[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/waleedzubidy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]وليد الزبيدي[/author]
في البداية أثار انتباهي عنوان قصة قصيرة ضمن مجموعة قصص لكاتبات تركيات مترجم إلى اللغة العربية، والقصة بعنوان "صيدلية التخلف" للكاتبة نازلي ايراي المولودة في العام 1945، وأعجبتني فكرة القصة وطريقة تناولها من قبل الكاتبة، إذ استخدمت حبكة قصصية عالية وبلغة بسيطة في سبيل الوصول بفكرتها للقارئ.
قرأت القصة مرتين وقررت إعادة كتابة فحواها في مقال، ووضعت ذات العنوان في مقال اليوم، وكاتبة القصة نشرت العديد من القصص القصيرة في المجلات الأدبية حتى صدرت أولى مجموعاتها في العام 1975 بعنوان "آه يا سيدي، آه" وترجمت العديد من قصصها إلى لغات أخرى لتتجه بعد ذلك لكتابة الرواية والسينما والمسرح.
بطلة قصة "صيدلية التخلف" تتفاجأ بلافتة وضعت على واجهة صيدلية في الحيّ الذي تقطن بهذا العنوان، ودفعها الفضول للذهاب إلى الصيدلية لتستفسر عن الأدوية التي تحتويها الصيدلية وما هي الأمراض التي تعالجها، وبعد حوار واستفسارات مع أحد العاملين في الصيدلية، يتدخل صاحب الصيدلية ليشرح بعض النقاط التي حرصت الكاتبة على إبرازها في متن القصة، يقول "كما تعلمون، نحن نعيش في بلد ما زال متخلفا، جميعنا, نحن، أنتم، الناس الذين في الشوارع، أليس كذلك يا سيدتي؟
تتفق بطلة القصة فورا مع ما قاله صاحب الصيدلية وبدون تردد تقول "أجل صحيح".
ويتبين أن العلاج الذي تقدمه هذه الصيدلية للمرضى الخاصين الذين يرغبون بالخلاص من مرض لم نألف الحديث عنه ولم يفكر أحد بالبحث عن علاج له، ويقول صاحب الصيدلية، أن البعض من بيننا، قد يذهبون إلى دول متقدمة، أميركا مثلا، هناك يكتشف أن العالم قد تقدم مئة سنة، هذا الإنسان إذا ما رجع إلى الوراء، فسيظل تعيسا حتى نهاية عمره، إما أن يتخلى عن نظام هذه الحياة بكامله، وإما أنه لن يستطيع نسيان ما رآه وما عايشه، سيظل يقارن باستمرار بين هذين العالمين المختلفين.
يتلخص علاج "صيدلية التخلف" بتخليص الناس من الإصابة بمرض العالم المتقدم الذي لن يكتشفه إلا من يسافر للدراسة أو السياحة، ويبدأ يقارن ما يدور في بلده من تخلف في كل شيء.
قد يقول قائل إن القصة تصلح للمقارنة قبل عشرات السنين وفي الواقع الذي عاشته الكاتبة، وتأثرت به في بدايات النصف الثاني من القرن العشرين، لكن في حال نظرنا إلى الواقع وقد حصل تطور في هذا البلد أو ذاك، فإن ذلك لا يلغي حاجتنا لمثل هكذا صيدلية، أما الجديد في هذه الفكرة قد تكون معكوسة تماما، وربما نحتاج إلى مئات الصيدليات التي تحتوي علاجات لأناس يريدون نسيان بلادهم وما تعرضوا له في بيوتهم ومدنهم، فإذا وجد مئات الآلاف من المهاجرين قسريا والذين جازفوا وخاطروا بحياتهم وأطفالهم للهروب من بلادهم العربية، إذا وجدوا مثل هذه الصيدلية واستطاعوا تناول عقارات تمسح من دواخلهم العذابات الحقيقية لسارعوا إليها وأطلقوا عليها "صيدليات الإنقاذ من العذابات الحقيقية".