[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
في الوقت الذي تواصل فيه الآلة الإعلامية الغربية وتوابعها النقل المستمر (المباشر وغير المباشر) لتصريحات مسؤولين سياسيين وعسكريين غربيين يؤكدون فيها حزمهم مع الإرهاب ومحاربته وتجفيف منابعه، يوالي الإرهاب ضرباته في المنطقة وأنحاء مختلفة من عواصم العالم، ما يعكس التناقض بين القول والفعل، والبون الشاسع بين محاربة الإرهاب إعلاميًّا والتخاذل عن محاربته ميدانيًّا، بل والتواطؤ معه، والرهان عليه لتحقيق الأهداف والمشاريع المعدة سلفًا.
ويبدو أنه ليس من قبيل المصادفة أن تتمكن التنظيمات الإرهابية مثل تنظيم "داعش" من تنفيذ هجماتها الإرهابية بحق المدنيين أو استهداف مؤسسات رسمية دون وجود ما يسمح لها القيام بذلك، فالأحبال السرية للتنظيمات الإرهابية لا تزال تواصل مدها بما تحتاجه من دعم، سواء كان ماليًّا أو عسكريًّا، في حين أن الاستراتيجيات المعلنة لمكافحة الإرهاب تستمر في تسجيل إخفاقاتها المُؤكِّدة أنها لا تعدو عن كونها استراتيجيات إعلامية ـ سياسية لها أهداف تتكامل مع الأهداف المراد إنجازها عبر الاستثمار في الإرهاب وتنظيماته، ليس إلا.
إن تلك الحقيقة لها ما يؤكدها ويثبتها على أرض الواقع، وبالتالي فهو ليس من قبيل التجني وحوك الاتهامات من نسج الخيال، وما استهداف المدنيين وإحداث أكبر تدمير بالبنى الأساسية واستهداف الجسور والمنشآت ومحطات الكهرباء وحقول النفط والغاز، وتسميم المياه وقطعها عن سكان المدن على النحو المشاهد والماثل في سوريا والعراق وليبيا وغيرها، سواء بالأصالة أو الوكالة، بحجة محاربة الإرهاب، إلا دليل حي وثابت يعضد الحقائق الثابتة بأن هناك استثمارًا للإرهاب يجري لتمرير المخططات الاستعمارية المعدة للهيمنة والسيطرة على المنطقة والعالم من قبل قوى لها تاريخها الاستعماري الامبريالي. وما يعضد تلك الحقيقة أيضًا، الانقلاب اللافت على نتائج مؤتمرات أستانا التي كان من ضمنها إعلان التنظيمات الإرهابية المشاركة في مؤتمر أستانا قبولها فصل نفسها عن تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي، حيث عادت تلك التنظيمات الإرهابية إلى عهدها السابق، بالاندماج مع تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي لتشن هجومًا واسعًا في حي جوبر القريب والملاصق للعاصمة دمشق والقابون في حماة، وهذا الاندماج ما كان له أن يكون لولا الإيعاز المباشر من قبل أجهزة استخبارات الدول المتآمرة على سوريا، وبأمر واضح من الطرف الأصيل في المؤامرة وهو كيان الاحتلال الإسرائيلي، ذلك أن هذه الهجمات المنسقة والسريعة والمباغتة جاءت متزامنة مع جولة مؤتمر جنيف الخامسة، ومباشرة بُعيد الرد الصاعق للجيش العربي السوري على الطيران الحربي الإسرائيلي الذي اخترق الأجواء السورية، وأراد استهداف مواقع عسكرية للجيش العربي السوري في مدينة تدمر، بهدف إضعاف نقاط تمركزه في المدينة، ولتسهيل هجوم معاكس لتنظيم "داعش" الإرهابي على المدينة. والمحاولة الإسرائيلية لاستهداف الجيش العربي السوري في تدمر هي نسخة مشابهة للعمل العدواني الذي قام به الطيران الحربي الأميركي على مواقع الجيش العربي السوري في جبل الثردة بدير الزور، تمهيدًا لهجوم كان معدًّا ومرتبًا له لتنظيم "داعش" الإرهابي على نقاط تمركز الجيش العربي السوري، ما يعني ثمة تبادلًا للأدوار بين الأطراف المتآمرة على سوريا.
ما لا يريد أن يستوعبه المنتِجون والمشغِّلون للتنظيمات الإرهابية والمستثمِرون لإرهابها هو أن النفخ في هذه التنظيمات الإرهابية لدرجة التوحش ـ لكي تتولى إنجاز المهمات والأهداف ـ فيه مخاطرة كبرى ولعب بالنار، لأن الاعتقاد بأنها لن تتمرد هذه التنظيمات على منتِجها ومشغِّلها هو اعتقاد واهم؛ فهذه التنظيمات الإرهابية لا تؤمن بشيء اسمه القيم والمبادئ والأخلاق ولا حتى الدين، ولا عهود ومواثيق، ولا علاقات وصداقات، إنما نهجها التدمير والقتل وإراقة الدم ولا تشبع منه، والعمل من أجل المال. فمن يعطي نفسه الحق في إبادة الحياة الإنسانية، وهدم أركان الدين وتشويه صورته، والإساءة إليه وإلى أهله، وينفذ بالمال المشبوه ما يؤمر به ويوجَّه إليه، لن يتورع عن ممارسة سلوكه وانحرافه بحق من أنتجه وشغله، ودعمه، والتاريخ الحديث لا يزال يوالي إعطاء الأدلة على ذلك.
ولذلك فإن من المؤكد أن الهجوم الإرهابي الذي استهدف مبنًى سكنيًّا في بنجلاديش أمس الأول وتبناه تنظيم "داعش" الإرهابي، وهو الهجوم الثالث بعد هجومي الشيشان ولندن، وقبل ذلك هجمات التنظيم الإرهابي في باريس ونيس وبروكسل وبرلين، لن يكون الهجوم الأخير طالما حالة الاستثمار في الإرهاب لا تزال جارية، ولا تتوافر الإرادة والمصداقية لقطع الأحبال السرية التي تغذيه، كما أن هذه الهجمات في العواصم الأوروبية والآسيوية تؤكد أن الإرهاب هو الإرهاب، لا أمان له، ولا عهود ولا مواثيق ولا قيم ولا مبادئ ولا أخلاق ولا عقيدة صحيحة تحكمه وتردعه عن ذلك، وبالتالي على المستثمرين فيه والداعمين له أن يراجعوا أنفسهم وسياساتهم، وأن يكونوا صادقين مع أنفسهم ومع شعوبهم في ما يتقولونه عن محاربتهم للإرهاب.

[email protected]