البعض يستدل بقوله تعالى:(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) (النجم: 13) أن نبينا محمداً (صلى الله عليه وسلم) رأى ربه ليلة المعراج ، فما قولكم ؟
ثبت في رواية الإمام الربيع وفي رواية الشيخين البخاري ومسلم ورواية غيرهم من أئمة الحديث من رواية مسروق أنه سمع أم المؤمنين عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ تقول: "من زعم أن محمداً رأى ربه فقد أعظم على الله الفرية". قال مسروق: وكنت متكئاً فجلست وقلت يا أم المؤمنين أمهليني ولا تعجليني، ألم يقل الله تعالى:(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى) (النجم:13)، وقال:(وَلَقَدْ رَآهُ بِالأُفُقِ الْمُبِينِ) (التكوير:23)؟ فقالت: أنا أول هذه الأمة سأل رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن ذلك، فقال: ذلك جبريل لم أره في صورته التي خلقه الله عليها إلا مرتين رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض.
فهذا نص صريح على أن المرئي إنما هو جبريل عليه السلام، وأن ذلك من كلام الرسول (صلى الله عليه وسلم) فهو المبلغ.
وقال من قال بأن هذا مجرد كلام من عائشة ـ رضي الله تعالى عنها ـ ليس كما قال، بل هي تروي ذلك عن النبي (صلى الله عليه وسلم) بصريح العبارة، على أنها استدلت بهذا النفي بقوله تعالى:(لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ) (الأنعام :103) . كما ثبت ذلك في رواية هؤلاء الأئمة ، والله تعالى أعلم.

البعض يشكك في الروايات حول حادثة المعراج ويقول إنها بعيدة عن التصديق من خلال تحليل متون تلك الروايات ، فما حكم من أنكر المعراج استناداً إلى مثل تلك التحليلات؟
نحن كما قلنا سابقاً نعوّل على قول من قال بأن من أنكر المعراج يُفسّق، لأن الإشارة إليه واضحة في القرآن الكريم، ومن أنكر الإسراء يُشرّك، أما بالنسبة إلى الروايات ليست متونها كلها متساوية ، طبعاً قد يكون في بعض المتون ما يدعو إلى النظر ويدعو إلى التأمل، ولكن هي في مجموعها قوية وتدل على أمر ثابت ، هذا في مجموعها، لا أعني أن كل واحد من هذه المتون كذلك، ولكن في مجموعها تدل على ثبوت ما جاءت دالة عليه بمجموعها، فيعوّل على مثل هذه الرواية مع استفاضة هذه الروايات وشد بعضها أزر بعض.

يرى بعض العلماء أن المعراج حدث مرتين ويستدلون على ذلك بقول الله سبحانه وتعالى:(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى) (النجم :13- 14) ، فما هو رأيكم سماحة الشيخ؟
هذا كلام من لم يطلع على الحديث أو من تجاهل الحديث ، لأن حديث النبي صلى الله عليه وسلّم يقول بأن ذلك جبريل لم أره في صورته التي خلقه الله عليها إلا مرتين ، رأيته منهبطاً من السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض .
فالمرة الأولى التي رأى فيها النبي (صلى الله عليه وسلم) جبريل كهيئته التي خلقه الله تعالى عليها إنما كانت في بداية الوحي عندما ناداه من السماء فرفع بصره إليه فرآه في السماء ساداً عظم خلقه ما بين السماء والأرض ، فرجع النبي (صلى الله عليه وسلم) وهو ترجف بوادره مما ألم به من الخوف الطبيعي الذي ينتاب كل أحد عندما يرى أمراً كهذا الأمر الذي هو خارج عن المألوف ، فهذا بطبيعة الحال روّع النبي (صلى الله عليه وسلم) ورجع إلى أهله وقال زملوني زملوني كما ثبت ذلك ، وأنزل الله تعالى فيه (يا أيها المدثر) و( يا أيها المزمل ) إلى آخره .
والمرة الثانية هي هذه المرة التي وقع فيها هذا الحدث كما أخبر الله تعالى فيها بقوله:(وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرَى * عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى * عِنْدَهَا جَنَّةُ الْمَأْوَى * إِذْ يَغْشَى السِّدْرَةَ مَا يَغْشَى * مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى * لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى) (النجم 13 ـ 18).
فهذا مما دل عليه القرآن، والسنة جاءت موضحة لما أجمله القرآن الكريم.
فيعوّل على ذلك. أما أن يقال بأن الحدث تكرر مرتين. فالمرة الثانية متى كانت؟ هل بعدما فتح النبي (صلى الله عليه وسلم) مكة؟ أو عندما سار في عمرة القضية بعدما صد عن الحديبية؟ لا. فإذا كان إنما كان هذا الحدث قبل الهجرة فليس هنالك دليل على وقوعه مرة أخرى ، القرآن ذكر ذلك مرة واحدة ، سورة النجم سورة مكية ، سورة الإسراء سورة مكية، فكيف يقال بأن هذا الحدث وقع مرة بالمدينة ومرة بمكة ، ليس هنالك من دليل على هذا قط.