[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/zohair.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]زهير ماجد [/author]
مصادفة فريدة أن يكون عيد التحرير والمقاومة في لبنان في هذا اليوم، وبداية الفراغ، أي خلو كرسي رئاسة الجمهورية من رئيس جديد. ذهب ميشال سليمان إلى بيته العادي، ترك قصر بعبدا فارغا من أي كائن حي، ألقى خطبة الوداع وأظهر رباطة جأش بأنه غير مهتم بما جرى في الأيام الأخيرة من عمر رئاسته، بل حاول أن يظهر أمام الحضور المكثف أنه في غاية الحبور والغبطة، فهل كاد أن يقول إنه كان يعد الساعات والدقائق للخلاص من موقع بطلت الرغبة فيه، أم أنه عزى نفسه من ان قرارا إقليميا ودوليا لم يصدر تجاه التمديد له ثلاث سنوات أخرى كعادة لبنان مع من سبق.
أودع سليمان هواه، وكل ماروني في لبنان له الهوى ذاته .. اذا لم يكن قد كتب مذكراته، فهو سيبدأها حال تنفسه الصعداء خلال الأيام القادمة، اما اذا كانت قد كتبت فليس أمامه سوى التنقيح، ولديه الكثير مما يعرفه بدأ من موقعه على رأس قيادة الجيش ومن ثم الرئاسة التي جاز ان يكون النصف الاخير منها حراك عربي في أكثر من مكان وخصوصا في سوريا التي تعنيه في الصميم، والتي لعبت دورا كبيرا في الاتيان به قائدا للجيش ومن ثم رئيسا للبلاد.
يعلم الرئيس سليمان أن مغادرة القصر الجمهوري جاء في يوم لبناني موعود لاسبيل لنسيانه .. إنه العيد الذي يجب أن تخترعه دولة كلبنان لو لم يكن موجودا .. فهو عيد قوته ومناعته، عيد تمركز في الوجدان اكثر من اي عيد لبناني مضى. ليس في حياة لبنان مناسبة تتداخل فيها القوة والمناعة وممارسة الدور الوطني مثلما هي حال هذا العيد. كيفما قلبت المناسبات في لبنان، سيأتي عيد التحرير والمقاومة منفصلا عنها جميعا، لأنه مكتوب بالدم، وبالضحايا، وبالدمار، لكنه قبلا سطر بأرفع ما كان من تحد وصبر وقتال ماهر جعلت التاريخ يكتب لأول مرة أن لبنان لا تحتله جمعية كشفية كما كان يقول شيمون بيريز، بل ان كل جيش بيريز لم يستطع ان يجد له موطيء قدم ولو في بقعة صغيرة في جنوب لبنان .. وتحفل سجلات المقاومة الاسلامية بالكثير من ذكريات المعارك وكيف كان يعلو فيها صراخ الجنود الاسرائيليين وهم يطلبون النجدة تلو الاخرى من قادتهم.
يعلم الرئيس سليمان، أن الخامس والعشرين من مايو تطأطئ له الرؤوس كلما ذكر .. وأن قيمة لبنان ومعادلة وجوده باتت مرتبطة بتلك المقاومة .. بل أن لبنان وضع على خارطة العالم يوم قدم مقاوموه الابطال عرضا عسكريا باللحم الحي أدى الى الظفر الذي اعترف به الاسرائيلي قبل ان يعترف به بعض الشقيق العربي.
يتغير الرؤساء في لبنان، وتتغير وجوه الساسة في المواقع كافة، لكن معارك النصر في مثل هذا اليوم لا تتغير، أنها أكثر من ذكرى، هي مدرسة تغيير نموذج القتال، وقبلها تقديم فكرة ان اسرائيل أوهن من بيت العنكبوت من موقع الفكرة المجردة الى الواقع الحقيق لها .. وانه منذ هذا التاريخ بات التحول من الهزائم الى النصر مشروع المستقبل العربي، بل الصورة النموذجية للتغيير الذي سنراه أن وقعت الواقعة مرة اخرى.