[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/ahmedalkadedy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د.أحمد القديدي[/author]
هل نسعى نحن وتسعى دول عربية وآسيوية وإفريقية إلى الانخراط في منظومة (طريق الحرير) الجديدة؟ وهي التي يبشر بها المفكرون الواعون من الغرب نفسه! هذا السؤال طرحته أكثر من وسيلة إعلام واتصال أميركية وأوروبية اقتصادية ومالية هذا الأسبوع منذ أن طالب (لافروف) في مؤتمر ميونيخ للأمن بإقرار نظام عالمي جديد وأيده الرئيس الصيني وخاصة بعد أن شكك الرئيس ترامب في جدوى حلف شمال الأطلسي..

أمام البرلمان التونسي قال رئيس حكومة تونس الأسبوع الماضي بأن حكومته لا تخضع لشروط صندوق النقد الدولي، ولم يمل عليها الصندوق أية شروط لخصخصة بعض المؤسسات العمومية وتسريح عدد من موظفي الإدارات الحكومية، وهو على حق. ولكن الحق الأعلى من حق الحكومة هو أن الصندوق ليس بحاجة إلى أي إملاء وقد يملي وقد لا يملي شروطه لتقديم القروض، فالقرار يبقى في أيدي حكومتنا، لكنه قرار يندرج في إطار منظومة الصندوق ونواميسه وليس في مقدور تونس ـ ولا غير تونس ـ أن تنحرف حكوماتها عن الخط الذي رسمه النظام العالمي الأطلسي منذ سبعين عاما. فتونس وبقية الدول النامية مجبورة جبرا على أن تدور في فلك صندوق النقد الدولي، وأن تظل صابرة في بيت الطاعة الأطلسية لأن (السيستم) الاستعماري القديم والمتجذر هو الذي يرسم خريطة الطريق الاقتصادية والمالية، بل والسياسية لخدمة مصالح الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، ونحن في تونس كغيرنا من الدول المستضعفة مهما كانت شجاعة الشجعان لم نبلغ درجة رفض النظام العالمي الجائر رغم أن قوى جديدة بدأت تفرض بالقوة نظاما عالميا مختلفا لن يكون حصريا لخدمة مصالح أميركا وأوروبا وفي طليعة هذه القوى الصين بمخزونها من الدولار الذي يساوي 3 تريليونات (أي أكثر مما في الخزينة الأميركية ذاتها!) وكذلك روسيا القيصرية الصاعدة بحضورها العسكري في الشرق الأوسط. فهل نسعى نحن وتسعى دول عربية وآسيوية وإفريقية إلى الانخراط في منظومة (طريق الحرير) الجديدة؟ وهي التي يبشر بها المفكرون الواعون من الغرب نفسه! هذا السؤال طرحته أكثر من وسيلة إعلام واتصال أميركية وأوروبية اقتصادية ومالية هذا الأسبوع منذ أن طالب (لافروف) في مؤتمر ميونيخ للأمن بإقرار نظام عالمي جديد وأيده الرئيس الصيني وخاصة بعد أن شكك الرئيس ترامب في جدوى حلف شمال الأطلسي؛ لأن أي نظام عالمي جديد اليوم له مهمات مختلفة في عصر العولمة، وصعود العمالقة الجدد ربما تكون أقرب لوظيفة الرابط الأساسي بين اقتصادات الأمم من أجل تنفيذ مشروع عادل للتعاون الدولي وإلحاق الأمم المتخلفة والمحرومة بركب التقدم والتنمية والرفاه. وللتذكير فإن البنك العالمي تأسس عام 1944 إلى جانب صندوق النقد الدولي كمؤسستين ماليتين ملحقتين بالأمم المتحدة التي ولدت من رحم عصبة الأمم ومن رحم الحلفاء المنتصرين في الحرب العالمية الثانية، بغاية إعمار العالم الذي دمرته الحرب وبهدف تكريس هيمنة المنتصرين على الاقتصاد العالمي والمبادلات التجارية. وبالفعل نشأ مع هاتين المؤسستين نظام (برتن وودس) للبورصات والتبادل المالي وضمان اعتماد العملات الوطنية على مخزون الذهب، ولكن أيضا على الاعتراف الضمني وغير المقنن بأن الدولار هو المعيار الحقيقي لقيمة العملات أي في الواقع تتويج العملة الأميركية الخضراء سيدة بلا منازع على اقتصادات الأسواق المالية. لكن هذا النظام لديه أجنحته الأربعة وهي: البنك العالمي وصندوق النقد الدولي والمنظمة العالمية للتجارة وأخيرا بورصة (وول ستريت) في نيويورك. ظل هذا النظام على مدى الحرب الباردة وحتى بعد انهيار الاتحاد السوفييتي يعمل وفق المصالح الرأسمالية للدول الغنية غير مكترث بأن وراء حدود الغرب المترف تعاني شعوب العالم الثالث من ويلات الاستبداد والفقر والبطالة والصراعات الطائفية وفوضى التجارة العالمية، وظلم الشركات العابرة للقارات في استغلال موادها الأولية وثرواتها الطبيعية بأسعار بخسة لتصنيعها في الغرب، وإعادتها إلى البلدان المحرومة بأسعار مرتفعة وشروط قاسية. وكان عالم الاقتصاد الفرنسي (روني ديمون) أول من اكتشف في أواخر الستينيات بأن جملة المواد الأولية لتصنيع سيارة من حديد وفولاذ ونحاس ومطاط ورصاص تستجلب من إفريقيا وآسيا بثمانين دولارا لتعود السيارة تباع بثلاثة آلاف دولار(طبعا بأسعار ذلك الزمن) وأن الوقود الذي يحركها يستجلب من البلدان المنتجة بدولارين للبرميل ليباع مكررا بخمسين دولارا للمستهلك. وتدريجيا تحول نظام (برتون وودس) إلى جلاد الشعوب الفقيرة، فمارس التدخلات المهينة عليها وفي شؤونها لإخضاع اقتصاداتها لإرادة ومصالح الدول الغربية الغنية، واندلعت في كثير من بلدان العالم المتخلف حركات تمردية سميت بثورات صندوق النقد الدولي حين ارتفع سعر المواد الغذائية والمحروقات نزولا عند ضغوط الصندوق، وشهد العالم العربي أمثال هذه التمردات القصيرة والعسيرة (مصر وتونس والمغرب). أما في بلدان أميركا اللاتينية فكانت ردود الفعل مختلفة بحيث ساند نظام (برتون وودس) الدكتاتوريات العسكرية كما في الأرجنتين والتشيلي والبرازيل والإكوادور وصولا إلى فنزويلا حين ساعد البنك العالمي والصندوق الدولي بعض المتمردين على الإطاحة بالرئيس هوجو شافيز عام 1998 وكانت القوى المالية العالمية أول من خطط لمحاولة الانقلاب تلك، مثلما فعلت في التشيلي مع الرئيس (ألندي) لترعى بعد ذلك عمليات استسلام للنظام العالمي الجائر قام بها الجنرال بينوشيه في تشيلي والجنرال فيدلا في الأرجنتين والدكتاتور سوموزا في نيكاراجوا. أسوق هذه الحقائق حتى لا نعتقد في بلادنا أننا حين نعلن عن استقلال قرارنا فإننا أصبحنا أحرارا بالفعل، وأننا في مأمن أمين من الأزمات السياسية التي تهددنا بانخراطنا في (السيستم) الليبرالي العالمي المتوحش!