تخللته مهمة ميدانية قام بها أربعة مختصين عمانيين في مجال الحياة البرية

ياسر السلامي : الباحثين العمانيين أثبتوا جدارتهم، وهذا مفخرةً واعتزازًا وتأكيدًا للقدراتِ والكفاءاتِ العمانية

منصور الجهضمي: مرجع علمي لتوثيق الحياة البرية الموجودة حول بيئة الطائر إضافة للترويج السياحي للسلطنة

هينينج شوارز: اعتمدنا على تكنولوجيا التحكم عن بعد التي مكنتنا من الحصول على صور مميزة دونما إزعاج للصقور

روبن جان: نحن محظوظون أننا لم نكن دخلاء على بيئتها ولم نكن مزعجين ولا منفرين لها

متابعة ـ فيصل بن سعيد العلوي : ـ
دشن مساء أمس ديوان البلاط السلطاني ممثل بمكتب حفظ البيئة الفيلم الوثائقي "المهاجر .. الصقر الأدهم في سلطنة عمان" في نادي الواحات تحت رعاية معالي السيد خالد بن هلال بن سعود البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني بحضور عدد من أصحاب المعالي والسعادة والباحثين والمهتمين في شؤون البيئة إضافة إلى وسائل الإعلام المختلفة. الفيلم الوثائقي "المهاجر .. الصقر الأدهم في سلطنة عمان" يوثق قصة حياة واحد من أبرز الصقور المهاجرة في السلطنة والذي يدعى بالصقر الأدهم ، حيث يروي الفيلم هجرة هذا الطائر التي تبدأ من افريقيا متجهةً الى أرخبيل الجزر العمانية "الديمانيات" وجزيرة "الفحل" ابتداءً من شهر مايو وحتى بداية شهر نوفمبر بغرضٍ التكاثر على الشريط الساحلي من بحر عمان تحديدا .
الفيلم سيتم تسويقه لبيعه على محطات عالمية ومحلية وضم في طاقمه في تصوير الفيلم وإدارة التصوير ومعالجة الفيلم روبن جان وساره هيربورت ، والمنتج المنفذ هينينج شوارز وخالد التوبي ، اما التعليق على الفيلم فلحسن الفارسي ، وأرني هيجر ، وستيفن شارلز ، وكريستوف لاسكومبس. والإشراف العام ياسر بن عبيد السلامي مدير عام مكتب حفظ البيئة ، والدكتور منصور الجهضمي مدير المشروع ، والإشراف العلمي الدكتور مايك مكجريدي ، وفريق العمل ضم وحيد الفزاري وسلطان البلوشي وعبدالرحمن العويسي. وأنتج "الفيلم" بأربعِ لغاتٍ عالمية هي الإنجليزية والفرنسية والألمانية بالإضافة الى اللغةِ العربية ، وهو من تنفيذ شركة مشاريع التنمية المستدامة الوطنية ، وأُنتج بالتعاون مع جمعية حماية صقر الشاهين فرع مدغشقر ، ومؤسسة أبحاث الطيور الدولية ، واليخوت السلطانية لشؤون البلاط السلطاني ، وبالتعاون من وزارة البيئة والشؤون المناخية وشرطة عمان السلطانية ،وجامعة السلطان قابوس.
تخلل الفيلم ـ الذي دشن مساء أمس ـ مهمة عمل ميداني قام بها أربعة مختصين عمانيين في مجال الحياة البرية حيث يعرض الفيلم دورة حياة هذا الطائر الفريد ابتداء من مرحلة تزاوجه ثم تكوين اعشاشه ووضع البيض ثم رعايته لصغاره حتى تكبر وتصبح قادرة على التحليق ومستعدةً لطريق الهجرة عبر الصحراء وقطع البحر الأحمر متجهةً الى سواحل افريقيا بجمهورية مدغشقر .
واثناء هجرته من السلطنة الى سواحل افريقيا يُظهر الفيلم بعض معالم الحياة البرية التي تراها عين الصقر اثناء ترحاله ، والمخاطر التي يتعرض لها اثناء ذلك حتى يصل الى مدغشقر ليقضي فترة الشتاء ، ليروي بأسلوب مشوق بعد ذلك حياته المختلفة التي يعيشها هناك ، وفي نهاية الفيلم يعود الصقر الأدهم (المهاجر) الى السلطنة كمحطةٍ له في هجرته السنوية والتي يعتبرها محطةِ أمانٍ له لقضاء فترةٍ حساسة من حياته وهي مرحلة التزاوج والاكثار .
من جانب آخر الفيلم يوثق كذلك اعمال مكتب حفظ البيئة كالمسوحات والأعمال الميدانية التي قام بها لتكوين قاعدة بيانات من خلال تحجيل وترقيم الطائر ، ومراقبة اعداده ومتابعة بيضه واعشاشه وجمع عينات الدم والريش ومقاساته واوزانه، وتمييز الذكور والاناث عن طريق التحليل المخبري الوراثي لعينات الدم . كما ان الفيلم يوثق مرحلة وضع أجهزة التعقب التي تم تركيبها في عددٍ من طيور هذا الصقر لتتبع مسار هجرتها وتعقبها عبر الأقمار الاصطناعية ، وتوثيق قاعدة بيانات حول ذلك المسار، وتحليل جميع البيانات المتعلقة به ، حيث تم تحجيل عدد 476 طائرا من الصقر ليتم تعقبها.
ويبرز الفيلم في مشاهد من الجانب السياحي في السلطنة وذلك بعرض بعض المسارات التي يسلكها الصقر اثناء هجرته كمروره على بعض المحطات السياحية في السلطنة كولاية نزوى والربع الخالي ، ومحطات سياحية أخرى شهيرة في جمهورية اثيوبيا كبحيرة ( تانا ) ، حيث يقطع الصقر الادهم وصولا الى مدغشقر حوالي 7 الآف كيلومتر في كل رحلة .

كلمة حفظ البيئة
وكان قد القى المدير الإقليمي لإتفاقية الأنواع المهاجرة لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة كلمة تحدثت عن دور الأمم المتحدة في البرنامج الذي تتبناه تلك الاتفاقيات. تلاه عرض فيلم توعوي قصير. كما قدم ياسر بن عبيد بن موسى السلامي مدير عام مكتب حفظ البيئة بديوان البلاط السلطاني كلمة قال فيها : في إطار الدراساتِ البحثيةِ للصقرِ الأدهم سعى المكتبُ بإتباعِ النهجِ العلمي، حيث بدأت المسوحاتُ العلميةُ عام 2007م. وقد بلغ عدد الصقور التي تم تحجِِيلُ سيقانها (بحجل معدنيٍ وآخرَ رقمي) من أجلِ التعرفِ عليها عند عودتها للسلطنة أربعمائة وستة وسبعون (476) طائرًا. بينت الدراسة أن نسبة 12% فقط من صغار الصقر الأدهم تبقى على قيد الحياة قبل وصولها سن التكاثر (3.8 سنوات) وتكون فرص البقاء للطيور البالغة بنسبة 57%. وهذه النتائج تعكس مدى المخاطر التي تتعرضُ لها أثناء رحلةِ هجرتِها الطويلة وتدلُّ على أن تِعدادها العالمي في تناقصٍ مستمر.
ومن خلالِ المشروع تم تعقبُ رحلة عدد عشرةٍ (10) من الصقور بأجهزة تعمل عبر الأقمار الاصطناعية ، وتم فتح موقع الكتروني عالمي للعرض المباشر لنتائج تحليل البيانات والمعلومات، لسبرِ أغوارِ رحلةَ الهجرةِ للصقر الأدهم، وأظهرَ متابعةً عالميةً من مختلفِ الدُّول، ويتضحُ أن الصقورَ خلالََ رحلةََ الهجرةِِ من السلطنة إلى جمهوريةِ مدغشقر تقطعُ مسافة تتجاوز (7000) سبعةَ الآف كيلومتر وتحطُ عَبْرَ عدةِ محطاتٍ دوليةٍ خلالَ مسارِ الهجرة.
كما قام مكتبُ حفظَِ البيئة كذلك بنشرِ بعضَ نتائجَ دراساتِ مشروعِ الصقرِ الأدهم في بحوثٍ علميةٍ بمجلاتٍ علميةٍ محكمةً دوليًا وبعضُ النتائجَ العلميةَ الأخُرى طََورَ الإجازةِ العلميةِ للنشرِ أو التحليل .
وأضاف "السلامي" : تشيرُ الاحصائياتِ الدوليةِ إلى تسجيلِ عدد (528) خمسمائةٍ وثمانيةٍ وعشرين نوعاً مختلفاً من الطيور بالسلطنة، وهو ما يشكلُ حوالي 5% من عددِ أنواعِ الطيورِ بالعالم التي تفوقُ عشرةَ الآف نوع. وتشكلُ الأنواعَ المهاجرةَ ما يربو على 80% من أنواعِ الطيورِ المسجلة ِبالسلطنة.
الطيورُ المهاجرةُ لمسافات طويلة مثل الصقر الأدهم لا تعرفُ الحدودَ الجغرافية، وتقدمُ العديدَ من الخدمات، وتشكلُ جزءًا رئيسيًا من النظام البيئي، حيث تتغذى على ملايين الحشرات وتعملُ على تحسينِ هذا النظام، حيثُ تؤثر وتتأثر به، ومما لا شك فيه أن الخالق سبحانه وتعالى لم يخلق شيئًا عبثًا وإنما بقدرٍ موزونٍ وحكمةٍ بالغة، قد يدركُها الإنسان وقد لا يدركها.
إن جهود الصون والمحافظةُ على أنواعِ الكائناتِ الحيةِ المهاجرة التي تتعرضُ لكثيرٍ من التحدياتِ والمصاعب تهدَّدُ بقاءَها على قيد الحياة. ويتعينُ أن تشملَ الجهودَ المبذولةَ نطاقَ انتشارِ تلك الكائنات عبر الحدود الجغرافية الدولية، وفيلم الصقر الأدهم يعكسُ الطبيعةَ الدوليةَ لانتشارِ أحدَ أنواعِ الطيورِ الجارحة المهاجرةِ المهددةِ بالإنقراض، ويُبرزُ الفيلم أهميةَ تظافر جهود الصون من قبل الجهات المعنية بالبيئة على المستوى الدولي .
وأود في هذا المقام أن أُؤكَد لكم أن فريقَ البحثِ العلمي بمشروع الصقر الأدهم، من موظفي مكتب حفظ البيئة، يتكون من الباحثين العمانيين الذينَ أثبتوا جدارتهم، وهذا مفخرةً واعتزازًا وتأكيدًا للقدراتِ والكفاءاتِ العمانية، عندما تحظى بالثقة ويوفرُ لها الدعَم المناسب.

تدشين الفيلم
بعدها قام معالي السيد خالد بن هلال بن سعود البوسعيدي وزير ديوان البلاط السلطاني بتدشين الفيلم الذي عرض للحضور لمدة ساعة كاملة ، بعدها قام معالي السيد راعي المناسبة بتقديم هدية لمخرج الفيلم وفي الاثناء تم استعراض صور مختلفة لفريق العمل.

حياة تُروى
وحول هذا المشروع يقول الدكتور منصور بن حمد بن منصور الجهضمي مدير إدارة الشؤون البيئية والمها العربية بمكتب حفظ البيئية بديوان البلاط السلطاني : "السلطنة مسجل فيها اكثر من 528 نوعا من الطيور معظمها مهاجر وبعض منها مستوطن ؛ والصقر الادهم تحديدا واحد من الطيورِ الجارحة المهاجرة التي لها دورة حياة مميزة تختلف عن الطيور الأخرى تستحق ان تروى في فيلم كمثال جيد لصون الأنواع الأخرى من الطيور المهاجرة المهددة بالانقراض بشكلٍ خاص كونها تقطع مسافات طويلة محفوفة غالباً بالمخاطر لتأمن في رحاب السلطنة في مرحلة التكاثر ؛ وصونها يتطلب تضافر وتكاتف الجهود على المستوى الدولي لان الطيور المهاجرة تنتقل عبر دول كثيرة ، واي تهديدات ومخاطر تتعرض لها في أي من هذه الدول سوف يؤثر تلقائيا على التعداد العالمي لذلك النوع من الطيور." .
ويضيف "مدير إدارة الشؤون البيئية والمها العربية بمكتب حفظ البيئية : "بالإضافة الى عمليات الصون التي يسعى مكتب حفظ البيئة لها من خلال انتاج هذا الفيلم ، فانه يخدم عملية الترويج السياحي لبعض الأماكن السياحية في السلطنة وفي جمهورية اثيوبيا من خلال ابرازها بالصوت والصورة في بعض أجزاء الفيلم ، الذي يبرز الدراسات والاعمال الميدانية التي قامت بها السلطنة متمثلة في مكتب حفظ البيئة والتي اشيد بها عالميا حول هذا الطائر العجيب ، كما ان الفيلم يعتبر مرجعا علميا ممتازا لتوثيق الحياة البرية الموجودة حول بيئة هذا الصقر في جزر الديمانيات والفحل تحديدا سواء داخل البحر او على الساحل والجزر نفسها والبيئة البحرية حولها ، تلك المواقع وغيرها من المواقع في السلطنة تعتبر محطة مهمة للأنواع المهاجرة وهو إن دل فهو يدل على موقع السلطنة الاستراتيجي بين ثلاث قارات كنقطة عبور مهمة لهجرة تلك الطيور من الجنوب الى الشمال والعكس ".
وقد قدم مكتب حفظ البيئة أبحاثا علمية محكمة منشورة في دوريات علمية للدراسات التي قام بها خلال السنوات الماضية من عام 2007 وحتى 2017 وسيتوالى نشر العديد من الدراسات الأخرى لجوانب متعددة ذات صلة لتثري الجانب العلمي لبحوث ودراسات الصقر الأدهم على المستوى الدولي .

مراقبة عن كثب
يقول الألماني هينينج شوارز المنتج المنفذ للفيلم: " استعنا في تصوير الفيلم بمصور حترف يدعى "روبن يان" له باع طويل في تصوير أفلام الطبيعة والطيور والتي نالت الإشادة مرات عديدة على الصعيد الدولي ، بالإضافة الى مساعدته سارة هيربورت وقد اعتمدنا في تصوير الفيلم على تكنولوجيا التحكم عن بعد التي مكنتنا من الحصول على صورٍ مميزة من على بضعة سنتيمترات فقط ، دونما إزعاج للصقور، ولقد كان فريق التصوير مرافقاً للصقور خلال رحلتها الطويلة يرقبها عن كثب ويستطلع احوالها ، حيث توقفت الصقور في اثيوبيا ، حتى وصلت في نهاية المطاف الى مدغشقر "

شغف كبير
وحول ما يميز الفيلم يقول روبن جان مصور الفيلم الرئيسي :" نحن محظوظون لتمكنا من التقاط بعض الصور التي لم يتم تصويرها بهذه الطريقة ومن الأمثلة على ذلك الفاصل الزمني للصقر الأدهم من على تاج شجرة "الباوباب" العملاقة على الساحل الغربي لمدغشقر "
ويضيف المصور "روبن جان" : شغفنا الكبير ان نضع الجمهور قريبا من بطل هذه القصة "الصقر الأدهم" بما في ذلك فترات التغذية ، ولحظات اللهو والمرح التي وصلت أحيانا الى ان تعتلي الصقور كاميرات التصوير غير مكترثة بها وبذلك ضمنا اننا لم نكن دخلاء على بيئتها ولم نكن مزعجين ولا منفرين لها ، وعلى سبيل الطرافة حدث ان قامت بعض الصقور بتحريك وإمالة الكاميرا الامر الذي شكل تفاعلا مميزا وأكسبنا لقطات أثرت مادة الفيلم ".