[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
” .. نحن الذين عشنا في مجتمعات الخليج وكان من نعمة الله علينا أن واكبنا نهضتها وخدمناها بأمانة وعرفنا أهلها وشاركنا في تنميتها وتعليمها وجمعياتها ندرك أكثر من سوانا منزلة الخليج العربي في قلوب العرب والمسلمين ونعرف مدى وزنه الحقيقي في المعادلات الدولية كما نتابع أيام الأزمات التي عاشها الشرق الأوسط وانعكاساتها على رسالته واسهاماته وأدواره.”
ـــــــــــــــــــــــــــ
أصوات كريمة صادقة نزلت عباراتها على قلوبنا بردا وسلاما هذا الأسبوع ونحن نتابع أصداء التقارب المنتظر بين أعضاء مجلس التعاون لدول الخليج العربي والجمهورية الإسلامية الإيرانية وتتحدث الأصداء عن دعوة وجهتها الحكومة السعودية إلى وزير الخارجية الإيراني لزيارة عمل وتعاون للعاصمة الرياض والتجاوب الإيجابي الذي صدر عن الحكومة الإيرانية مع هذه الدعوة خاصة وأن تفاؤلنا يأتي بعد تأكيد عودة حرارة الأخوة الخليجية بين عيال العم إلى سالف صفائها الأصيل بعد سحابة الصيف العابرة والتي انقشعت عن حالة انسجام ووئام بين الدول الستة بفضل حكمة قياداتها وترابط مصالح أعضائها وقوة الوشائج العاطفية والعائلية والسياسية والأخلاقية التي توثقت بين الأخ وأخيه والشقيق وشقيقه على مدى القرون.
ونحن الذين عشنا في مجتمعات الخليج وكان من نعمة الله علينا أن واكبنا نهضتها وخدمناها بأمانة وعرفنا أهلها وشاركنا في تنميتها وتعليمها وجمعياتها ندرك أكثر من سوانا منزلة الخليج العربي في قلوب العرب والمسلمين ونعرف مدى وزنه الحقيقي في المعادلات الدولية كما نتابع أيام الأزمات التي عاشها الشرق الأوسط وانعكاساتها على رسالته وإسهاماته وأدواره. لقد كان الخليج منطلق النبوة الخاتمة ونقطة البداية في انتشار الدين الحنيف وتوزيع خيرات حضارته على جميع أرجاء المعمورة ثم أضاف الخليج لهذا القدر الرباني جهدا إنسانيا مباركا حين وهبه الله ثروات طبيعية يحتاجها العالم ويتوقف عليها نمو الدول وهي ضمانة لمسيرة الاقتصاد العالمي كما أنها ضمانة للسلام والأمن الدوليين فلم يفتن أهل الخليج بما وهبهم الله من ثروات طبيعية بل سخروها لبناء تقدم عمراني وبشري وراهنوا على الإنسان كخليفة لله في الأرض ولكن أيضا كمواطن عربي مسلم واتجهت جهود الإخوة الخليجيين لإشاعة الخير والتعاون والتشغيل والتنمية في كل بلدان العالم العربي والإسلامي مما خفف علينا جميعا وطأة الإرتهان للغرب وجنب كثيرا من مجتمعاتنا سوء الإندماج في منظومات الغرب المسيحي بفضل صلات الرحم وتواجد ملايين العرب المسلمين للعمل في دول الخليج وبالتالي عدم حصرية التعامل مع الإتحاد الأوروبي وأميركا وكندا حصريا في مجال توظيف كوادرنا الكفؤة.
يوم الأربعاء الماضي كنت في زيارتي للعاصمة الفرنسية ضيفا على برنامج (مباشرة من باريس) الذي تقدمه قناة فرانس 24 ويدير الحوار فيه الصحفي المتميز توفيق مجيد وحضر معي للنقاش من لندن بواسطة الأقمار الصناعية صديقي وزميلي عبد الباري عطوان والزميل نبيل عبد الفتاح من مركز الأهرام و كان الموضوع يتعلق بالتغيرات الإيجابية المباركة التي طرأت على العلاقات الخليجية الإيرانية واتفقنا جميعا على أن مناخا جديدا من الثقة بدأ يسود هذه العلاقات بين الأجوار على ضفتي الخليج لأن القوى العظمى ذاتها شرعت في سن سياسات أكثر هدوءا و حكمة من ذي قبل لحلحلة ملف النووي الإيراني بإعانة الجيران الخليجيين وهم أقرب لبلاد فارس التاريخية من غيرهم بالنظر إلى عوامل التاريخ والجغرافيا والروابط الحميمة الوثيقة التي نشأت و تعززت بفعل المصير الإقليمي المشترك فالفضاء الخليجي له ضفتاه وعلى الضفتين معا تجلت روعة الحضارة الإسلامية بثرائها الثقافي ومخزونها الاقتصادي عندما اعتنق الفرس دين محمد صلى الله عليه وسلم وكانت نخبة من أبناء فارس تتصدر مع العرب فضاءات الإبداع العسكري والفكري والأدبي والعلمي والفقهي.
نعتقد أن هذا المنعرج الطيب والعقلاني الذي نسجله في المنطقة لا سبيل إلى تعزيز الأمن وبسط السلام بدونه لأن هذه هي الروح الإسلامية التي تسكننا جميعا و نعتز بها و نرفع من خلالها هاماتنا وفي البرنامج التلفزيوني أكدت على بقاء قضايا الخليج في حدود الخليج بضفتيه دون أن نفتح أبواب التدخلات الأجنبية ودون أن نعول على مساهمة العرب الآخرين لأن العالم العربي اليوم ومنذ ثلاثة أعوام يمر بمنطقة مطبات هوائية جيواستراتيجية خطيرة وعواصف رعدية حضارية تتمثل في تعطل البوصلة العربية وعدم إدراك العرب لمعالم طريقهم فلا هدى لهم في هذا النفق الطويل ولا سراج منير ومن مصلحة الخليج أن يكون عنصر توضيح السبيل وإضاءة المسالك وأداء أمانة المنارة الهادية بقصد مساعدة العالم العربي على الخروج من عنق الزجاجة واحتضان طموحات الشعوب العربية ومساعدتها على تحقيق أمانيها المشروعة في حياة أفضل ومنزلة أرقى ومصير أسلم. ثم إنه مهما تعقدت أحوال العرب بعد الهزات العنيفة التي أصابتنا فستبقى مصائرنا نحن جميعا ودول الخليج العربي مرتبطة أشد الارتباط في مجالات العلاقات الاستراتيجية والأمن القومي المشترك وعروة الاقتصاد والسياسة والثقافة التي نتمسك بها ولا نتفرق وهي حصننا المنيع حين تدلهم السبل ويسومنا الأعداء الخسف ويعملون على تشتيت ما تبقى من وحدتنا و تقسيم دولنا التاريخية إلى دويلات وملل ونحل حتى نتحول إلى بيادق تؤدي أدوارا جديدة لخدمة الهيمنة الواحدة والقطب الأوحد وننخرط بلا إرادة في مشروع تقسيم العالم (ونحن العرب منه وفيه) وتوظيف قواه و ثرواته وعقوله لتنفيذ أجندة سايكس بيكو الجديدة والمزيد من فرض التفوق الإسرائيلي الظالم على حساب شعب فلسطيني مسالم ومظلوم منذ سبعين عاما عوض حل المعضلات القديمة الكبرى بالعدل القسطاس.