بين راحتي النقد
هشام مصطفى

ومن المهم أن نقرر ـ قبيل البدء في رحلتنا ـ أننا أمام عمل نقدي يأخذ بعدا أبعد من مفهوم النقد سواء أقصد الناقد ذلك أم لم يقصد ؛ إذ إن الكتاب يخدم غرضا يعتبر في هذه الآونة هاما غاية الأهمية ، حيث احتياج النقد أو دارسيه إلى خريطة ، توضح موقعه أمام الخريطة الإبداعية ، وهنا تكمن الأهمية ، فالكتاب يقدم الاتجاهات التي تم التطرق إليها نقدا ، وأهم المناهج التي مارسها النقاد من خلال الأدب العربي في عمان ، وهو احتياج يتعاظم مع غياب المصدر لهكذا معرفة ، تحدد مكانة النقد ، والتحولات النقدية في المشهد الثقافي العماني لكل دراس أو محب للمعرفة ، وهو بجانب ذلك لا يكتفي بعرض العمل ، بل يسلط الضوء على مغزاه ، ناهيك عن أسسه التي سار عليها ، وبذلك يعتبر الكتاب من هذه الوجهة هاما بدرجة كبيرة ، تثير الدهشة من عدم الاحتفاء و الاهتمام به ، وقد تثير التساؤلات العديدة جراء هذا الاهمال إن شئت الدقة .
والكتاب على حجمه وطول النفس فيه وعظم الصبر عليه كي يكتمل مقسم إلى بابين فقط ، شمل الأول واقع الخطاب النقدي في عمان تاريخيا ، فاهتم بالبدايات النقدية ؛ حيث احتوى الفصل الأول بجانب البدايات النقدية ونقد الاختيارات ، وفيه عرض لأهم النقاد أو الأعمال النقدية ، حيث احتفى بالطائي ناقدا ومن ثم عرج على كتاب شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء أهل عمان ، وانهى الفصل بكتاب شعراء عمانيون والوقوف على عتبات النص ، وقد حدد الناقد المساحة الزمنية النقدية للبدايات بثلاثة عقود ، حيث يعرض لها ومن ثم يتعرض لنقدها والذي وصفها بالسطحية ، وسوف نعود للتعليقات النقدية للباحث في مرحلة لاحقة لهذا العرض .
وفي نفس الوقت يشير الناقد إلى الإهمال في تتبع هذا الجانب من المنتوج الأدبي في عمان ، ويركز على التفاوت بين الإبداع الأول ( الشعر ) والإبداع الثاني له ( النقد ) ، والذي جاء بطبيعة الحال لصالح الإبداع الأول ، ويرى الباحث أن مع هذا التخلف لمسايرة النقد للشعر إلا أن الشعر ظل محافظا على قوته لعوامل المكان والموروث بجانب سمات الشخصية العمانية المحافظة .
كما أن الباحث يقرر أو يستخلص نتيجة هامة حيث ينوه عن أن بدايات النقد الحقيقي مرتبط بالصحافة والجهد الصحفي ؛ ولهذا يعتبر أن البدايات للنقد مهجرية النشأة كما قرر الباحث من تتبع تلك البدايات ، ما استدعى الباحث لأن يتعرض للجانب التاريخي منه وتحديدا الصحافة النقدية ، ومنها ينطلق إلى الجهود الشخصية لبعض الشخصيات المؤثرة في رأي الباحث ، ولهذا أيضا ركز الناقد على شخصية عبد الله الطائي ناقدا لا أديبا ، حيث استعرض من خلاله أهم القضايا التي اعتنى بها ، فالاغتراب والهمّ الوطني ، ومن ثم المنهج النقدي في تناوله للتجارب الشعرية ، ثم تعرض الباحث الناقد لجهد مغاير للطائي ، وهو جهد تقليدي في شكله والمتمثل في كتاب محمد بن راشد الخصيبي (شقائق النعمان على سموط الجمان في أسماء شعراء عمان) إذ تبدو منهجية الكتاب من خلال استعراض الباحث له ، حيث يصنفه الناقد الباحث بالشاعر والمؤرخ ، ولهذا تبدو المنهجية تاريخية ، وقد تميل لتاريخ النقد لا للنقد ذاته وهو بالتالي عمل يساير الأعمال التي نسبت إلى النقد وتاريخه قديما ، والكتاب في واقع الحال ينتمي إلى الشعر الوظيفي ، إذ إن الكتاب عبارة عن قصيدة جمع فيها أسماء شعراء عمان ، قدم لها شرحا يحتوي تأريخا وتقديما لهؤلاء الشعراء ، وهو يتخذ منهج ابن سلام الجمحي في تقسيمات الشعراء إلى طبقات ، وبالتالي دون أسس نقدية واضحة ، وهذا لا يلام عليه مؤلف الكتاب حيث الظرف التاريخي والتبعية الفكرية للعصر .
ويأتي جهد الشاعر سعيد الصقلاوي في كتابه ( شعراء عمانيون ) في مسيرة النقد حيث إن الكتاب يأخذ سيرة سابقه في عملية التأريخ لشعراء عمان ، ومع ذلك يرى الدكتور أحمد درويش أن هذا الكتاب يمثل تمهيدا جيدا للمسيرة النقدية وهو على ما يقدمه يعتبر ذلك حيث التطور الطبيعي لمراحل النقد فلا يطلب من جهد شاعر أن يقدم في هذا الوقت أو ما يسمى الظرف التاريخي لعملية الإبداع أن يقدم عملية نقدية متكاملة ممنهجة ومؤطرة وبهذا المنظور يجب أن يُنْظر إلى العمل .
ويتعرض الفصل الثاني من الباب الأول في الكتاب للنقد الأكاديمي ،و يبدو أن المقياس الذي اعتمده الناقد الباحث فيه على عامل الزمن أو الأقدمية حيث إنه لم ينوه أو يشير إلى أي أساس تم العرض والاستعراض لهذه الأعمال غير أن العامل الزمني لهذه الأعمال يبقى هو العامل الوحيد والمعقول لتراتبية العرض ، ويبدأ بعرضه لكتاب علي عبد الخالق ، وهو باحث مصري ، والكتاب بعنوان ( الشعر العماني مقوماته واتجاهاته وخصائصه ) ، ويعده الباحث باكورة الدراسات النقدية عن الشعر العماني ؛ إذ أن موضوعات الكتاب درات كلها حول الإبداع الشعري في عمان ، وتناول الكتاب في فصوله الحياة الأدبية في عمان من حيث النشأة وعوامل الازدهار ، واتجاهاته في العصور المختلفة ، أما الفصل الثاني فيعالج أطوار الشعر وبواعث نضجه ، والفصل الثالث عالج فيه الباحث اتجاهات الشعر في عمان ونزعاته ، واحتوى الفصل الأخير على سمات الشعر وخصائصه الفنية .
والكتاب الثاني الذي تناوله الناقد الباحث ( في الشعر العماني المعاصر ) لأبي همام عبد اللطيف عبد الحليم ، ويرى أن أهم ما في الكتاب واقعية الكاتب وراء العملية النقدية لديه ، تبررها الرغبة في الولوج إلى عالم شعري تتنازعه الأجيال ، وتتجاذبه مدارس مختلفة ومتباينة ، تجمعت في عصر واحد ، والكتاب بهذه الرؤية يتعرض لعدد من الشعراء المبرزين في السلطنة ، وهو أي الكتاب محاولة ـ في رأي الباحث الناقد ـ لاستيعاب الحركة الشعرية المعاصرة في عمان .
والكتاب الثالث الذي تعرض له الكتاب هو ( دراسات في الشعر العماني ) لسعد دعبيس ، ويرى الناقد أن أهمية الكتاب في أن الكاتب أحد الأكاديميين الذين قدموا دراسة عن الشعر في عمان إبان عمله الأكاديمي بالسلطنة ، حيث كانت له مشاركات نقدية وأدبية في الحراك الثقافي داخل وخارج الجامعة ، كما يرى الناقد أن باعث الكتابة لدى الدكتور سعد دعبيس الحاجة إلى إماطة اللثام عن الأدب والشعري العماني ، فالكتاب يكشف عن الوجه الأخلاقي للشعر في عمان ؛ فالشعر يهدف إلى ( تعميق أواصر التقارب الفكري والثقافي والتجاوب الروحي والعاطفي ) .
أما الكتاب الرابع الذي تعرض له الباحث الناقد فهو ( مدخل إلى دراسة الأدب العماني ) لأحمد درويش ، حيث يقدم له بأنه أحد النقاد الأكاديميين الذين كانوا لهم نشاط بارز ، ويلقي الضوء على دوافع أحمد درويش للكتاب بأن الأدب العماني لم يحظ بعد بدراسة واحدة تجمع شتاته ، وتصنفه وتناقش فضاءاته .
ويتعرض الكتاب في القسم الثاني إلى الدراسات الأكاديمية أيضا ولكن لباحثين عمانيين ، والذي خصص لهم الباحث الناقد الدكتور سالم العريمي الفصل الثاني ، والتي بدأ فيه بعرض دراسة محسن الكندي عن شخصية عبد الله الطائي ويرى أن ما يميز هذه الدراسة أنها أول دراسة تتم مناقشتها في رحاب جامعة السلطان قابوس ؛ لهذا فهي ( أي الدراسة ) تتسم بروح البحث التي عادة ما تتميز به هذه الدراسات في تحري الدقة والبحث عن الجديد العلمي ، وبالتالي فإن الدراسة قدمت مبرراتها والمنهجية منطلقة لعرض المحتوى ومن ثم يتعرض العريمي للإشارات النقدية التي طرحتها الدراسة وأخيرا يدلي الباحث برأيه فيها .
والدراسة الثانية التي يعرضها دراسة شبّر الموسوي واتجاهات الشعر العُماني المعاصر ، ويرى الباحث أن أهمية دراسة شبّر الموسوي أنها من أوائل الدراسات الأكاديمية التي حاولت استيعاب الشعر العماني بالدرس والتحليل وهي في مجملها إجابات لأسئلة طرحها الموسوي في بداية الدراسة ، ثم أردف دراسة الموسوي بدراسة محمد المحروقي والشعر العماني الحديث أبو مسلم البهلاني رائدا ويرى الباحث الناقد أن الدراسة في مجملها اتجاه تاريخي حيث إن المحروقي يحاول وضع تقسيمات زمنية للعصور الأدبية في عمان .
ويتعرض الفصل الثالث من هذا القسم للفعاليات الثقافية والمؤتمرات والندوات النقدية ، وهو جهد بالفعل مضن يحتاج إلى بحث دؤوب وجاد ؛ نظرا لكثرتها وتنوعها ما يجعله في حاجة إلى بحث ليس سهلا ولا ميسرا ، ويرى الباحث الناقد أن هذا الفصل قد فرضته الحالة الثقافية والأدبية ، وقد وصفها بالحضور والحيوية ، وكذلك بأن القائمين عليها لم يقصدوا لتأصيل العملية النقدية ، وعلى الرغم من ذلك فإن العريمي يرى إمكانية أن تجمع مادة علمية من خلال أوراق عمل هذه الدراسات والبحوث ، واستعرض من خلالها لأهم النقاد ( على ما يبدو ) إذ أنه قد خرج عن منهجية الدراسة التي تتبع التسلسل الزمني والسياق التاريخي لما سبق من عرضه ، حيث بدأ بدراسة للناقد الكبير صلاح فضل والذي عالج من خلال ورقته الطائي والتجديد الشعري لديه ، ثم لأيمن ميدان وينوه عن تميز الورقة بأنها مواكبة للنص الشعري والذي ركز فيها عن الثيمات الشعرية في النصوص المعروضة واصفا العلمية النقدية بالحلة المتوازنة بين العلاقة الموضوعية والفنية وتوظيف متزن للمصطلح النقدي ، ثم عرض العريمي لورقة عمل هلال العامري (الزمن في شعر الرواحي) حيث يصف العريمي ورقة العمل بظهور روح الشاعر والانطباعية النقدية إذ يقول العريمي ( بالرغم أن العامري لم يصرح بالمنهجية لبحثه إلا أن الجملة التحليلية المشوبة بالانطباعية التي عادة ما تكون عند النقاد الشعراء واضحة ) ، كما وصف العريمي الورقة بأن مفهوم الزمن فيها مرتبك وعابه عدم التمهيد النظري وأخيرا ينوه عن الاستعمال للألفاظ والمصطلحات التي تحمل فضاءات مفتوحة وواسعة ما أفقدت الجملة النقدية موضوعيتها.
أمّا فصل الدوريات والنقد الصحفي ، فيرجع العريمي لظهور هذا النوع من النقد إلى الحاجة الملحة للنشر والتواصل مع القارئ ، بل ويرى أن هذا النقد الذي يتسم في كثيرٍ من الأحيان بالوضوح والسرعة ، وعدم العمق في التفاعل مع النص الأدبي ؛ حيث يرجع ذلك إلى القارئ ذاته في هذا التوجه للنقد الصحفي ،و قد نخالفه هذا التوجه إذ أن النقد في ذاته قبل أن يعنيه الحكم أو القراءة وطرح الأسئلة ،فهو تنويري في مجاله مثله مثل الجوانب الأخرى لمهام الصحافة عموما ، لذا فإن النقد الصحفي أو إن شئت الدقة النقد من خلال بوابة الصحافة تحكمه المساحة لا القارئ ، إذ أن قارئ الصحافة هو قارئ متلق يبحث عن المعرفة ، ولا يوجهها سواء أكانت المساحة واسعة أم ضيقة .
ويعدد العريمي احتياج الناقد إلى سمات النقد الأكاديمي بجانب مميزات الناقد الصحفي أو النقد الصحفي ، التي تبحث عن الإضاءة والكشف وكذلك لطبيعة سرعة الجانب الثقافي في الصحافة ، وعلى الجانب الآخر ، يرى فيما يذهب إليه أن ثمة جوانبا مشتركة بين النقد الصحفي والأكاديمي ونتفق معه في هذا الطرح حيث يطالب بألا يكون النقد الصحفي سريعا أو مسطحا أكان صحفيا أم أكاديميا أو تطبيقيا وعلى اختلاف مشارب الناقد ذاته .
والعريمي يرتب المجلات أو الدوريات الأدبية بتسلسلها التاريخي ، إذ يصف مجلة الغدير بأنها من أوائل المجلات التي كان لها حضور أدبي على رغم قصر عمرها ( سبع سنوات من 1977 إلى 1984م ) إلا أنها كما يصفها العريمي اتسمت بالحيوية والنشاط وتشجيع الأدباء ، ويستعرض الجانب الخاص بالكتاب وهو النقد ، حيث يستعرض المقالات النقدية ، وأهم موضوعاتها ومنها مقالات لأحمد الفلاحي التي يحاول فيها أن يوضح قيمة الشعر والضرورة الحياتية إلا أنه ينوه عن المنافسة التي أصبح فيها الشعر مقارنة بوسائل الإعلام الأخرى ، ولعل هذا غريبا بل مدهش إلا إذا وضعنا السياق في إطار فهم الشعر على كونه وسيلة ناطقة بلسان المجتمع أو الدولة أو القبيلة قديما وليس كفن قائم بذاته يقدم حاجة لا يقدمها سواه .
وخلال استعراض العريمي لمقالات الفلاحي فإنه يلقي الوضوء على القضايا الملحة والتي تعتبر ركيزة فكرية هامة في حينها ، وهي الشعر بين القديم والحديث ، ودور الشعر القديم وسلبياته ، ويصف العريمي الفلاحي بالموضوعية والحيادية ، وتبدو بالفعل القضايا التي تعرض لها الفلاحي آنية للآن متجددة ، وهي تخص الأدب العماني من حيث غيابه عن الساحة العربية ، ويرجع ذلك إلى أسباب عدة منها قلة النشر ، وضعف التعريف بالأدب العماني في الساحة العربية ، وانعدام التواصل مع الدوريات المعنية بالأدب في العالم العربي .
ويصف العريمي آراء الفلاحي بأنها تتسم بالسرعة والاقتضاب والمثالية ، ويغلب عليها الطابع الصحفي ، ثم يلقي الضوء على مقالات هلال بن سالم السيابي في شعر أبي سرور ؛ حيث يرى أنها جاءت لتبرئة ساحة الشاعر، حيث إشكالية الوقوع بين مكانته الاجتماعية والوظيفية كقاض وسماته الشعرية وبراعته في غرض الغزل ، ويرى أن السيابي لم يتعرض لتحليل البنية اللغوية والأسلوبية أو الصورة الفنية ، ويبدو هنا أن العريمي لم يراع الظرف التاريخي ، وبدايات النقد فقام حكمه على أساس معرفي آني لمرحلة مغايرة معرفيا ؛ حتى أن الأسلوبية أو البنيوية أو نظرية موت المؤلف لم تكن معروفة فقط في العالم العربي ، بل كانت في بدايتها في العالم الغربي .
وأما عن مجلة السراج فيراها العريمي وسطا بين مجلتي الغدير ونزوى ، من حيث الكثافة النقدية ، وأهميتها في الطرح والتناول ، وحتى في محتواها الفني والفكري ، وهي كما في رأي العريمي أكثر اهتماما بالنقد من مجلة الغدير وحتى من مجلة نزوى ، ثم يستعرض دراسة اتسمت بالطول كنموذج ، وتُتصف هذه الدراسة في رأي العريمي بالتأني في الطرح ، والمناقشة الجيدة لبعض القضايا التي تمس تاريخ الأدب ، والأدب المقارن ، والنقد التاريخي ، والاجتماعي واللغوي والبلاغي ، وهي للدكتور شكري بركات ، وتركز على شعراء ما قبل الإسلام ، فالناقد يحاول أن يبرهن صحة النسب ؛ إذ أن المصادر قديمة وتفتقد للتوثيق ،و تعرض الدراسة لكبار شعراء هذه الفترة مثل مالك بن فهم الأزدي ، وهو يحاول إثبات صحة نسبها للشاعر بواسطة تحليلها ، واتحاد الظواهر الفنية ، ومن ثم يُتْبِع هذه الدراسة بدراسات أخرى لشعراء آخرين من نفس الفترة ، ويأخذ نفس منهجه البلاغي واللغوي والاجتماعي ؛ لإثبات تاريخ الأدب للشعر العماني ، والمقالة الأخرى التي تعرض لها العريمي كنموذج لمجلة السراج هي لإبراهيم الدسوقي ، حول ( المجاز في شعر أبي الصوفي ) والدراسة بُنِيَتْ على ثلاثة محاور (كما ينوه الباحث ) وهي البنية اللغوية ، والصورة البلاغية ، والحالات الدلالية لطرفي المجاز ، وهي ـ كما يرى ـ وصفية إحصائية أكثر منها تحليلية ، وهدفها التعرف على القيمة البلاغية للمجاز بشكل خاص ، ومن ثم يستعرض العريمي لبعض الدراسات للدواوين الشعرية للشعراء المعاصرين .
وينتهي الفصل باستعراض لمجلة نزوى ، حيث يراها العريمي أنها أكثر حضورا ، لا في السلطنة فحسب ، بل في الوطن العربي ، كما أنها استقطبت الكثير من المبدعين والنقاد ، وساهمت بشكل مؤثر في نشر ثقافة على درجة عالية من الوعي والرقي الأدبيين ، وتتسم مجلة نزوى ـ كما رأى العريمي ـ بالتنظير النقدي أكثر من مسألة التطبيق ، ثم يستعرض لبعض المقالات ، والعريمي بطبيعة الحال لا يقدم أسسا لاختيار ما يستعرضه ، وأول ما يتعرض له مقالات سيف الرحبي مؤسس المجلة ورئيس تحريرها ، ويأخذ مقالة ( جدل الأشكال الشعرية ) مثالا ، ويبدو من العنونة القضايا التي ستمسها المقالة ، وهي قضايا تمس الجانب الإبداعي والشعري وإشكالية الأجناس ، ثم الحديث عن مسألة الريادة الشعرية ومدى حضورها في الواقع ، ويرى في لغة الرحبي النقدية بالوعي النقدي الجيد ، والانطلاق الفكري المحدد ، ولغته المطاوعة في إصدار الأحكام ، إلا أن أحكامه ( كما يرى العريمي ) تتسم بالانطباعية والحدة والرفض للقديم .
وتعّرض بعد الرحبي لدراسة محسن الكندي في ( رصد ملامح التجربة الشعرية الجديدة في عُمان ) حيث تحاول الدراسة توضيح الثيمات الأساسية لشعراء قصيدة النثر في عمان ، وبمنهج أسلوبي ، وبطريقة إحصائية ، وهو بذلك يعتبره ناقدا تاريخيا ؛ إذ يحاول البحث عن دوائر التكوين العربي للتيارات الشعرية في عمان .
وأخيرا يتعرض العريمي لسلسلة من الدراسات لغير العمانيين ، اختار منها دراسة بن على بوزيان عن ( كعب بن معدان الأشقري ) حيث يصفها بالتقليدية ، والسرعة النقدية ، ثم دراسة للناقد صبري مسلم في قراءة لمجموعة ( رياح للمسافر بعد القصيدة ) للشاعر هلال العامري ، ويراها العريمي أنها نموذج للمظاهر النقدية الحديثة التي تفيد المناهج التي تنطلق من النص ، والتي تحاول استجلاء أهم مكوناته الأسلوبية .
ويأتي الباب الثاني تحت عنوان التطبيق المنهجي وآليات النقد ، وجاء في خمسة فصول بدأها بالمنهج التاريخي ثم الموضوعاتي ثم الأسلوبي ثم البنيوي وأخيرا التناص .
والعريمي مع المنهج التاريخي يقدم له بمحاولة فهم للمنهج ومفاهيمه فالنقد بين المنهجية والاتجاه التاريخي بين عمومية العلاقة بين البشر و التطور وبين ارتباط الحدث بالتاريخ ، والذي قسم على هذا الارتباط الأدب إلى عصور ، ثم يقدم العريمي فهما محددا للمنهج التاريخي بأنه (الدارس للظروف السياسية والاجتماعية والثقافية للعصر الذي ينتمي إليه الأدب ) ويعتبر ذلك الوسيلة للفهم والتفسير ، ثم يستعرض أهم القضايا التي تناولها المنهج التاريخي كنسبة النص وصحته ، ويلاحظ العريمي أن هذا المنهج هو الأكثر شيوعا في عمان أكاديميا ، ويعلل ذلك لوجود نقد كثر يتبنونه ، ويرونه الأقدر على فهم النص .
ويعرض العريمي أهم تجربتين في رأيه ، الأولى لعلي عبد الخالق ، والثانية لأحمد درويش ، فالدراسة الأولى تسير في خطى النقد التاريخي ؛ من حيث تقسيم شعراء عمان حسب عصورهم التاريخية ومن خلالها يتعرض عبد الخالق لقضية عدم تسجيل هذا التراث مما تسبب في ضياعه أو ضياع معظمه ، وهو أي عبد الخالق يقسم الأدب العماني إلى عصرين متناسبين مع الأدب العربي ، هما العصر الجاهلي والثاني الإسلامي ، ثم يقسم الأدب العماني تقسيما آخر حسب النظم السياسية التي سيطرت على عمان وبهذا يجد أن العصور الأدبية العمانية هي عصر النباهنة واليعاربة ودولة البوسعيدية والذي تميز بأنه عصر حظي بالتدوين والاهتمام .
ويجد العريمي أن الدكتور أحمد درويش في تجربته الثانية ، يسير على خطة سابقه من حيث تأريخ الأدب ، وأنها صورة أكثر إتقانا وحِرفية من الناحية البحثية ، وهو يخالف سابقه من حيث عدم ربط الأدب بالعصر السياسي ، ومحاولة ربطه بالمظلة الأشمل أي الأدب العربي ؛ ليؤكد على حضوره ، لهذا فعند دراسته لشعر دولة النباهنة ، يراها تغاير المسار في معاصرة دولة المماليك ، حيث تميزت بدقة اللغة ، مقارنة بالركود والضعف ، ويرى العريمي كذلك في دراسة درويش ، أن أهم ما تسلط الضوء عليه ، قضية المَهْجر الشمالي وابن دريد مثالا ، والمهجر الجنوبي وأبي مسلم البهلاني مثالا .
أمّا الدراسة الثالثة لهذا المنهج خاصة بمحمد المحروقي ، باسم الشعر العماني الحديث أبو مسلم رائدا ، ويرى العريمي أن المحروقي لم يرتبط بتقسيمات الأدب العربي ، بل بتقسيمات خاصة بعمان ؛ حيث تتعرض لقضايا أهمها المصادر الأدبية ، ومدى صدق نسبتها ، وعلى أنها تمثل في حقيقة الأمر المشكلة الكبرى لأي دارس للأدب العماني قديما ، ثم أثر البيئة ، وأثرها على الشعر ، وأشار إلى أهم الدراسات في هذا الشأن ، ومنها شعراء عمانيون لسعيد الصقلاوي ؛ إذ يراه كتاب تراجم ، والأسباب التي جعلت الصقلاوي يتخذ هذا الفهم ، إذ أنه نابع عن أهمية الأثر الخارجي في خلق النص ، وبهذا يحدد العوامل التي أثرت في الشعر العماني ، وهي ثلاثة : العامل التاريخي ، والثاني الاقتصادي ، والثالث الثقافي ، ثم يتعرض العريمي لقضية التجربة الشعرية وأبعادها ، وأهمها البحث عن الكينونة الشعرية ، والغزل والمديح في عصر النباهنة ، ثم الشعر الديني ، وأخيرا يتعرض لقضية تأثير العمل الأدبي ، ويقصد به قدرة العمل الأدبي على النجاح ، والتسرب إلى الوعي الجمعي الاجتماعي والتاريخي والثقافي .
وبالنسبة للمنهج الموضوعاتي ، والذي خصص له العريمي الفصل الثاني من هذا الباب ، فإنه يتعرض لدراسة ( وردة الشعر وخنجر الأجداد ) والبعد الرومانسي للنقد الموضوعاتي ، وكذلك البعد الفلسفي والوجودي ، انتهاءً بالتحليل النفسي ، والعريمي يسير بنفس المنهجية للفصل السابق ؛ إذ يقدم للمنهج تاريخيا ومفهوميا وفلسفيا ، وبشكل مقتضب ، وهو بذلك يحاول أن يوازن بين مهمة الكتاب وشغف المعرفة والتنوير ، ويعرض العريمي للكتاب من حيث التوطئة والمبررات ، ومن ثم لقضية غياب المنتوج العماني عن الساحة العربية في الحواضر الأخرى ، ثم يقسم الكتاب إلى فصول ثلاثة فالأول للشعراء العمانيين والثاني لشعراء التفعيلة والثالث لشعراء النثر ، ويلحظ العريمي أن منهجية الكتاب قد تختل في مواضع التحليل ، حيث يبدو الأمر محاولة من ضياء خضير للدفاع عن الشعراء العمانيين ، أو تقديم مبررات ما في قضية نقدية ، ويرى خضير في الفصل الثاني أن هذا في النوع لم تقدم الساحة العمانية اسما معروفا مقارنة بقصيدة النثر ، وفي هذا الفصل يقدم كل من هلال العامري والمطروشي وسعيد الصقلاوي وسعيدة خاطر ، ويبدي خضير إعجابه و احتفاءه بمنتوج قصيدة النثر ؛ إذ لم يكتف بالفصل الثالث فحسب ، بل استغرق الحديث عنها في الفصلين الأول والثاني ، كما أنه يحاول التبرير لها ، من خلال تعرضه لكلٍّ من سيف الرحبي وزاهر الغافري وسماء عيسى ومحمد الحارثي وهلال الحاجري وطالب المعمري .