[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2017/03/rajb.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. رجب بن علي العويسي[/author]
تفرض الحالة العمانية في كل مجريات العمل التنموي اليوم، تحولا في منطق الخطاب المؤسسي، ينطلق من تشخيص الواقع وإبراز التحديات الحالية والمتوقعة، ويرصد التحولات القادمة في منظومة الأداء، ويستقرئ قناعات المواطن واهتماماته وطموحاته ليبني عليها نمط خطابه، ويرسم في ضوئها محتوى كلماته، ويصنع لها تقديرا مجتمعيا وشعورا بعمق الالتقاء مع فكر المواطن وتفكيره، ومستوى الاهتمام لديه في فترات زمنية مختلفة، في ظل معايشته للأوضاع الاقتصادية، وقدرته على تكوين مسار إيجابي يشترك الجميع في صناعته برغبة وقناعة وشعور بالمسؤولية، وحرص من المؤسسات على تقديم كل ما من شأنه سعادة المواطن وتقريب الخدمات إليه، وإشعاره بقيمته ومستوى التكامل معه، لبناء أرضية مشتركه تصنعها إرادة الجميع، ويقف الخطاب المؤسسي منها موقعا مهنيا إنسانيا وطنيا مشرّفا، لذلك يطرح مقالنا تساؤلا رئيسيا: أي نوع من الخطاب نريد؟ فمع القناعة بأن الرسالة الإعلامية الوطنية، وما اتسمت به من توازن في قراءة الحالة العمانية في مختلف المراحل، قد أصلت ثقافة مهنية تبرز فيها قيمة المسؤولية المؤسسية نحو بناء منظومة عملها بشكل يقربها من المواطن، سواء في خطط التطوير أو معطيات الأداء ومؤشرات العمل أو في العمليات الداخلية والقرارات بالشكل الذي تتجه فيه لخدمة المواطن وصالحه، إلا أن مسألة قياس ذلك يتطلب أن يسلك الخطاب المؤسسي مرحلة متقدمة يلتزم الواقعية وتنوع البدائل، ويمتلك درجة عالية من الشفافية والمرونة والوضوح، تبرز فيه قيمة التجديد وتوقعات الشباب، ويستفيد من كل المعطيات والتراكمات السابقة النجاحات وغيرها على حد سواء، ويبحث عن الاتساع، وتحجيم الفجوة والشمولية في الاستفادة، بالشكل الذي يخلق نوعا من التأييد والاعتراف والتقدير له، فهو خطاب يستشرف المستقبل، ويقرأ ما يدور في شبكات التواصل الاجتماعي والفضاءات المفتوحة والرجع من عمليات التحليل للمستجدات في مختلف القطاعات التنموية، وفي الوقت نفسه خطاب يضع المجتمع أمام عمليات مستمرة من البحث عن البدائل، وصناعة ممارسات ذات قيمة، تعكس وجود مستويات عليا من الوعي والمسؤولية الاجتماعية، والحرص على تشغيل الفكر والجدية فيه، وتجنيبه النمطية في التفكير، ورسم خريطة طريق قادمة، تمنحه فرصا أكبر للتعاطي مع الواقع، وإدراك معادلة التوازن في سلوك المواطن وامتلاك مساحات أكبر من الإيجابية والتفاؤل، تمكن المواطن من الوقوف على أرضية واضحة، تتناغم فيها السياسات مع الأولويات والممارسات.
وعليه فإن قدرة الخطاب المؤسسي اليوم على التزام معايير القبول والاتساع والاحتواء والواقعية والمهنية والتراكمية والإنسانية، موجهات تنافسية تصنع للمؤسسات اعترافا مجتمعيا، وقدرة على التأثير في واقع حياة الناس، بحيث تمتلك الإجابة عن التساؤلات وتبرز الواقع الفعلي الممارس معززا بالإحصائيات ولغة الأرقام، بعيدا عن التكهنات، حيث تبدأ توافقية الخطاب وقوته، من البيت الداخلي بالمؤسسات وتتسع لتشمل المجتمع الوظيفي والمحلي، متوازنا في طرحة وإجاباته وتساؤلاته وقراراته وتعليماته وتوجيهاته وتعميماته، يمتلك خاصية الحدس وقراءة التوقعات باقترابه من المواطن، ويعطي الفكر والمشاعر قيمتها وموقعها بين كلماته وعباراته وأوراقه، وحسن منطقه واختيار توقيته، وإدراك المتحدث بالخطاب أو المبلّغ له أو القائم على التصريح ونشر المعلومة وإلقاء الكلمة لقواعد خطاب المرحلة التي يحتاجها المجتمع في مختلف القنوات الإعلامية أو المواقع الشخصية أو صفحات المؤسسات الإلكترونية، ليشمل أيضا القائم على الخدمة أو المكلف بأداء المهمة في خطابة للمواطن وهو ينتظر تقديم خدمة له، وكل أفراد المؤسسة في حسن تعاملهم مع الآخر، وقدرتهم على امتصاص رداّت فعله، وتوضيح صورة العمل له، وحسن توجيهه ورسم البشاشة على وجهه، وتوفير البدائل له والرد على خطابه، وفي تقديم العذر له، أو في الاهتمام بطلبه، وإعطاء جانب القيم والأخلاقيات وحسن الظن والثقة به محل اعتبار واهتمام، بحيث يقرأ الخطاب المؤسسي واقع المواطنين وظروفهم وأطروحاتهم، ويدرك مقاصدهم ويعي متطلبات الحوار معهم، بالشكل الذي يضمن قدرته على التأثير الإيجابي في مستوى الوعي، وما يعكسه ذلك على مستوى قبول المواطن لهذا الخطاب وتقبله له وشعوره بأنه يشترك معه حس المسؤولية، لينضم إلى مجتمع المؤسسة الواسع سندا وعونا لبناء مسارات نجاحات قادمة، وفي المقابل ما يتوقع أن يؤديه ضعف البنية المعرفية والفكرية والتشريعية والأدلة المعززة أو الموضحة أو المشخّصة أو المساندة أو المفسرة للخطاب المؤسسي، في تقمص المجتمع لدور المفسر لها، فتضيع قيمة الخطاب، وتجد فرصتها للتحوير السلبي على شكل إشاعات ونكت وابتسامات وكاريكاتير تتناقلها شبكات التواصل الاجتماعي والواتس أب، عندها ندرك أننا بحاجة إلى خطاب يجمع بين المرونة والحزم، ويتعاطى بمهنية مع أولويات إنسان هذا الوطن، يراعي خصوصياته ومشاعره وظروفه، ويساعده على التغلب على التحديات والإشكاليات الاقتصادية وغيرها، فإن نهج الخطاب الرافع ذاته أنموذجا فريدا في تحقيق معادلة التأثير والاحتواء معا، على الخطاب المؤسسي اليوم أن يبني في ظله خطاب المرحلة الاستراتيجي.