[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
هناك الكثير من التجارب التي تمكنت فيها الشعوب من التغيير بطرق شتى، من بينها التغيير السلمي والتاريخ يحتفظ بالكثير الكثير من الوقائع التي تؤكد سلامة هذا المنهج ونصاعته، بالمقابل هناك الكثير من التجارب التي عاشتها الشعوب والدول وتحمل بين طياتها الدماء والقتال والدمار، ولكن بعد سنوات وربما عقود وعندما تنتهي مصالح الذين يقفون وراء تلك الحملات الدموية وينسحبون بهدوء من الساحة يبقى المتحاربون من جميع الأطراف، وللأسف تجدهم سرعان ما يراجعون الذي حصل، لكنها مراجعات متأخرة وبعد فوات الأوان، في الغالب لم يشاهد المتقاتلون أولئك الذين يقفون خلف تلك الحرب الدامية، لكنهم يشاهدون "أمراء الحروب" وفي جميع المراحل يصاب أدوات القتل بعمى وغشاوة تنتصب على أعينهم، فيرون في أمراء الحروب سمات البطولة، وفي القتل والدماء القدسية العجيبة.
كنا نتمنى أن نكتب عن تجاربنا في ميادين العلم والتفوق والمعرفة وزيادة مستوياتها والتنمية واللحاق بالدول المتقدمة وتحقيق منجزات في الاختراعات، وفي الطب والهندسة والمعمار وغيرها، لا نتحدث عن مقارنات بالدماء والخراب والاقتتال والفتن التي لا ولن يفتخر بها إنسان سوي لا في قديم الزمان ولا في الأجيال المقبلة على الإطلاق، لكن الألم الذي يغوص في أعماقنا ويضرب في نفوسنا، ويعصف بالروح، وينهش الجسد يدفعنا للبحث عن كل ما من شأنه التنبيه والتحذير عسى ولعل.
في حال تم طرح سؤال على اللبنانيين الذين تقاتلوا فيما بينهم من العام 1975 حتى العام 1990 بعد مؤتمر الطائف عام 1989 الذي أنهى سلسلة الدماء المتدفقة بين اللبنانيين والتي راح ضحيتها مئات الآلاف من القتلى والمعوقين والمفقودين ومخلفين جيوشا من اليتامى والأرامل، يضاف إلى ذلك الخسائر المادية والعقول التي اضطرت للهجرة ومغادرة البلاد للأبد، لو سألنا ـ نحن الذين يتقاتل أبناء البلد الواحد فيما بينهم ـ اللبنانيين السؤال التالي: ما الذي جنيتموه من قتالكم ومن خدمتم بدماء أبنائكم؟
أنا واثق أن الإجابات ستكون صادمة ومرعبة لكل الذين لا يفقهون نتائج الحروب والاقتتال الأهلي.
هذه الأسئلة تدور على نطاق واسع منذ سنوات بين الشعب الرواندي وتحديدا قبيلتي الهوتو والتوتسي، بعد أن شنّ آلاف المقاتلين من قبيلة الهوتو حربا شعواء ضد قبيلة التوتسي في بداية نيسان/ ابريل من العام 1994، وقتلوا منهم خلال مئة يوم أكثر من 800 ألف من نساء ورجال وأطفال وشيوخ، وتبين للجميع أن دولة أجنبية قد وزعت سرا على أمراء الحرب من الهوتو نصف مليون قامة قبل تلك الإبادة الجماعية، وبينما يتساءل الناس في رواندا منذ سنوات عن "حفلات الجنون" تلك، فإنهم لا يجدون جوابا، في حين يقبع في السجون الآلاف من مرتكبي الجرائم ضمن محاكمات دولية وتصدر الأحكام المختلفة عليهم، بل تم جلب الآلاف من مرتكبي الجرائم من دول العالم التي هربوا إليها.
هل نتأمل مشاهد الدماء ونقرأ المستقبل؟