حتى لو كنت من أفراد الأسر الفاضلة كريمة الأخلاق، لم تسلم من قلة الأدب والذوق والاحترام والشتائم والألفاظ البذيئة والتطاول، والأفكار المريضة والتعليقات الغبية التي تنم عن جهل وتخلف، والتي تصدر عن أشخاص يعتقدون أنهم يفهمون كل شيء ويعلمون كل شيء، وأن قولهم هو الفصل وتخاريفهم هي البيان وضلالهم هو الحق، والتي قد يصدقها البلهاء ويتداولها الجهلاء.
[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/fawzy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]فوزي رمضان
صحفي مصري[/author]
وسط عالم افتراضي تحكمه أوهام هلامية وشخصيات زائفة تختبئ خلف لوحة مفاتيح، أصبح الاتصال بين الرجل والمرأة أسهل من ذي قبل، وتحطمت القيود والحواجز لتتطور العلاقة بينهما إلى ما يحمد عقباه، وبين جنبات هذا العالم الخفي تتداول الكثير من الشائعات والأخبار المغلوطة والصور المزيفة والفيديوهات المصطنعة والرسائل الصوتية المفبركة بلا رقيب ولا حسيب، لتنتشر بالصوت والصورة بين المستخدمين ويصدقها الجميع، بل ويقوم البعض بإعادة نشرها ليعم الكذب والضلال، في هذا العالم الوهمي وجد المغرضون ضالتهم في نشر الإرهاب الفكري والعقائدي، وبث شذوذهم وانحرافهم الأخلاقي.
في إحصائيات مختلفة خرجت من مراكز أبحاث عربية أكدت أن 50% من حالات الطلاق، كانت بسبب مواقع التواصل الاجتماعي، والذي يبدأ خاصة لمن لديهم الاستعداد للخيانة عن سبق إصرار وترصد، وعن طريق غرف الدردشة والكاميرا، توفر تلك المواقع وسيلة للقاء افتراضي يتطور لاحقا إلى لقاء واقعي، وآخرون يجدون أنفسهم منساقين وراء فعل الخيانة، حيث يبدأ الأمر بالتعارف ليتطور إلى علاقة عاطفية، قد تبقى محصورة في العالم الافتراضي أو تنتقل إلى الواقع ليكتمل مثلث الخيانة، ومن ثم ينعدم الحوار بين الزوجين ويشعر بعضهما بالغربة، للتجمد العواطف وتزداد العصبية وتكثر الخلافات لتنتهي بانفصال الزوجين والطلاق.
إن الخداع المزيف للصورة والصوت يدخل العقل الباطن في أبهى شكل ليتم سريعا برمجة العقل لتبدأ المقارنة الظالمة بين وهم متوجس للانقضاض في أية لحظة، وبين واقع منحسر في همومه، منكسر تحت بطش قيوده، لتزيد حدة الجفاء العاطفي والإحساس بعدم الرضا عن الحياة الزوجية، ويبدأ الضيق والضجر ونفاد الصبر وعدم الشعور بالسعادة. فعندما يمضي فرد ما رجلا كان أو امرأة معظم ساعات يومه في هذا العالم الافتراضي، ينعدم الحوار وتتذبذب العلاقات وتصل الأمور إلى الفضائح والابتزاز والمساءلة القانونية، حيث لا خصوصية في هذا العالم الخفي. إن مشاركة الصورة والمعلومة الشخصية هو الخطأ الفادح الذي يرتكبه الشخص، فكل تلك المعلومات والصور معرضة للسرقة وسوء الاستخدام من جهات عدة.
أشخاص وهميون وأسماء مستعارة، وحسابات مزيفة وصور مفبركة، وكلمات معسولة يغلفها الكذب والنفاق، وفي ظل أوقات الفراغ والوحدة والملل، تنشر الشراك الخداعية وتزرع المصائد الخفية، لتجذب الفتيات قبل الشباب وتخدع الزوجات قبل الأزواج لتصل بهم إلى الخراب والدمار والخيانة وضياع القيم وانهيار التقاليد، ومما يصعد في الخراب أن هناك من الأزواج يزرعون برامج تجسس على هواتف شركائهم بغية ترصد حركاتهم وسكناتهم وتسجيل خياناتهم بالصوت والصورة، لتقدم بعد ذلك إلى القضاء لينتهي الأمر بالفضيحة والطلاق، وانهيار أسر كانت مستقرة، أو ينتهي بفتيات صغيرات السن إلى الوقوع في براثن الرذيلة ومستنقع الفساد الأخلاقي في ظل غياب الرقابة وانشغال كل الأسرة وكل أوقاتها تقريبا بتلك المواقع.
وحتى لو كنت من أفراد الأسر الفاضلة كريمة الأخلاق، لم تسلم من قلة الأدب والذوق والاحترام والشتائم والألفاظ البذيئة والتطاول، والأفكار المريضة والتعليقات الغبية التي تنم عن جهل وتخلف، والتي تصدر عن أشخاص يعتقدون أنهم يفهمون كل شيء ويعلمون كل شيء، وأن قولهم هو الفصل وتخاريفهم هي البيان وضلالهم هو الحق، والتي قد يصدقها البلهاء ويتداولها الجهلاء.
فلا أدب للحوار ولا إنصات للنقاش ولا احترام خصوصية، بل تطاول على الآخر وتسفيه فكره ومعتقده، والتعرض لشرفه وكرامته، بل والتعرض لثقافات قائمة، بغرض إسقاطها والنيل منها وتشويه صورتها والتهجم على رموزها الفكرية وقاماتها المبدعة، مما زاد الفجوة بين الشعوب وباعدت بينهم وبين التفاهم والتقارب والاندماج، لتحل محلها العصبية والإقليمية.
.....ولا حل خاصة مع التقدم الرهيب لتكنولوجيا العصر، والوصول إلى تقنيات قمة الحداثة وبرامج غاية التطور صوتا وصورة ومؤثرات حسية ترغم الجميع على الإقبال على هذا المنتج الحضاري ذي الحدين.
...ولا حل عندما تحتكر الآلات الحديثة أعمال البشر وتدفعهم إلى الدعة والراحة، وتزيد من أوقات فراغهم، سيقضي الإنسان حتما وقته أمام تلك المواقع.
...ولا حل عندما يبحث البعض دائما عن شريك بمواصفات خاصة أو يبحث عن الاهتمام والمشاعر التي يبحث عنها أو يفقدها مع الشريك.
...ولا حل عندما يبحث الإنسان دائما عن الإثارة، ويجدها في المعلومة المزيفة أو يجدها في الصورة المبركة، سيصدقها لأنه لم يجد من يكذب الشائعة أو يمنحه الحقيقة، الكل يبحث عما يفتقده حتى لو غلفه الكذب والضلال.
مواقع التواصل هي الوهم اللذيذ لمعظم البشر، وهي الخدر المريح لبعضهم بالبحث عن لحظة، وعن جديد وعن شريك يشاركه كراهية عدوه، وعن سمير يتقاسم معه همومه ومشاكله، وعن مؤيد يبارك فكره ومعتقده، وفي ظل انعدام القيم والأخلاق والتربية الحسنة ستواصل مواقع التواصل الاجتماعي الخراب والدمار... وقتها لا تلوموا إلا أنفسكم.