هل لكل ابتكار علمي يخدم الإنسانية لا بد أن تلازمه ضريبة يجب أن يدفعها الناس؟ إن سبب التساؤل هو التداعيات الخطيرة على الأفراد والمجتمعات والناتجة عن استخدام الناس لاختراعات العصر الحديثة التي من بينها ما اصطلح على تسميته "وسائل التواصل الاجتماعي"، حيث تمثل هذه الوسائل نقلة نوعية في مجال الاتصال، لما تتميز به من سرعة في النقل (كتابةً وصوتًا وصورةً).
إلا أنه بالنظر إلى وسائل التواصل الاجتماعي وطبيعة توظيفها في الحياة، نجد أنها تتجاوز الأهداف والغايات التي اخترعت لتحقيقها وذلك جراء البشر أنفسهم مستخدمي هذه الوسائل، ما يعني أن طبيعة الاستخدام هي التي يمكن أن تجعل من هذه الوسائل مُعِينًا حقيقيًّا على تحقيق الأهداف وإنجاز الأعمال والمهام، واختزال الزمن واستثمار الوقت في جلب المنافع وتحقيق المصالح، والتواصل الحسن مع الناس، أو يمكن أن تجعلها معولًا يهدم المجتمعات والكيان الإنساني. فما نشاهده ونسمعه اليوم عن مواقع التواصل الاجتماعي ووسائله المعروفة الحديثة، وما ألحقته بالعلاقات العامة والخاصة، والعادات والتقاليد، ومظاهر الأمن والاستقرار من مساس وهدم وتدمير، يؤكد أن التوظيف السيئ لها أو بالأحرى إرادة التوظيف السيئ هي التي تقف وراء كل هذه الفوضى والخراب والدمار الذي أصاب المجتمعات والبنيان الأخلاقي والكيان الإنساني، فهذا التوظيف السيئ يعكس أنواعًا من المستخدمين، فهم إما موظفون بل ومعدون ومدربون لهذا الأمر لاصطياد الضحايا وإشاعة الفوضى والفتن والخلافات ومظاهر التباغض والتحاسد والكراهية والضغائن والشحناء، وكل ما يمكن أن يوغر الصدور، سواء كان ذلك بين الناس وحكوماتهم، أو بين الناس بعضهم بعضًا، ولا يقتصر الأمر هنا على العلاقات العامة أو الخاصة، وإنما يشملهما معًا، لكون أن هدم المجتمعات لا يتم إلا من خلال ضرب ركائزه وإثارة نوازع الفرقة والفتن ولغة التخوين والدس والتحريض، وهذا أيضًا ما يتلقفه إما مأجور يؤدي ما استؤجر عليه. وإما جاهل فيكون إمَّعة، فلا يدرك ما يسره وما يضره، وما ينفع مجتمعه ويصلحه ويحافظ على وحدته، وما يمسه ويطيح به.
إنه لمؤسف حقًّا، أن نرى هذا التحول غير السليم وغير الأخلاقي والمنافي للمبادئ والقيم والفضائل، والمضاد للأهداف التي تحققها وسائل التواصل الاجتماعي، وحرفها عن خدماتها التي تسديها لمستخدميها، وتحولها إلى وسائل لـ"لتنافر الاجتماعي".
أحد أبرز الوجوه لهدم المجتمعات هو استهداف الأجيال، وخاصة الأطفال والناشئة عبر وسائل التواصل الاجتماعي لابتزازهم واستغلالهم، فأي مجتمع تستهدف قاعدته المتمثلة في أجياله المختلفة يصبح عرضة للدمار والفوضى، وتنعدم فيه مظاهر التنمية والاستقرار والأمان والاطمئنان؛ ولهذا يأتي مؤتمر الكويت الإقليمي الأول لحماية الأطفال من مخاطر وسائل التواصل الاجتماعي الذي انطلقت فعالياته أمس، ومثل السلطنة فيه معالي السيد حمود بن فيصل وزير الداخلية، استجابة مهمة بمواكبة التطورات الخطيرة التي بدت تظهر على مجتمعاتنا العربية والخليجية جراء سوء استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وسلب إيجابياتها من قبل بعض المستخدمين. فالأطفال يعدون الحلقة الأضعف بالنظر إلى مستوى فهمهم وإدراكهم؛ لذلك هناك الكثير من المجتمعات تتطلع إلى نتائج عملية قابلة للتطبيق تصدر عن المؤتمر تحصنها وتحصن أفرادها من الابتزاز والاستغلال، وتصون كرامتها واستقرارها واطمئنانها، وتدفع بتنميتها.