يزداد خطر التطرف حين ينتقل من طور الفكر والتصور النظري، إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي، وفرض الفكر والرأي بالقوة والذي يعبّر عنه بأشكال مادية من أعمال قتل وتفجيرات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة بشكل فردي أو جماعي وهو أحد أشكال الإرهاب المنظم.

أزمة التطرف باتت من أبرز القضايا الرئيسية التي تحتل واجهة اهتمام المجتمعين العربي الدولي باعتبارها تتأثر بالمكونات والأحداث المتلاحقة وتؤثر اجتماعيًّا معنويًّا من خلال الفرضيات التي تحاك على حسابات مذهبية وطائفية، ولأنها من الظواهر المرتبطة إلى حد كبير بالظروف السياسية والدينية والاجتماعية والاقتصادية وغيرها من ظروف يتعرض لها المجتمع العالمي برمته.
ولا ريب أن هذه الحالة بكل معطياتها ليست وليد المرحلة بل هي موجودة في كل الأزمنة ولدى كل الشعوب والأديان والطوائف والأحزاب وفي كل المجتمعات، ولذلك يقر العالم بأن وجود التطرف أمر طبيعي، علمًا أنه في هذا السياق لا يمكن التقليل من حجم المشكلة ومخاطرها، وإنما وضعها في موقعها الصحيح كي يتضح المفهوم الحقيقي للأزمة المتفاعلة.
رغم كثرة الكتابات والقراءات والتحليلات حول التطرف يتطرق المتعاطون بالمسألة لحيثيات التطرف وتنوعه وفق رؤى شخصية يترجمها الكاتب أو المحلل من موقعه الوطني وخلفياته وأهدافه التي تبطل الحقيقة الفعلية لهذه القضية.
كما تعدد المفاهيم الشكلية بين مجتمع وآخر، بل وأحيانًا داخل المجتمع الواحد, وفقًا لقيم وثقافة وعادات كل فئة ومدى انسجامها, إلى حد جعل من الصعوبة بمكان تحديد أطرها, إلا أن بعض الباحثين حاولوا التوصل إلى تعريفات لمفهوم التطرف, فهناك من عرفه بالخروج عن القيم والمعايير والعادات الشائعة في المجتمع، وتبني قيم ومعايير مخالفة لها, وهناك من عرفه بأنه اتخاذ الفرد أو الجماعة موقفًا متشددًا إزاء فكر أو قضية وهذا هو المفهوم السطحي.
التطرف أصبح من أكثر القضايا إثارة للجدل والاهتمام من قبل النخب الفكرية, فنمو الظاهرة وانتقالها إلى أطوار وأشكال جديدة، يدعو إلى قراءة أكثر عمقًا، بعيدًا عن التبسيط. حيث يمكن للتطرف أن يفرض نفسه في أي من مجالات الحياة، فهو يحتوي على أشكال وألوان عدة, لا ينحصر فقط على التطرف الديني, فهناك التطرف الفكري والسياسي والاجتماعي والثقافي وغير ذلك.
يزداد خطر التطرف حين ينتقل من طور الفكر والتصور النظري، إلى طور الممارسة والتطرف السلوكي، وفرض الفكر والرأي بالقوة والذي يعبّر عنه بأشكال مادية من أعمال قتل وتفجيرات واستخدام لوسائل العنف المادي المختلفة بشكل فردي أو جماعي وهو أحد أشكال الإرهاب المنظم.
بالرغم من القواسم المشتركة الكثيرة بين التطرف الفكري والإرهاب السلوكي في أبعادها العالمية، إلا أن هناك أوجه اختلاف بينهما من حيث ارتباط التطرف بالفكر والإرهاب بالفعل, ولذا لا يعاقب القانون على التطرف باعتباره لا يخرج من عنق زجاجة النوايا والأفكار, بينما يعاقب على الإرهاب المنظم والفعلي باعتباره سلوكًا إرهابيًّا وإجراميًّا كما يختلف التطرف عن الإرهاب في طرق المعالجة.
من أهم الأسباب التي تؤدي إلى ظهور التطرف وتحرض عليه وتفعله وتنميه، الظلم والتهميش والجهل والفقر والفساد وغياب العدل، والأزمات السياسية والمشاكل الاجتماعية، وأسباب اقتصادية وفكرية وثقافية.
ولعلاج تلك المشكلة, من الضروري تخفيض نعرات التطرف على المستوى الفردي والاجتماعي، ومحاولة الاكتشاف المبكر للتطرف الفكري والوجداني ومحاولة علاجه قبل أن يتحول إلى تطرف سلوكي, ودراسة كل حالة على حدة، بالتعاون مع أطباء وأخصائيين نفسانيين واجتماعيين. واجتثاث جذور المساعي الآيلة الى التعامل مع المتطرفين, وإجراء حوار علاجي من خلال وضع اعتبار لدوافع التطرف وأسبابه وطرق علاجه، لأنه من الضروري الوقوف صفًا واحدًا ضد جميع أشكال التطرف والإرهاب ونبذها باتت الحكومات ملزمة بأن تشرك المجتمع في ذلك.
ليس المطلوب أن ينصهر الجميع ببعضهم بعضًا ويفقد كل فرد حرية فكره الشخصية، وإنما السعي لتثقيف العقل حول كيفية الحوار وتثقيف الذات من خلال الآخر، والتخلي عن فكرة امتلاك الحقيقة الكاملة، فمن حق كل فرد أن يمارس فكره شريطة ألّا يتعدى حدود حرية الآخر فلا يحق لأي شخص فرض قناعاته على غيره.

سهيلة غلوم حسين
كاتبة كويتية
[email protected] إنستجرام suhaila.g.h تويتر suhailagh1