” يجب أن تحاول الولايات المتحدة التوصل إلى تفاهم أوسع، حيث يمكنها أن تعرض المساعدة من أجل تمثيل أكبر للصين في المؤسسات الاقتصادية الدولية، بما يعكس صعود القوة الاقتصادية للصين. فالصين تشكو من أنه لا يتم تمثيلها بالشكل الكافي على الرغم من الصعود السريع لقدرتها الاقتصادية.”
ـــــ
من المرجح أن يشهد عام 2014، الذي يمثل السنة المئوية لاندلاع الحرب العالمية الاولى، توترات في شرق آسيا أكبر من أي وقت آخر في العقود الأخيرة، حيث يبدو أن الصين القوة الصاعدة مصممة على تحدي الوضع القائم فيما يتعلق بالقضايا الأمنية في ظل غياب أي محاولات دولية جادة لايجاد صيغة للتعاطي مع المشكلة عن طريق الحوار. فبعد دفع مطالبها الاقليمية ضد الفلبين واليابان خلال العامين الأخيرين، تعزز الصين حاليا جهودها من أجل إحكام السيطرة على بحر الصين الجنوبي.
على سبيل المثال، أعلنت الحكومة الصينية انه بداية من الاول من يناير الماضي، يتعين على سفن الصيد الاجنبية الحصول على موافقة الحكومة المحلية الصينية في مقاطعة هاينان قبل الصيد او المسح في ثلثي بحر الصيني الجنوبي الذي تدعي الصين ملكيتها لها.
وقد علقت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية جين بساكي على تصرف الصين بأنه" تصرف استفزازي وخطير." ويحدث ذلك بعد أقل من شهرين من إعلان الصين منطقة دفاع جوي وما تلا ذلك من رحلة طيران لراجمتين اميركيتين بي 52 عبر المنطقة المعلنة بأنها منطقة دفاع جوي. كما تحدت اثنتان من حلفاء الولايات المتحدة وهما اليابان وكوريا الجنوبية اعلان الصين منطقة الدفاع الجوي الامر الذي يصعد التوتر الدولي.
وتثير تلك العلاقات الأمنية المتردية في شرق اسيا القلق على وجه خاص لانه لا توجد أي قيادة سياسية في البلدان الرئيسية مستعدة للتصرف بحسم مع رؤية لاحلال سلام دائم في المنطقة. فأغلب تلك القيادات أسيرة مصالحها الوطنية الضيقة. وإذا استمر الاتجاه الحالي، فمن المرجح بشكل كبير أن تكون هناك تطورات للأحداث تسير في الاتجاه الخطير وفي أسوء الاحوال يمكن ان تنتهي إلى وضع كارثي.
وسيكون ذلك ضارا بكل دول شرق اسيا، وإن كان للصين بشكل خاص. فالتوتر المتصاعد سوف يجعل جيران الصين عصبيين ويدفعهم الى الاعتماد بشكل اكبر على الولايات المتحدة في أمنهم. وسوف يؤدي هذا بدوره الى تواجد اميركي اكثر بروزا في شرق اسيا وهو ما تسعى الصين بالضبط الى تجنبه بتصرفاتها.
وبناء عليه، فان محاولات الصين تعزيز نفوذها بوصفها قوة صاعدة بطريقة جازمة سوف يكون لها نتائج عكسية بالفعل ويترتب عليها تطويق غير مقصود للصين من قبل جيرانها. والمفارقة هي ان هذا المأزق الامني كان بالتحديد ما حدث في اوروبا عندما شرع القيصر فيلهلم الثاني، الواثق من القوة الصاعدة لالمانيا، في ممارسة دبلوماسية استعراض العضلات في 1890. وتكمن الطريقة الاكثر حكمة في زيادة نفوذ الصين في اكتساب قلوب شعوب شرق اسيا وتعميق الترابط الاقتصادي وليس عن طريق استعراض قوتها العسكرية بشكل متهور.
فضلا عن ذلك فإن دفع اليابان بعيدا جدا في نزاعات حول بحر الصين الشرقي يمكن ان يكون له نتائج عكسية على المدى البعيد. فالزعماء السياسيون في اليابان يدفعون صوب برنامج إعادة التسليح في السنوات الاخيرة خوفا من التهديد المتصور من الصين الصاعدة. وإذا شعروا أنهم مهددون بشكل أكبر من قبل الصين وأقل اطمئنانا بشأن عزم الولايات المتحدة الدفاع عن اليابان، فربما يحاول الزعماء السياسيون اليابانيون الاستقلال عن الولايات المتحدة بل والتفكير في الخيار النووي بوصفه الملاذ الأخير. وسوف يكون ذلك تطور خطير صوب وضع فوضوي يجد الزعماء السياسيون بمقتضاه انه من الصعوبة بمكان السيطرة على مما تتكشف عنه الاحداث الدولية.
وهذا هو السبب في انه يتعين على الولايات المتحدة ان تكون اكثر ايجابية في الاستجابة للأحداث اليومية في شرق اسيا. والأهم من ذلك كله، هو أنه يجب عليها أيجاد صيغة جديدة للتعايش السلمي مع الصين. فعلى الرغم من أن الصين يمكن ان تطالب بوضع أكثر مساواة في كل من المجالين الاقتصادي والعسكري عن طريق شعارات مثل تشكيل نوع جديد من العلاقة بين القوى الكبرى، فعلى الولايات المتحدة ألا ترفض صراحة فكرة مناقشة شكل جديد للتعايش السلمي مع الصين.
بل يجب ان تحاول الولايات المتحدة التوصل الى تفاهم أوسع، حيث يمكنها ان تعرض المساعدة من أجل تمثيل أكبر للصين في المؤسسات الاقتصادية الدولية، بما يعكس صعود القوة الاقتصادية للصين. فالصين تشكو من انه لا يتم تمثيلها بالشكل الكافي على الرغم من الصعود السريع لقدرتها الاقتصادية. وبدورها فإن الصين يمكن ان تتعهد باحترام الأعراف والمؤسسات القائمة لصالح التعاون الاقتصادي الدولي بدلا من محاولة تحديها. وعلى أي حال فإن الصين تستفيد وسوف تستمر في الاستفادة من المشاركة بشكل نشط في المؤسسات الدولية القائمة على الرغم من انها لم تشارك في عملية تأسيسها.
أما في المجال الأمني، يتعين أن تكون الولايات المتحدة اكثر التفاتا لمخاوف الصين. على سبيل المثال، فإن تايوان تمثل منذ زمن طويل القلق الأهم بالنسبة للصين. ويمكن للولايات المتحدة ان تعرض خفض مبيعات الاسلحة لتايوان آخذة بعين الاعتبار العلاقات المواتية عبر المضايق هذه الايام. ولا يتطلب ذلك بالضرورة تعريض العلاقات الاميركية ـ التايوانية للخطر، بل ارسال اشارة ايجابية للصين بما يسهم في بناء ثقة متبادلة. وبدورها فان الصين يمكن ان تتعهد بعدم تحدي الوضع القائم في قضايا بحر شرق الصين وبحر الصين الجنوبي.
ربما تعتقد الصين ان اليابان هي التي تحدت الوضع القائم اولا عن طريق شراء الحكومة اليابانية لجزر سينكاكاو. مع ذلك فاذا دفعت الصين اليابان بعيدا في هذه النزاعات الاقليمية، فإنها ستجعل التدخل الاميركي حتميا وتشعل جولة اخرى من التصعيد الخطير للصراعات. كما ان محاولات الصين تعزيز سيطرتها على بحر الصين الجنوبي سيترتب عليها نتيجة مماثلة لانها تلامس قضية اساسية وهي تأمين عبور آمن للسلع التجارية لليابان وكوريا الجنوبية حليفتا الولايات المتحدة.
في هذا العام يجدر بالزعماء السياسيين في شرق اسيا ان يتعلموا دروس الحرب العالمية الاولى. فقد حان الوقت لهم، ولاسيما قادة الولايات المتحدة والصين، للخروج من سياسة التراخي والعمل بحسم على تحقيق تفاهم أكبر من اجل سلام دائم.

يون يونج ـ كوان وزير خارجية سابق في كوريا الجنوبية وأستاذ في قسم العلاقات الدولية بالجامعة الوطنية بسيئول .خدمة جلوبال فيوبوينت ـ ام سي تي خاص"الوطن"