[author image="http://alwatan.com/styles/images/opinion/abdalahabdelrazak.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. عبدالله عبدالرزاق باحجاج [/author]

ربما علينا أن نتفاءل كثيرا بهذا المرور الذي يصادف اليوم الاثنين أكثر من أي وقت مضى، لأسباب موضوعية، أبرزها، اختبار النوايا وحرصها على تغليب مصلحة الخليج حتى في أسوأ الأزمات الثنائية والجماعية، فقد كانت هناك فرص عديدة وليس فرصة واحدة لقلب أوضاع الخليج عاليها سافلها، لكنه لم يحدث، كما أن هناك مسيرة جماعية يجب أن تكون قد أنضجتها الأحداث الأخيرة التي هزت الخليج، فهل ستبني عليها الأنظمة الخليجية أم ستقفز فوقها كعادتها؟ وأهم نتيجة مستخلصة من التجربة الماضية والتي ينبغي أن تكون حاكمية العمل المشترك هي ضرورة تلاقي كل الإرادات السياسية الخليجية على أية خطوة جديدة في إطار المنظومة الخليجية دون استفراد بالقرار أو حمل الآخرين عليه إكراها، فذلك سيكون مصيره الفشل.
لماذا؟ لشعور كل دولة خليجية من الدول الست مهما كان حجمها الجغرافي ومهما كانت حجتها المالية للآخرين، شعورها بعنصر سيادتها الوطنية إلى درجة الحساسية المفرطة في ظل غياب الثقة الكاملة بين هذه الدول، وليس هناك حتى الحد الأدنى لهذه الثقة بين دول رئيسية وفاعلة، إذا من اسباب الفشل الذي يمكن الحديث عنه اليوم هو عدم بناء ثقة بين الدول الست يمكن أن تكون الأساس الذي يستوعب تطور مسيرة التعاون وصولا إلى الوحدة، وبغياب هذه الثقة، فكيف يمكن الانتقال إلى الاتحاد أو أي شكل من أشكال الوحدة حتى لو جزئية؟ هنا استحالة مطلقة مهما كانت الإكراهات الدافعة للاتحاد لغياب عنصر الثقة خاصة وان في ماضي الخليج القريب والبعيد على السواء ما يجعل دول المنطقة تتوجس من الحاضر كثيرا، لذلك ظل هذه الماضي حاكما للحاضر ومعيقا لتطور المستقبل، بل وملازمته للحاضر بنفس قوة السبعينيات اي قبل تشكيل مجلس التعاون الخليجي عام 1981، فأي تلويح بالوحدة في خضم تلك النفسيات سيعتبر بمثابة محاولة لابتلاع الجغرافيات الخليجية، وهذه أم الثغرات التي لم تردم طوال (33) عاما، وإذا ما ظلت قائمة، فسوف يكون وضع المنظومة التعاونية الخليجية كما هي عليه لمئة سنة مقبلة، وتحديد الفترة الزمنية هنا للدلالة وليس لشرط الوجوب، فهل وضعت الهيئة الاستشارية للمجلس الأعلى لمجلس التعاون يدها على هذا الخلل الكبير أثناء عملية تقييمها للمسيرة الخليجية أم انها غرقت فوق الإشكاليات والمشاكل التي تظهر فوق السطح؟ فهذه الهيئة قد عقدت ندوة للتقييم مؤخرا في مسقط تحت رعاية معالي وزير الدولة للشئون الخارجية، ويفترض منها تقديم مرئياتها للقادة لكي تضعهم أمام كبرى المعضلات التي تلجم انطلاقة مسيرتهم، وقد تم تشكيل هذه الهيئة بناء على مقترح من الكويت عام 1997، وهي تتشكل من ثلاثين عضوا من مواطني دول المجلس الست، حيث تقوم كل دولة بتعيين خمسة اعضاء من مواطنيها، وتكون مدة العضوية ثلاث سنوات قابلة للتجديد، هل يستدعي تشكيل لجنة استشارية بذلك العدد الكبير؟ أنه يبدو لنا معرقلا للإنتاج، كما أن طريقه تعيين الأعضاء سوف يغلب على اجتماعات اللجنة الطابع السياسي، فالأعضاء سوف يدافعون ويروجون لمواقف ومطالب دولهم، وبهذا تنتقل الصراعات من اروقتها السياسية العليا إلى أروقة اللجنة التي يفترض منها أن تكون بمثابة المطبخ السياسي المولد للأفكار أو لإنضاجها، فالخطوة المثلى أن يفتح باب التنافس على عضوية اللجنة بين ابناء دول المجلس بواسطة الأمانة العامة للمجلس لاختيار اثنين من كل دولة وفق سيرهم الذاتية ومؤهلاتهم العلمية، وحتى لما ارادت اللجنة عقد الندوة التقييمية سالفة الذكر، استدعيت شخصيات خليجية معروفة بمواقفها السياسية التي تعبر عن دولها ـ وفق ما أطلعنا على بعض الاسماء ـ وإذا ما كان هذا عاما، فإن عملية التقييم لم تكن سوى رجع الصدى لمواقف الدول المتعارضة والمتباينة، مما ستظل التطورات في الخليج في ملعب السياسيين فقط رغم ان لدينا في الخليج وعيا مجتمعيا كبيرا ورفيعا يفترض أن يتبلور في شكل كيان معنوي مستقل للضغط على الأنظمة باتجاه التطورات التي تريدها الشعوب الخليجية لا أنظمتها فقط، ومع ذلك نظل متفائلين في ضوء انفتاحات اقليمية كبيرة ليس فقط داخل المنظومة الخليجية وإنما كذلك في إطار الجغرافيا الخليجية بعربها وفرسها، بحيث يجعلنا أن نذهب بتفاؤلنا إلى تأسيس عصر خليجي إقليمي جديد غير مسبوق، وهذا سوف يتوقف على الدور العماني، كيف؟ من واقع تجارب الماضي القريب والبعيد، يبدو أن كل شيء لن يتم إلا وفق ما تراه مسقط، ليس قسريا ولا إكراها وإنما رؤية واستشراف لما يجب أن يكون عليه الوضع الإقليمي سواء في إطار المنظومة الخليجية بست دول أو في إطار الكيان الخليجي العام، ونقصد به الدول الثماني المطلة على الخليج، وما تراه مسقط ليس ذاتيًّا خالصا لها، وإنما من منظور المصلحة الاقليمية الجامعة والضامنة لاستقرار المنطقة دون المساس بمصالح دولها وبصرف النظر عن تناقضها السياسية ومصالحها مع الدول الكبرى، ليس مهما أن يتفق معنا الاخوة الخليجيين حول هذه المسألة أم تكون لهم وجهة نظر أخرى، فالتسليم بالرأي الآخر مرحب، ورأينا سالف الذكر لا نطرحه لكي نعطي لبلادنا ميزة تفضيلية أو تفاضلية عن الأشقاء والاصدقاء بقدر ما هي قراءة موضوعية للواقع الخليجي يفرضها المرور السنوي (33) عاما على إقامة مجلس التعاون الخليجي، وهذا يحمل السلطنة مسئولية تاريخية في حمل الكل وعلى قدم المساواة وبتوافق الإرادات السياسية على تأسيس مرحلة جديدة من التعاون والاستقرار الإقليمي من جهة وبلورة منهج جديد لمسيرة التعاون الخليجية ينقلها من سيرها البطء جدا والذي يظهرها بأنها في موقف العاجز إلى سير تحكمه رؤى ومرئيات عقلانية لا رغبات فجائية، فقد قالت السلطنة منذ عدة سنوات (لا) للوحدة النقدية، فأين هي هذه الوحدة الآن؟ وقالت كذلك (لا) لضم الأردن والمغرب للمنظومة الخليجية، قراءة منها لأبعاد وخلفيات هذا الضم،، الآنية والمستقبلية،، وكانت قراءاتها صحيحة، بدليل لم يحدث هذا الضم، وقالت كذلك (لا) للانتقال من التعاون إلى الاتحاد في رؤية منها لعدم اهلية الدول الست جميعها لمرحلة الاتحاد، وكانت هي الأصح كذلك، وقد صاحب اللاءات العمانية مواقف خليجية غاضبة لبسها الكثير من الغموض والانفعال، بينما تميز ردة فعل العمانية بالهدوء وضبط النفس والعقلانية، بل أكثر من ذلك، وهو الاستمرار في قدرتها السياسية على انتاج افعال إقليمية كبرى، وكأن شيئا لم يحدث، بدأت هذه الأفعال من قبل الآخرين وكأنها ذات مصلحة عمانية خالصة كرد فعل فسر بأنه ربما يكون انتقاما ظرفيا ضد قوى كبيرة داخل المنظومة الخليجية، لكن سرعان ما انكشفت الغاية العمانية، حيث لم تكن الشراكة العمانية الإيرانية المتكاملة والشاملة والتي نجمت عن زيارة الرئيس روحاني لبلادنا في ظرفيتها المحتقنة خليجيا ـ خليجيا، وخليجيا ـ ايرانيا، مصلحة خالصة لعمان وإنما خليجية كذلك، فبعيدها وبعدها، توالت الانفتاحات الاقليمية تباعا، الاماراتية الايرانية، الايرانية السعودية سواء بفعل ذلك التقارب العماني الايراني أو عقبها عبر دور عماني مباشر، وهو ما كان غير متوقع مقارنة بحالة التوترات الايرانية السعودية العالية والتي كانت تحمل معها بعض الدول الخليجية بالتبعية لوجود خلافات اصلا مع طهران، ويمكن الاستدلال كذلك على القدرة السياسية العمانية على انتاج الافعال الايجابية لصالح كل الخليج حتى في ظل أسوأ المراحل واحتقاناتها، استضافتها مؤخرا لعملية تقييم مسيرة التعاون الخليجية تحت رعاية معالي وزير الدولة للشئون الخارجية وكأن شئيا لم يكن، وكأن لم يكن هناك قمة تشاورية منتظرة الشهر الجاري لبحث دعوة العاهل السعودي للانتقال للاتحاد الذي رفضته السلطنة ثلاث مرات على مدى الستة اشهر الماضية تقريبا، وحتى الآن لم يعرف ما إذا كانت هذه القمة ستعقد بالفعل أم لا، وهذا الشهر أوشك على الانتهاء.
والمطلوب من السلطنة خلال المرحلة المقبلة تبني مبادرة بناء الثقة بين الدول الثماني المطلة على الخليج، وهي بالإضافة إلى الدول الست ايران والعراق على أن تنضم اليمن لاحقا عندما يستتب الامن والاستقرار فيها، وقد يستتب لو تمكنت الدول الثماني من بناء الثقة، والسلطنة أفضل الامكنة المناسبة لعقد قمة الثماني، وقادرة على خلق مناخات نجاحاتها عبر حمل الجميع على التوصل إلى ميثاق خليجي شامل يضمن الأمن في الخليج ويؤسس لعلاقات اقتصادية بين الدول الثماني على اساس تثبيت الجغرافيا القائمة بأوضاعها القانونية والسياسية الراهنة حتى تؤتي عملية بناء الثقة نتائجها لمصلحة أنظمة وشعوب المنطقة، عندها قد يتولد الحل بصورة تلقائية مجموع المصالح المتداخلة والمتشابكة، وكلما انعكست تلك المصالح على رفاهية الشعوب كلما تقلص هامش الخلاف الجغرافي، وكذلك على اساس أن يكون تأسيس الثقة بمنأى عن اية إكراه مذهبي مع تعهد الدول بعدم دعم المذهبية وحصرها داخل حدودها الوطنية ..للموضوع تتمة.