ وَأَنَّهُمْ إِلَيْهِ رَاجِعُونَ( (البقرة 45 ـ46 )،)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ( (البقرة ـ 153)،)وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ((العنكبوت ـ 45).
ومن هذه الدروس والعبر التي نأخذها من رحلة الإسراء والمعرًاج مكانة المسجد: هو ربط الرحلة في بدايتها ونهايتها بالمسجد، فالخروج من مسجد وإلى مسجد لتعلم الأمة قيمة المساجد ومكانتها في الإسلام، فهو بيت الأمة الذي اهتمَّ به رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم) في بداية بناء دولة الإسلام، فالمسجد له مكانته وله دوره في الإسلام الذي لا بد أن يعود حتى يتخرج فيه الرجال الذين يحملون دعوة الله ويبلغون رسالة الله الذين قال الحق فيهم: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ يُسَبِّحُ لَهُ فِيهَا بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ، رِجَالٌ لا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلا بَيْعٌ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَإِقَامِ الصَّلاةِ وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ يَخَافُونَ يَوْمًا تَتَقَلَّبُ فِيهِ الْقُلُوبُ وَالأَبْصَارُ، لِيَجْزِيَهُمْ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ﴾ (النور 36 ـ 38)، والنبي (صلى الله عليه وسلم) يقول في الحديث القدسي الذي يرويه عن رب العزة: (بيوتي في الأرض المساجد، وزوارها عُمَّارها، فطوبى لعبدٍ تطَّهر في بيته ثم زارني في بيتي فكان حق على المزور أن يُكرم زائره)، حيث فرضت في هذه الرحلة المباركة الصلاة ليكون المسلم على صلة دائمة بربه.
اما الشيخ ابراهيم الصوافي امين فتوى بوزارة الاوقاف والشؤون الدينية فقال: الإسراء والمعراج حادث عظيم يقع ضمن سلسلة الأحداث المباركة التي مرت بالرسول (صلى الله عليه وسلم) تثبيتا له في دعوته وتكريما له على قيامه بأمر الله وإظهارا لشأنه وعلو منزلته عند الله.
وحول الأحداث التي سبقت الإسراء والمعراج ودلالات ذلك قال: جاءت حادثة الإسراء والمعراج بعد سلسلة من الأحداث المريرة التي مرت برسول الله (صلى الله عليه وسلم)، حيث اشتد أذى قريش به وبصحابته الكرام ـ رضوان الله عليهم ـ وعندما خرج الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى الطائف بحثا عن متنفس للدعوة بعد ما ضاقت بها مكة اتجه إلى الطائف متوخيا في أهلها إجابة الدعوة والدخول في دين الله عز وجل إلا أن أهل الطائف لم يكونوا أقل ضررا وإيذاء له (صلى الله عليه وسلم) من قريش حيث أغروا به سفهاءهم ورموه بالحجارة حتى أدموا قدميه الشريفتين وتضاعف الحزن بفقد امرأة كان لها دور كبير في تأييد النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ وتثبيته وتقديم كل أشكال العون المادية والمعنوية له ألا وهي السيدة المباركة أم المؤمنين خديجة بنت خويلد ـ رضي الله عنها ـ كما فقد (صلى الله عليه وسلم) عمه أبا طالب الذي كان يصرف عنه أذى القريشيين وما كانت قريش تنال من الرسول (صلى الله عليه وسلم) ما نالته منه بعد موت أبي طالب.
وفي سؤال عن التفسير لهذه الحوادث التي مرت بالرسول (صلى الله عليه وسلم) اوضح الصوافي بأن هذه الابتلاءات يمر بها الأنبياء والمرسلون جميعا لأن الله تعالى أراد أن يربيهم على القوة والصلابة والصبر والتحمل لأن المسؤولية الملقاة على عاتقهم عظيمة لا يقوى على حملها إلا الأقوياء من الرجال، كما أن في ذلك درسا لاتباع هذا النبي بأنه لا بد من الصبر والتحمل في سبيل إقامة دين الله والدعوة إليه ، وفيه درس آخر وهو أن هذه الدنيا جبلت على المصائب والشدائد والابتلاءات ليتبين فيها الصادق من الكاذب، والصالح من الطالح (ونبلوكم بالشر والخير فتنة).
وأكد بأن في هذه الرحلة إظهار لعظمة الله وقدرته وبيان لأن ما شرعه الله تعالى من سنن وقوانين يسير عليها العالم إنما هو بأمر الله وأنه يخرقها سبحانه متى ما شاء ذلك لأن الأمر كله بيده ومرده إليه، وفي حادثة الإسراء طويت للرسول (صلى الله عليه وسلم) الأرض حتى قطع المسافة بين مكة والأقصى في جزء يسير من الليل، ثم عرج به إلى السموات العلى وإلى ما شاء الله تعالى.
وعن الدروس التي يستفيدها المسلم من حادثة الإسراء والمعراج قال ابراهيم الصوافي: الدرس الذي نستفيده أن المسلم عليه أن يكون متصلا بالله مدركا لقوته وبرهانه وأنه لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء وأنه إذا اراد شيئا يقول له كن فيكون مما يجعله متصلا بربه ويجعله متعلقا به ومخلصا بالعبادة والاستعانة بالله.
موضحا هنا بأن في حادثة الإسراء انتقل الرسول (صلى الله عليه وسلم) من مكة المكرمة إلى المسجد الأقصى بالقدس الشريفة، وفي هذا ما يدل على أن رسالته (صلى الله عليه وسلم) وارثة لمقدسات الأنبياء والمرسلين والمسلمين الذين معهم وأن شريعته مهيمنة على الشرائع كلها، كما أن في اختيار المسجد الأقصى ليكون قبلة لرحلته البرية ما يدل على أهمية الأقصى وضرورة المحافظة عليه وأن ذلك جزء من هذا الدين وأنه لا يجوز للمسلمين بحال من الأحوال أن يفرطوا فيه وفي أهله ويسلموه لاعدائهم وأنه يجب على الأمة أن تتكاتف لتحرير المقدسات الإسلامية، وفي اختيار المسجدين (الحرام والأقصى) ليكونا مبتدأ ومختتما للرحلة البرية ما يؤكد على أهمية المسجد في حياة المسلم فهو مهبط السكينة ومحل غشيان الرحمة ونزول الملائكة وهو حضرة قدسية يمثل فيها العبد أمام الرب جل وعلا، فيجب على المسلم أن يجعل لها قسطا من يومه يتردد عليها صادرا وواردا ليطهر قلبه ويزكي نفسه ويرفع درجته عند ربه.