[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/kazemalmosawy.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]كاظم الموسوي[/author]
فصل آخر للحكاية بدأ بإعلان رئيس الاستخبارات الخارجية الألمانية برونو كال عدم اقتناعه بتأكيد أنقرة أن الداعية الإسلامي فتح الله جولن كان العقل المدبر لانقلاب 15 تموز/ يوليو الفاشل ضد أردوغان، حيث قال لصحيفة «دير شبيجل»، «حاولت تركيا على مستويات مختلفة أن تقنعنا بهذه الحقيقة، لكنهم لم ينجحوا في ذلك». مما رد عليه بعض المسؤولين الأتراك معبرين عن اعتقادهم بأن الدول الغربية قد تكون ضالعة في المحاولة الانقلابية.

كاظم الموسوي كاتب عربي ـ لندن
توترت العلاقات بين أنقرة وبرلين وتصاعدت حدة التصريحات المتبادلة بين مسؤولي البلدين وعلت نبرتها أو مدلولاتها السياسية والأخلاقية والدبلوماسية حول غياب القيم الإنسانية التي يزعم كل منهما التمسك بها، لا سيما ما يتعلق بقيم الديمقراطية والعدالة والحريات وحقوق الإنسان. فكل طرف حمّل الآخر ارتكابه ما يخالفها أو ينتهكها، بل زاد عليها بكلمات قاسية من تاريخ كل منهما وأصبح سوء الفهم والخلاف فارقا وصريحا، ومتواصلا مع سجل حافل بمثلها.
ورغم تدحرج الأزمة زارت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل أنقرة والتقت الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يوم2017/2/1 وتفاوضت معه ومع رئيس وزرائه بن علي يلدرم، وحاولت العمل على اتفاقات أفضل لحل إشكاليات تتفاقم بين البلدين، متشعبة ومتعددة ومن بينها الأبرز إعلاميا قضايا اللاجئين والإرهاب والتطرف المتصاعد وعواقب كل منها على مستقبل العلاقات بين البلدين وأوروبا والعالم، وتحديد الدور التركي الرسمي فيها. فضلا عن القضايا الداخلية لكليهما، في ما يتعلق بالألمان من أصول تركية ويتجاوز عددهم ثلاثة ملايين مواطن، بينهم حوالي مليون وأربعمئة ألف ناخب، يمكن استثمارهم لصالح الاستفتاء الموعود. وكذلك رفع الفيزا عن سفر الأتراك إلى الاتحاد، وتبادل المعلومات الأمنية والعسكرية، وكيفية التعامل معها، أو ما يتعلق بالتواجد العسكري الألماني في جنوب تركيا وقاعدة أنجرليك والفعاليات التي يقوم بها، أو المعلومات التي يحصل عليها.
كما أن هذه الزيارة جاءت بعد الانقلاب العسكري الفاشل في تركيا وما تبعه من سياسات تركت آثارها حتى اليوم في المشهد السياسي في تركيا، وفي نظرة كل طرف لها. فأنقرة تتهم برلين "بدعم الإرهابين". بينما برلين ترى فيها وفي سعي أردوغان إلى تعديل دستور تركيا، ومنحه صلاحيات أوسع في إدارة الحكم في تركيا، وتوجهه إلى التفرد في السلطة والتحول إلى الرجل الأوحد، كما يريد هو عبر الدستور، وليس كما يفعل عمليا في الواقع السياسي، ترى ألمانيا فيها ابتعادا عن دولة القانون والديمقراطية.
قبيل توجهها إلى أنقرة، ناشد سياسيون ألمان المستشارة ميركل القيام بدعم الأطراف المدنية الفاعلة في تركيا. وأكد المتحدث باسم الحكومة الألمانية أن ميركل سوف تتناول خلال لقائها مع الرئيس التركي ورئيس الوزراء موضوع الحريات وتقييدها مجددا. وأضاف أن حرية الصحافة تعد من منظور الحكومة الاتحادية ركيزة أساسية لدولة قانون ديمقراطية، مشددا على ضرورة أن تتم الإجراءات الضرورية بشأن الانقلاب العسكري في إطار مبدأ سيادة دولة القانون ومبدأ التناسبية. وقبل يوم فقط من اللقاء بين ميركل وأردوغان، اتهم ويسي كايناك نائب رئيس الوزراء التركي ألمانيا بدعم الإرهابيين، في مقابلة مع وكالة الأنباء التركية الرسمية (أناضول)، حيث قال إن ألمانيا بلد "يستقبل بأذرع مفتوحة كل أنواع الإرهابيين الذين يسببون عناء لتركيا"، من أعضاء حزب العمال الكردستاني (PKK)، إلى "اللاعبين المهمين للانقلابيين". كما شهدت مستويات التبادل التجاري بين تركيا وألمانيا، انخفاضا خلال السنوات الأخيرة. مقارنة بين 37 مليار يورو في عام 2014، و35 مليار و479 مليون يورو عام 2016. وتسعى أنقرة لفتح الأسواق الأوروبية أمام المنتجات الزراعية التركية، ولمنع تأثر الاقتصاد التركي باتفاقية التجارة الحرة التي يتم العمل عليها بين الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية.
لكل من الطرفين رغبات وتوجهات يسعيان إليها وتتسع قائمتها بين الأوضاع الأمنية على الحدود التركية الجنوبية، في سوريا والعراق، وتعزيز التعاون الدفاعي والاستخباراتي مع أنقرة لدرء أخطار الهجمات الإرهابية عن القارة الأوروبية، إلى الضغط باتجاه إغلاق مكتب حزب الاتحاد الديمقراطي، الكردي السوري، في برلين، والذي تضعه أنقرة على قائمة المنظمات الإرهابية، وكذلك إعادة المطلوبين للقضاء التركي من منتسبي حزب العمال الكردستاني المقيمين على الأراضي الألمانية، والحد من نشاطاته في ألمانيا. وكان وزير العدل التركي، بكير بوزداغ، قد اتهم، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، الحكومة الألمانية بدعم وحماية جميع التنظيمات الإرهابية التي تستهدف تركيا، سواء حركة "الخدمة" أو حزب العمال الكردستاني أو المنظمات اليسارية التركية المتطرفة.
في المحصلة ورغم أهمية الزيارة والترحيب بها إلا أن العلاقات بين الدولتين العضوتين في حلف شمال الأطلسي (ناتو) ظلت متوترة. أضاف لها اعتقال الصحفي دنيز يوجل مراسل صحيفة "دي فيلت" الألمانية في تركيا تعقيدا آخر، رغم أنه مع الاتهامات كان وكأنه رد على منح جواز سفر وإقامة لرئيس تحرير أكبر الصحف التركية "جمهوريت"، بعد الإفراج عنه من سجنه في تركيا، واتهم حينها الرئيس التركي ألمانيا بأنَّها أصبحت ملاذا للإرهابيين وسيحاكمها التاريخ.
ثم جاءت القشة التي تقصم ظهر العلاقات في عدم السماح لوزراء أتراك ومنع السلطات الألمانية لتجمعات الأتراك أو من أصول تركية في حملات تأييد خطط أردوغان والمشاركة في الاستفتاء المزمع إجراؤه في 2017/4/16 في تركيا لتشريع التعديلات الدستورية. ما أدى إلى ردّ عنيف من الرئيس التركي الذي اعتبر أن ذهنية النازية تسود أوروبا. كما شجبت تركيا بغضب تنظيم تظاهرة في مدينة فرانكفورت، رفع خلالها متظاهرون أعلام حزب العمال الكردستاني, وطالبت بـ"الديموقراطية في تركيا" و"الحرية لكردستان". حتى أن المتحدث باسم الرئيس التركي، إبراهيم كالين، اعتبرها «فضيحة جديدة»، في شبكة «سي ان ان ترك»، معبّرا عن استيائه من خروجها وشعاراتها.
لم يصمت الرئيس التركي أردوغان، فكرر هجومه على المستشارة الألمانية ميركل، متهما إياها باللجوء إلى «ممارسات نازية». واتهمت وزارة الخارجية التركية السلطات الألمانية «باعتماد أسوأ نموذج من المعايير المزدوجة» عبر السماح بهذه التظاهرة ومنع وزراء أتراك من المشاركة في حملات تأييد لأردوغان قبل الاستفتاء.
فصل آخر للحكاية بدأ بإعلان رئيس الاستخبارات الخارجية الألمانية برونو كال عدم اقتناعه بتأكيد أنقرة أن الداعية الإسلامي فتح الله جولن كان العقل المدبر لانقلاب 15 تموز/ يوليو الفاشل ضد أردوغان، حيث قال لصحيفة «دير شبيجل»، «حاولت تركيا على مستويات مختلفة أن تقنعنا بهذه الحقيقة، لكنهم لم ينجحوا في ذلك». مما رد عليه بعض المسؤولين الأتراك معبرين عن اعتقادهم بأن الدول الغربية قد تكون ضالعة في المحاولة الانقلابية. وزاد أردوغان من حدّة التصعيد في ذروة فصول الحكاية باعتقاده بأن البرلمان يمكن أن يوافق بعد الاستفتاء على قانون يعيد العمل بعقوبة الإعدام في تركيا، على أن يوقّعه لاحقا. (وكان قرار وقف العمل بعقوبة الإعدام، الذي اتخذ في 2004، شرطا مسبقا للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي).
تتفاقم الأزمة وتتلون عقدها وتشتد بين أنقرة وبرلين وتمتد إلى الاتحاد الأوروبي وربما قد تطول فصول الحكاية!