- سميت جزيرة الموت بسبب وجود شعب مرجانية محيطة بها والسفن تقترب منها تتحطم وكأنها سور لحمايتها من الأعداء
- عرفت جزيرة مايوت الوجود التاريخي العماني في بدايات نظامها السياسي وحسب المصادر التاريخية حكم النباهنة والمناذرة العمانيين هذه الجزيرة لمدة تنيف على قرنين من الزمن
- العرب المسلمون الذين وفدوا إلى أنجوان هم عرب الأزد من العمانيين الذين هربوا في النصف الثاني من القرن الأول الهجري من الحكم الأموي إلى شرق إفريقيا

د. حامد كرهيلا:
تعد العلاقات التاريخية بين جزر القمر وعُمان قديمة أصيلة ضاربة الجذور، لأن هذا الأرخبيل ما هو إلا امتداد لعمان، تتجلى فيه المؤثرات العمانية العريقة على هذه الجزر في جوانبها الاجتماعية والثقافية والسياسية والاقتصادية والحضارية وغيرها.
ونسلط الضوء في هذه الدراسة المتواضعة على الوجود العماني في جزيرة مايوت أو جزيرة الموت، التي هي إحدى الجزر القمرية الأربع المأهولة بالسكان. وعرفت هذه الجزيرة التي تبلغ مساحتها 375 كم2، الوجود التاريخي العريق في بدايات نظامها السياسي. ومن المؤكد وفق المصادر التاريخية إلى أن النباهنة والمناذرة العمانيين قد حكموا هذه الجزيرة لمدة تنيف على قرنين من الزمن، وذلك ابتداء من تولي السلطان بوانا فُوم النبهاني في حوالي عام 1595م ووصولا إلى حكم صالح بن بشير المنذري (1790-1807م).

أضواء على جزيرة مايوت
يذكر أن هذه الجزيرة أصل اسمها عربي بامتياز، وهو الموت، حيث كانت تسمى جزيرة الموت بسبب وجود شعب مرجانية محيطة بالجزيرة، وقد كانت تحطم السفن التي تقترب منها وكأنها سور لحماية الجزيرة من الأعداء.
وقد ورد في كتاب حاضر العالم الإسلامي أن جزيرة ميوتا هي أغرب الجزائر وذلك أن الله قد أحاطها وسورها بسور حجري خلقي يفصله عن الجزيرة خليج مستدير بها فكأنها قد تسورت بسوارين من فضة وزبرجد أو كأنها دارت بها دائرتان من ماء فحجر ثم وراء ذلك لبحر وليس لهذا السور الطبيعي الخلقي إلا منفذان متقابلان".
ومن الثابت تاريخيا أن الفرنسيين هم الذين غيروا هذه التسمية من جزيرة «الموت» إلى «مايوت»، ويطلق عليها «ماوري» أيضا.
ويقال إن أصل الاسم يرجع إلى شخص كان يسمى بـ «مواتي» أو «ماوري» حكم هذه الجزيرة من عام 1500م. بل يبدو جليا أن كلمة «مواتي» أصلها الموت، ولفظها الفرنسيون «مايوت»
تقع جزيرة مايوت القمرية، وهي الثالثة من حيث المساحة وعدد السكان، في الجنوب الشرقي من شقيقتها جزيرة «هنزوان»،في المدخل الشمالي لقناة موزمبيق في المحيط الهندي على بعد حوالي 200 كم عن جزيرة القمر الكبرى التي بها عاصمة جزر القمر، و8000 كم عن فرنسا، و1500 كم عن جزيرة "رينيون" الفرنسية، و250كم عن الساحل الغربي لجزيرة مدغشقر.
وتبلغ مساحة جزيرة مايوت 375 كم2. ويقدر طولها بـ 39 كيلومتراً، وعرضها بـ22 كيلومتراً، بينما يصل ارتفاع أعلى نقطة فيها إلى ما بين 500 و600 م عن سطح البحر.
ويبلغ عدد سكان هذه الجزيرة، حسب تقديرات عام 2002م، 16265 نسمة، ينحدرون من أصول عرقية مختلفة على هذا النحو:
-القمريون (عرب وبانتو) 98،8%
-الملغاش 1،2%
-الكريول 1% .
هذا فقد وصل عدد سكان الجزيرة عام 1975م، عام استقلال جزر القمر عن فرنسا، إلى 40 ألف نسمة و400 منهم مسيحيون.
دخول الإسلام إلى مايوت
يرتبط دخول الإسلام إلى جزيرة "مايوت" بتاريخ دخوله إلى الجزر القمرية الأخرى، وإلى شرق إفريقيا عامة، حيث يذكر أن قوما من بني أمية، قد وصلوا إلى جزيرة " قنبلو" عام 132ﻫ/750م، عند سقوط دولتهم، وأنهم فتحوا هذه الجزيرة، مما يعني أن الإسلام قد وصل إلى ذلك الأرخبيل في النصف الأول من القرن الثاني الهجري/ الثامن الميلادي.
وهذا ما أشار إليه الرحالة العربي علي بن الحسين المسعودي (المتوفى عام 345ﻫ/956) حين ذكر أن المسلمين استقروا في قنبلو، وأنهم غلبوا على هذه الجزيرة، وسبوا من كان فيها من الزنج. وذلك في بدء الدولة العباسية وانقضاء الدولة الأموية.
ويظهر أن المسعودي قام بأكثر من رحلة إلى تلك المنطقة ويتجلى ذلك في قوله: «وآخر مرة ركبت فيه (المركب) في سنة أربع وثلاثمائة من جزيرة قنبلو إلى مدينة عمان»، مما يدل على أقدمية الوجود العربي في الجزر القمرية ودول المنطقة، وتردد العرب إليها قبل ظهور الإسلام، وتعزز هذا الوجود بظهوره نتيجة توالي الهجرات.
ويبدو أن العرب المسلمين الذين وفدوا إلى أنجوان، وعناهم المسعودي، في كلامه الآنف الذكر، هم عرب الأزد من العمانيين، الذين هربوا في النصف الثاني من القرن الأول الهجري من الحكم الأموي، إلى شرق إفريقيا، حيث إن حكام عمان الأزديين من آل الجلندي قاموا بانتفاضة على حكم الخليفة الأموي، عبدالملك بن مروان(65-86ﻫ/685-705م) وأرسل إليهم جيشه بقيادة الحجاج بن يوسف الثقفي (المتوفى 95ﻫ/714)، عامله في العراق، من أجل إخماد الانتفاضة، وإخضاع عمان لسلطة الخلافة، وللسيطرة على الطرق التجارية البحرية، التي تربط عمان بالشرق الأقصى، وشرق إفريقيا من جهة أخرى.
وذكر الشيخ برهان محمد مكلا القمري في كتابه المخطوط حول تاريخ جزر القمر ودخول الإسلام فيها: «إن الإسلام ظهر في تلك الجزائر منذ عام 86 أو96 هجري وهو الأصح عند أكثر المؤرخين».
ومن هنا يميل الباحث إلى الرأي القائل بدخول الإسلام إلى هذا الأرخبيل في وقت مبكر، مع نهاية القرن الأول الهجري وبداية القرن الثاني، بواسطة العرب القادمين للتجارة أو الهاربين من الأوضاع السياسية والدينية، وأنه ازدهر من يوم دخوله في الأرخبيل، وتدعمت أركانه، ورسخت قواعده، وأضحى كل سكان الجزر مسلمين ـ حتى وقتنا الحاضرـ ولم يتأثر الدين الإسلامي بموجات التبشير التي بعثتها أوروبا خلال فترة الاستعمار، كما أن القمريين في الجزر الأربع لم يتأثروا بالديانة المسيحية رغم خضوع بلادهم إلى الاستعمار الفرنسي قرابة قرن ونصف قرن من الزمان، وتصل نسبة المسلمين في الجزر الثلاث المستقلة 100%.
أما في مايوت فنسبة المسلمين فيها98% والباقي والأقلية الباقية تنتمي في الأصل إلى قبيلة "الإسكالافا" الملغاشية، والكرويل الفرنسية القادمتين مع المحتلين الغاصبين، والنادر لا حكم له كما يقول صاحب كتاب " جولة في جزائر البحر الزنجي".
حكم النباهنة العمانيين في مايوت
ومن الثابت تاريخيا قيام السلطنة النبهانية العمانية في باتى، عام (599هـ/ 1203م) وامتدادها وتوسع وجودها ونفوذها في شرق إفريقيا في فترة زمنية طويلة ممتدة حتى عام (1229هـ/1813م). بيد أن هذا التمدد النبهاني نلاحظ وجوده في جزيرة مايوت القمرية اعتبارا من عام 1595م، وقد استمر لمدة (195عاما). حيث ذكر الفريد جفري أن حكم هذه الجزيرة انتقل إلى السلطان بوانا فُوم بن علي (1595-1620م) وهو أمير عربي قدم من باتى، وكلمة فُوم تعني لقبا كان يطلق على سلاطين باتى من النباهنة.
ثم انتقل الحكم إلى علي بن بوانا فوم (1620-1640م) ومنه إلى ابنه عمر بن علي (1640-1680م) الذي حكم هذه الجزيرة لمدة 40 سنة، ثم انتقل الحكم إلى أكبر أولاده، علي بن عمر (1680-1700م)، ومنه إلى أخيه الشقيق أبي بكربن عمر بن علي (1700-1727م)، وخلفه بعد وفاته ابنه سالم بن أبي بكر (1727-1752م)، والذي خلفه في السلطة بعد وفاته نجله بُوانا كُومبُو بن سالم(1752-1790م) الذي كان يعرف بسالم الأول.
وفي هذا الصدد يمكن القول: إن النباهنة العمانيين قد حكموا مايوت، ومارسوا سلطتهم فيها مدة زمنية طويلة قدرها 195 سنة، وممتدة من عام 1595 إلى 1790م، وذلك ابتداء من تولي السلطان بُوانا فُوم النبهاني مقاليد الحكم في حدود عام 1595، وانتهاء بوفاة السلطان النبهاني بُوانا كُومبُو بن سالم (سالم الأول).
حكم المناذرة العمانيين في مايوت
وصل المناذرة العمانيون إلى الجزيرة القمرية مايوت واستوطنوا فيها وحكموها. وتشير بعض المصادر العربية والفرنسية إلى أن أسرة عربية أصلها من عُمان أقامت ببلدة "شِنغُوني"، التي كانت في ذلك الوقت حاضرة الجزيرة. وكانت هذه الأسرة ثرية ذات نشاط تجاري ناجح، أحسنت استعمال هذه الثروة في وجوه الخير والبر، مما أكسب لها سمعة طيبة واحترامًا عظيمًا لدى الناس. وقد تزوج أحد أفراد هذه العائلة الثرية واسمه صالح بن محمد المنذري، الذي كان شابًا ماضيًا في الأمور بابنة سلطان مايوت الذي كان طاعنًا في السن، ثم تولى الحكم خلفًا له زوج ابنته صالح بن بشير المنذري (1790-1807م)، وأصبح يعرف منذ عام 1791م بسالم الثاني باعتبار أن والد زوجته الذي ورث منه مقاليد الحكم في هذه الجزيرة هو سالم الأول.
ويجدر بالذكر أن سالم الثاني هو الذي قام في بداية حكمه، عام 1791م، بنقل عاصمة الجزيرة من بلدة "شِنغُوني" إلى "دزَّاوُدزِّي"، ثم قام بتحصينها لأجل حمايتها من أعمال القرصنة، التي كان "الملغاش" (أهل جزيرة مدغشقر) يقومون بها بين الفينة والأخرى في الأرخبيل القمري. وهذه الإجراءات الأمنية جعلت كثيرا من سكان الجزيرة يلجؤون إلى هذه البلدة المحمية بحثا عن مكان آمن.
هذا وقد تعرض السلطان صالح المنذري (سالم الثاني) بعد مرور 17 عامًا تقريبًا على توليه مقاليد الحكم، لعملية اغتيال على يد أحد حاشيته وعبيده المقربين المدعو مَونَانَا مهدي، الذي كان يحمل اسم أحمد، ونصب نفسه سلطانًا على الجزيرة عام 1807م.
وذكر المؤلف الفرنسي جيفري السابق ذكره أن الحكم آل بعد وفاة سالم الثاني إلى سُهل بن سالم (Souhali ben Salim) 1807-1817م. وقيل إنه صويلح بن السلطان سالم الثاني، بمعنى أنه نجل صالح بن بشير المنذري.
وفي حالة صحة ذلك يكون حكم المناذرة في جزيرة مايوت قد امتد لفترة طويلة أكثر من قرنين من الزمن. وفي هذا دليل واضح جلي للوجود العماني في هذه الجزيرة القمرية التي تعد في تركيبها الجيولوجي أقدم من الجزر القمرية الثلاث الأخرى المستقلة من الاستعمار الفرنسي البغيض الذي حل في الأرخبيل القمري، ابتداء من مايوت عام1843، بعد التوقيع على معاهدة دخول فرنسا إلى الجزيرة عام 1841م.
أهمية مايوت في نظر فرنسا
تتمتع جزيرة مايوت القمرية بأهمية كبيرة لدى الفرنسيين. ونلاحظ ذلك بكل وضوح في التقارير التي أعدها الفرنسيون حول أهمية الجزيرة والتي منها ما أعده المسيو برنارد، كابتن البحرية الفرنسية عن جزيرتي نوس بيه المدغشقرية ومايوت القمرية، حيث قال: «أنا أعتقد أننا سنضيع رجالنا ووقتنا ومالنا، وجميع إمكاناتنا في تأسيس مستعمرة زراعية في نوس بيه. أما ما يتعلق بجزيرة مايوت فإن فرنسا التي تحتاج إلى محطة عسكرية بحرية من أجل الحفاظ على تجارتها مع الهند، يصعب عليها أن تجد محطة أنسب وأكثر نفعا، من حيث الموقع، من مايوت التي تقدر على تقديم موارد كثيرة للزراعة»
وفي شهر أبريل عام 1843، كان الموظف القنصلي الفرنسي نويل(Noel) قد كتب ما يلي: «يجب الاستفادة من تراب مايوت، بكل الإمكانات المتاحة فيها، وتشكل هذه الجزيرة -علاوة على ذلك- موقعا مهما من المواقع التي لا نستطيع إهمالها إلا إذا كنا عمى، ونأمل ألا نتردد في الإنفاق عليها بمبالغ أكبر مما نضحي بها – دون جدوى- في حفر ميناء بُوربُون(Bourbon)»
ثم مضى قائلا: «ما عدا المنافع الناتجة عن جزيرة فرنسا(موريشيوس حاليا) من حيث التسهيلات العامة، والأرض الواسعة فإن مايوت مفضلة على تلك الجزيرة ... فموقع مايوت المتميز بين مدغشقر والجانب الشرقي لإفريقيا، والبحر الأحمر والخليج الفارسي والهند، يبدو أنه يجعلها لتصبح مرفأ تجاريا مهما. بالإضافة إلى كونها ملاذا آمنا لبوارجنا البحرية وحصنا منيعا غير قابل للاقتحام في وسط البحار، هي مالطا أخرى في بحار الهند»
وفي رسالة رسمية فرنسية، تحمل رقم78، وجهها بُونفلز(Bonfils) عام 1845م إلى وزير البحرية والمستعمرات، ورد فيها: « نحن مقدمون على اعتبار مايوت نقطة عسكرية أساسية يجب أن تعوضنا عن الخسارة التي نتجت عن فقدان جزيرة فرنسا (موريشيوس)، وقد اكتشفنا فيها أيضا مقومات مركز تجاري كبير مضارع لسنغافورة... ».
ومن هنا تظهر بشكل واضح وجلي أهمية مايوت القمرية، وموقعها الاستراتيجي، ومكانتها لدى فرنسا التي اعتبرتها جبل طارق لبحار الجنوب.
دخول فرنسا إلى مايوت والقضاء على تبعيتها للدولة البوسعيدية
تتمتع جزر القمر بأهمية استراتيجية كبرى، اكتسبتها من منطلق موقعها الجغرافي المتميز، مما جعلها موضع تنافس القوى الكبرى وأطماعها التوسعية.
فلما رأت فرنسا انحسار وجودها عن هذه المنطقة الاستراتيجية الواقعة في المحيط الهندي أخذت تتحرك لإعادة وجودها الفعلي ومجدها العسكري بعد فقدانها جزيرة موريشيوس التي كانت تسمى جزيرة فرنسا وذلك ليس فقط للقضاء على الوجود العماني في الجزر بل لمواجهة تحديات بريطانيا أيضا والمتحالفة في المنطقة مع امبراطورية عُمان.
ووسط هذا التنافس الفرنسي البريطاني على سيطرة الطريق المؤدي جنوبا إلى الهند، وشمالا إلى الجزيرة العربية عبر البحر الأحمر، حسمت فرنسا أمرها لتثبيت وجودها ونفوذها في المنطقة، فكلفت، بعد التخطيط المحكم، وزير خارجيتها جيزو (Guizot) بهذا الملف.
وبناء على هذه الخطة احتلت فرنسا، في الفترة 1839-1840م، جزيرة نوس بيه الواقعة في شمال مدغشقر، وأقامت بها حامية عسكرية. بينما أرسلت في يوليو 1839، الكابتن باسو(Capitaine Passo) إلى جزر القمر لمهمة استطلاعية في جزيرة مايوت، وهنزوان، وموهيلي، واستطاع هذا الكابتن، خلال هذه الجولة التفقدية، الوقوف على أهمية هذه الجزر وأبعادها الاستراتيجية.
وقام الكابتن جاهين (Jehenne) في أغسطس 1840 بزيارة ثانية مماثلة إلى مايوت، حيث كان محافظ بوربون،العميد البحري دهيل (De Hell) قد عهد إلى كل من باسو وجاهين بعد إجراء الاستطلاعات والدراسات الضرورية عن مايوت، التمهيد لإبرام معاهدة مع سلطان مايوت أندريان تسولي، للدخول إلى الجزيرة واستعمارها وسيطرتها، بناء على توجيهات وزير البحرية الفرنسي، والمتمثلة في ضرورة الإسراع إلى احتلال مايوت في أقرب فرصة ممكنة، حيث تطابقت التقارير والدراسات التي أعدها المبعوثون الفرنسيون بخصوص أهمية الجزيرة، وأن احتلال فرنسا لها سوف يعوضها عن خسارة فقدان جزيرة موريشيوس، ويؤدي بالتالي إلى وضع حد لنفوذ عمان في الجزير ووقف تدخلات ومطامع انجلترا فيها والتي بدأت تظهر بقوة في جزيرة هنزوان المجاورة.
ونشير هنا إلى أن جزيرة مايوت كانت تابعة لسلطنة هنزوان، حيث كان السلطان فيها هو الذي يُعيِّن سلطان مايوت. ويذكر أن السلطان علوي الأول (1796-1816)، والد السلطان عبد الله الثاني (1816-1836م)، لما تسلم مقاليد السلطنة في هنزوان لم يكن مرتاحا لوجود السلطان النبهاني بوان كومبو – السابق ذكره - على الحكم في مايوت، وذلك للخوف منه أن يقوم بانفصال جزيرة مايوت عن شقيقتها هنزوان، باعتبار نفسه سلطانًا مستقلًا ذا سيادة كاملة عليها.
ويبدو أن مرد هذه المخاوف والتوقعات عن حدوث خيانة، يعود أساسا إلى واقع التاريخ السياسي لهذه السلطنات لحدوث مثل ذلك في أكثر من مرة، وعزز هذه الحالة من عدم الثقة في السلطان بُوانا كومبو، كونه أحد أحفاد السلطان النبهاني بُوانا فُوم بن علي(1595-1620م)، الذي قدم من جزيرة القمر الكبرى (انجزيجا) إلى مايوت حيث بنى فيها مجده في سلطنتها.
ويظهر أن نجل السلطان علوي، المعروف بـ(عبد الله الثاني) لما آل إليه الحكم في هنزوان كانت تساوره الشكوك نفسها إزاء بُوانا كُومُبو ومن ثمَّ عمد في عام 1822م، إلى تعيين أندريان تسولي، سلطانا على مايوت. وهذا السلطان المعين الجديد من قبيلة السكلافا الملغاشية، كان في ضيافة عبد الله الثاني، وأظهر الولاء والطاعة له ولسلطنته في هنزوان.
ووجد أندريان تسولي بعد توليه الحكم في مايوت الفرصة مواتية أمامه للخروج من عباءة وولاء سلطنة هنزوان، وقام بالتواطئي مع ابنة أخته تسيوميكو(tsioumeko)، ملكة نوس بيه على حياكة مؤامرة التنازل عن مايوت لفرنسا على غرار تنازلها هي عن نوس بيه لها، حيث قام هذان الملغاشيان بإرسال وفد مشترك مكون من خمسة وجهاء قبيلتهما سكلافا إلى بوربون عام 1840، حاملين رسالتين منفصلتين إلى الحاكم الفرنسي دي هيل (De Hell) أعرب كل واحد منها في رسالته عن رغبته واستعداده للتنازل عن جزيرته لفرنسا.
ومما ورد في رسالة أندريان تسولي، المؤرخة في 25 جمادى الأخرة 1256هـ (الموافق 24 أغسطس 1840م، إلى حاكم بوربون: «نحن رأينا النائب الذي أرسلتموه إلى الملكة تسيوميكو، لذا والحالة هذه، نطلب منكم أن توحدونا معكم بالروابط نفسها ... ولا يوجد شيء مشترك يجمعني مع السيد سعيد (سلطان زنجبار)، الذي لا أحبه... ونحن نستعطفكم، فأرسلوا إلينا رصاصات، وبارودًا، وبنادق، ومدافع، وناقوسًا... ».
ويظهر مما ورد في الرسالة نفي صاحبها أندريان تسولي، وجود أية علاقة مشتركة بينه وبين السيد سعيد، سلطان زنجبار، وتأكيد عدم حبه له، الأمر الذي يشير إلى سعي فرنسا للقضاء على تبعية مايوت للدولة البوسعيدية وإنهاء نفوذها في الأرخبيل القمري، مما جعل المطلب الملغاشي الغاشم للتنازل عن مايوت يلقى ترحيبا حارا من السلطات الفرنسية المختصة التي سارعت إلى إرسال مبعوثين(باسو وجاهين) إلى أندريان تسولي، سلطان مايوت، وقد حملا معهما في حقيبتهما نص المعاهدة لتوقيعها معه بشأن التنازل عن مايوت لفرنسا، التي ما زالت – للأسف الشديد- محتلة لها حتى الآن.
التوقيع على معاهدة التنازل عن مايوت لفرنسا
في 25 أبريل عام 1841م، تم التوقيع بين الكابتن باسو، ممثلا للحكومة الفرنسية، وأندريان تسولي، سلطان مايوت، على معاهدة التنازل عن جزيرة مايوت القمرية لفرنسا.
وهذا نصها:
بسم الله الرحمن الرحيم! وعليه نضع ثقتنا!
إن المعاهدة التالية تم التفاوض عليها بين الكابتن باسو، مبعوث دي هيل، ممثلا للحكومة الفرنسية، وأندريان تسولي، نجل أُوزا، الملك السابق للسكالافا، سلطان مايوت الآن، والحكومة الفرنسية بموافقة صاحب الجلالة لويس فيليب الأول، ملك الفرنسيين، أو من ينوب عنه محافظ (حاكم) بوربون.
- المادة الأولى: السلطان أندريان تسولي يتنازل لفرنسا، بكل الملكية الكاملة، جزيرة مايوت التي كان يملكها بموجب حق الفتح والاتفاق والتي يحكمها منذ 13عاما.

- المادة الثانية: وفي مقابل هذا التنازل، فإن الحكومة الفرنسية ستخصص للسلطان أندريان تسولي ريعًا سنويًا، مدى حياته، من 1000بيستار. هذا الريع الذي يدفع له بالأقساط في كل ربع سنه، لن يسري على أبنائه، ولكن اثنين منهم قد يتم إرسالهما إلى بوربون، لتلقي التعليم على حساب الحكومة الفرنسية.

- المادة الثالثة: يمكن للسلطان أندريان تسولي الاستمرار في العيش في جزيرة مايوت، والتمتع بجميع ممتلكاته الشخصية، ولكن لا يمكنه بأي حال من الأحوال أن يعارض الأوامر المعطاة من قبل ممثل ملك الفرنسيين في مايوت، وإنما، بدلا من ذلك، سيفعل كل شيء يعتمد عليه لفرض التنفيذ.

- المادة الرابعة: إذا كان السلطان أندريان تسولي يريد العودة إلى مدغشقر، أرض أجداده، فإن الحكومة الفرنسية توافق على نقله هو ومن يرغب من قومه في متابعته، على أية نقطة يحددها، من غير شرط آخر، ولكن أجرة ألف بيستار(خمسة آلاف فرنك فرنسي) المخصصة له ستتوقف اعتبارا من تاريخ مغادرته مايوت.

-المادة الخامسة: جميع الممتلكات مصونة. وكذلك الأراضي المزروعة من قبل السكالافا، أوغيرهم من سكان جزيرة مايوت، تستمر ملكيتها لهم. ومع ذلك، إذا احتاج أمن الجزيرة أو دفاعها، لانتزاع أرض يسكنها أحد، فإنه يجب عليه أن يذهب ويستقر في جزء آخر غير مأهول من الجزيرة، على اختياره، ولكن من دون أن يحق له المطالبة بتعويض.
-المادة السادسة: الأراضي غير المعترف بها على أنها ملكيات خاصة، فإن ملكيتها تعود بالحق للحكومة الفرنسية التي تملكها وحدها.

-المادة السابعة: المناقشات والمنازعات أو الخلافات الناشئة من أي نوع بين الفرنسيين وسكان مايوت القدماء، فسيتم الحكم فيها من قبل رجال حكماء مستنيرين مختارين من الطرفين على حد سواء، ومعينين من قبل جلالة ملك الفرنسيين أو من ينوب عنه في مايوت.

-المادة الثامنة: اعتبارا لأواصر القرابة والصداقة التي تربط السلطان أندريان تسولي والسلطان علوي، وإذا كان الأخير يرغب في الإقامة في بوربون، أو مايوت أو نوس بيه‘ فإنه سيتم التعامل معه بطريقة فضلى من قبل أي قائد من أجل الملك الفرنسي.

-المادة التاسعة: هذه المعاهدة حررت باللغتين الفرنسية والعربية بثلاث نسخ من كل واحدة من اللغتين، وسيجري العمل بها عند ما يتم المصادقة عليها من قبل صاحب الجلالة ملك الفرنسيين أو ممثله محافظ بوربون، واعتبارا من تاريخ رفع العلم الوطني على أي مكان في مايوت.
حرر في مايوت يوم الأحد الثاني من شهر ربيع الأول 1157هجرية (الموافق :25 أبريل 1841ميلادية).

التوقيع: باسو أندريان تسولي
هذا وقد أثار توقيع هذه المعاهدة سكان الجزيرة، أصحاب الأراضي، واحتجوا عليها وعارضوها بشدة إلا أن فرنسا استطاعت امتصاص غضبهم واحتوائهم بالجزرة تارة والعصا تارة أخرى. فأصبحت مايوت منذ ذلك الوقت إلى اليوم تحت الاحتلال الفرنسي.
مطالبة السلطان السيد سعيد بالسيادة البوسعيدية على مايوت
إن التوقيع على معاهدة تنازل جزيرة مايوت لفرنسا، في25أبريل 1841م، قد شكل نقطة محورية صعبة لدى السيد سعيد بن سلطان، سلطان عُمان وزنجبار، إذ كان ذلك بداية نهاية نفوذه في جزر القمر لصالح فرنسا.
لذا فقد تألم السيد سعيد كثيرا عند ما نمى إلى علمه، بواسطة بعض أصحاب المراكب البحرية القادمة من جزيرة هنزوان القمرية، أن أندريان تسولي، سلطان مايوت، قد تنازل عنها للفرنسيين مقابل خمسة آلاف فرنك، فقام فور تلقيه هذا الخبر الخطير المؤلم بالتحرك لدى حلفائه الإنجليز، وذلك باستدعاء القنصل البريطاني في زنجبار" أتكنز هامرتون" (Atknsi Hamerton)، الذي طلب إليه إبلاغ حكومة بلاده برغبته في الحصول على توضيحات منها عما إذا كان سيصبح ضحية سياسة التوافق بينها وبين فرنسا، وأن هذه الدولة الأخيرة تهدف في تدخلاتها إلى تفكيك امبراطوريته بشكل تدريجيٍ على مرأى ومسمع منهم.
ونظرا لكون مايوت إحدى الجزر القمرية التي لها علاقات تاريخية ضاربة الجذور مع عُمان، وكان الأرخبيل بمجموعه يدين بالولاء والتبعية لليعاربة، ثم حكم هذه الجزيرة بالذات سلاطين من النباهنة والمناذرة العمانيين لمدة طويلة تنيف القرنين، فإن ذلك يدل دلالة واضحة وصريحة على تبعية مايوت والجزر القمرية الشقيقية الأخرى للدولة البوسعيدية، مما جعل مطالبة السيد سعيد بالسيادة البوسعيدية على هذه الجزيرة في وجاهة بالغة، ينبغي على الإنجليز النظر فيها بجدية وموضوعية.
وبناء على ذلك، أصدرت لندن التوجيهات إلى آمر أسطولها في الكاب العميد البحري "كنغ"(King) لموافاتها بمزيد من المعلومات عن التدخلات والسياسة الفرنسية في الأرخبيل القمري، ومدى صحة خبر تنازل "أندريان تسولي"عن مايوت لفرنسا، وأبلغت في الوقت ذاته، وزارة الخارجية الفرنسية، أن حكومة صاحب الجلالة معنية بوحدة دول إمام مسقط.
بيد أن هذا التدخل البريطاني لم يسفر عن نتيجة إيجابية تذكر، حيث لم يمنع هذا الموقف من احتلال فرنسا لمايوت، مما جعل تحرك السيد سعيد نحو بريطانيا لدق ناقوس الخطر يسقط في الماء، حيث تم احتلال مايوت، وسيأتي الدور لاحقا على احتلال جميع الجزر القمرية الأخرى.
وتجدر الإشارة إلى أن السيد سعيد عند ما لاحظ هذه الحقيقة المرة التي تتمثل في استمرار المطامع الفرنسية الهادفة إلى ابتلاع كل الجزر القمرية، قام بتوجيه رسالة خطية إلى وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطانية، "لورد بالمرستون" (Lord Palmerston) كشف فيها عن الدسائس الفرنسية في جزيرتي القمر الكبرى وموهيلي.، وكان مما ورد في الرسالة ما يلي:
«الآن، تواصل الأمة الفرنسية باستمرار في التدخل في رعيتي وممتلكاتي ...فقد أخذوا مؤخرًا "نُوس بيه" دون أي حق ولا أي مبرر. وزار القبطان "جيان "(Guillain) منذ وقت قريب عدة أجزاء من دولي، وظل هناك طوال الوقت لمحاولة خلق الاضطرابات، غير أنه لم يحدث بعد شيء من ذلك. وها هم الآن يسعون للعبث بسكان جزيرتي "انجزيجا"(القمر الكبرى) وموهيلي.
والمعلوم جدا لدى كل الناس أن سكان هذه الجزر هم رعايا زنجبار. ويبدو الآن أنه من الجيد بالنسبة لي إبلاغ السيد "جيزوت"(Guizot)، وزير الخارجية الفرنسي، بسلوك حكومته».
وتوجد في نهاية الرسالة ملاحظة سرية مذيلة أعرب السيد سعيد فيها عن قلقه البالغ إزاء المحادثات التي كانت السلطات الفرنسية في مايوت قد أجرتها مع الشيخ مختار بن أبي بكر، السلطان الأسبق لجزيرة موهيلي، بشأن شراء حقوقه على الجزيرة. ويظهر هذا القلق في قوله:
«وفي الوقت الحاضر، يداهن أولئك الفرنسيون رجلا عجوزا يدعى الشيخ مختار الذي يعيش في هنزوان، ولكنه من أصل موهيلي، مع أنه لا يملك في الحقيقة شيئا يخوله ببيع موهيلي. فهم يتصرفون بخدعة على الطريقة نفسها التي اتبعوها في مايوت». ثم أضاف السيد سعيد أن حكام موهيلي وجزيرة القمر الكبرى كانوا قد أعلنوا بمحض إرادتهم عن تموضعهم تحت سيادته منذ أكثر من عشرين سنة من استعادة ممباسا إلى سيادته عام 1827م.
ونشير هنا إلى أن السيد سعيد كان قد أوفد، في عام 1843م، السفير علي بن ناصر الهنائي، إلى لندن لإبلاغ "لورد أبيردين"(Lord Aberdeen) عن مخاوفه الناشئة عن سياسة فرنسا التوسعية في المحيط الهندي.
وهذا غيض من فيض الجهود الحثيثة والاتصالات السياسية التي قام بها السيد سعيد لأجل المطالبة بالسيادة البوسعيدية على مايوت، وذلك إثر التوقيع بين الكابتن الفرنسي "باسو" و"أندريان تسولي"، الملغاشي الأصل، على معاهدة تنازل هذه الجزيرة القمرية لفرنسا.

•ورقة مقدمة إلى المؤتمر الدولي العماني الشرق الإفريقي الذي عقد في ديسمبر2016م في جزر القمر.
المصادر والمراجع
1-أرسلان، شكيب: حاضر العالم الإسلامي ج2 بيروت : دار الفكر (1973).
2-جيان: وثائق تاريخية وجغرافية وتجارية عن شرق إفريقيا، القاهرة(1937).
3-العاني، عبد الرحمن. عمان في العصور الإسلامية الأولى، بغداد، 1977م.
4-كرهيلا، حامد: العلاقات التاريخية بين الدولة الوسعيدية وجزر القمر (1806-1964)، وزارة خارجية سلطنة عمان، موسكو: يبيبلوس كونسا لتينغ للطباعة والنشر والوزيع،(2007).
5-كرهيلا، حامد. من أراضيا المحتلة : جزيرة مايوت القمرية. مسقط: مطابع النهضة،(2011)
6-المسعودي أبي الحسن علي بن الحسين بن علي، مروّج الذهب ومعادن الجوهر، بيروت، دار المعرفة، (2005).
7-المغيري، سعيد بن علي، جهينة الأخبار في تاريخ زنجبار، تحقيق محمد علي الصليبي، سلطنة عمان، وزارة التراث القومي والثقافة (2001).
8-مكلا، برهان بن محمد القمري تاريخ جزائر القمر، مخطوط.
9-النعماني، سعيد بن سالم، الهجرات العمانية إلى شرق إفريقيا، دار الفرقد،2012
10-هاشم محمد، المفاخر السامية في ذكرى تاريخ سلاطين جزر القمر من القرن العاشر الميلادي إلى القرن العشرين، الدار العالمية لنشر وتحقيق وتوثيق الأنساب،(2009).
- A .N.,42 A.P.418 (Fonds Guizot), Note sur Madagascar par V. Noel, Paris le 30 septembre 1843 .

-Gevrey Alfred (1870) Essai sur les Comores pondichery, A . salgny, in – 8 307pp. ed . baobab . mayotte 1997

-Jean Martin,(1936) comores : quatre ils entre pirates et planteurs T.1. PP.154 ,159.453.