” ..على الرغم من إصرار الحكومة على أنها قادرة على التعامل مع بوكو حرام بمفردها، فقد تقبلت المساعدة من حكومات أخرى، وأبرزها الولايات المتحدة، التي أرسلت مؤسستها العسكرية بالفعل خبراء للمساعدة في تقديم المساعدات الفنية لقوات الأمن النيجيرية. وأعلنت زوجة الرئيس جودلاك جوناثان أنها قد تدخل غابة سامبيسا اللعينة بنفسها،”
ـــــــــــــــــ
على مدى شهر مر منذ اختطفت الجماعة الإسلامية المسلحة "بوكو حرام" أكثر من 200 فتاة من مدرسة ثانوية في منطقة الحكومة المحلية شيبوك في ولاية بورنو بنيجيريا، التزمت السلطات الصمت على نحو مذهل. وقد ألهم هذا الصمت المواطن مجموعة من المواطنين النيجيريين المذهولين إنشاء الهاشتاج التالي على موقع تويتر: أعيدوا إلينا فتياتنا (#BringBackOurGirls)، على أمل أن يعمل هذا الطلب البسيط على تحفيز الحكومة وحملها على التحرك. ولكن هي يتمكن "ناشطو الهاشتاج" في دولة حيث لا يجد المواطنون سوى خيارات ضئيلة لمحاسبة المسؤولين من إحداث فارق حقيقي؟
كانت ردة فعل الحكومة النيجيرية متعثرة الخطوات. ففي البداية، أطلقت المؤسسة العسكرية بياناً بأن الفتيات أفرِج عنهن، ثم تراجعت عن البيان عندما تبين أنه غير صحيح، الأمر الذي أدى إلى تأجيج الغضب الشعبي. وسرعان ما خرجت وسائل الإعلام عن سيطرة السلطات، الأمر الذي أرغمها على محاولة احتواء الضرر مع استعداد البلاد لاستضافة المنتدى الاقتصادي العالمي حول إفريقيا في أبوجا عاصمة نيجيريا.
وعلى الرغم من إصرار الحكومة على أنها قادرة على التعامل مع بوكو حرام بمفردها، فقد تقبلت المساعدة من حكومات أخرى، وأبرزها الولايات المتحدة، التي أرسلت مؤسستها العسكرية بالفعل خبراء للمساعدة في تقديم المساعدات الفنية لقوات الأمن النيجيرية. وأعلنت زوجة الرئيس جودلاك جوناثان أنها قد تدخل غابة سامبيسا اللعينة بنفسها، في حين اتهمت المحتجين من شيبوك بالانتماء إلى بوكو حرام. وفي البداية أعربت وزيرة المالية نجوزي أوكونجو إيويالا عن تعاطفها مع الفتيات المختطفات، قبل أن تفاجئ الجميع في مقابلة أجريت معها أنها سأمت من الإجابة على الأسئلة عن هذه القضية.
من المهم هنا أن نلاحظ أن هذه ليست المرة الأولى التي تختطف فيها بوكو حرام فتيات صغيرات أو تلحق الأذى بأطفال. فتفاصيل مقتل 43 تلميذاً في الكلية الحكومية الفيدرالية في بوني يادي، و78 آخرين في كلية الزراعة في أبوجا، متاحة للجميع لدراستها. وعلاوة على ذلك فإن القصص عن العنف الجنسي ضد الفتيات الصغيرات كثيرة. وحتى بعد الاختطاف الجماعي الأخير، تم اختطاف ثماني فتيات أخريات في حكومة جوزا المحلية في ولاية بورنو الواقعة على الحدود شيبوك.
الواقع أن كل هذه القصص تثير الرعب واليأس في أنفس أغلب النيجيريين. ولكنهم عاجزون عن القيام بأي شيء تقريبا ـ ولا ينبغي لهم أن يقوموا بأي شيء. فالدولة هي التي تتحمل في نهاية المطاف المسؤولية عن ضمان أمن مواطنيها. والحق أن شعور الآباء في شيبوك وغيرهم من الناشطين بأنهم ملزمون بالدخول إلى غابة سامبيسا حاملين الهراوات والعصي والسواطير بعد عمليات الاختطاف لا يشير إلا إلى فشل الحكومة في الوفاء بالتزاماتها.
ورغم أن 56 مليون مواطن نيجيري على وسائل الإعلام الاجتماعية يمثلون أقل من نصف سكان البلاد، فقد تمكنوا من إطلاق حوار عالمي وجذب الاهتمام الدولي، الأمر الذي يجعل من المستحيل تجاهلهم صراحة.
لا شك أن نشاط النيجيريين على شبكة الإنترنت ليس بالمؤشر الجيد للمزاج الوطني دائما. على سبيل المثال، كان مشروع القانون المناهض للمثلية الجنسية والذي تحول إلى قانون في العام الماضي يحظى بشعبية أكبر كثيراً خارج الإنترنت مقارنة بشعبيته على الإنترنت. وعلى النقيض من هذا، كان الغضب الذي أثاره مقطع الفيديو لامرأة شابة تتعرض للاغتصاب الجماعي، أكثر وضوحاً على الإنترنت، حيث ظهر هاشتاج تويتر (#ABSURape)، مقارنة بالغضب على وسائل الإعلام التقليدية.
ورغم هذا فإن أنجح الجهود التي يقودها مواطنون لمحاسبة الحكومة جاءت في أعقاب محادثات من قِبَل كتلة حرجة من النيجيريين على شبكة الإنترنت. على سبيل المثال، كان قرار إلغاء إعانات دعم الوقود، الذي تسبب في زيادة حادة في أسعار الوقود، سبباً في تحفيز مناقشات على شبكة الإنترنت حملت علامة الهاشتاج #OccupyNigeria ــ وهي المناقشات التي امتدت إلى خارج شبكة الإنترنت إلى المحتجين في بعض مدن نيجيريا الكبرى.
وعلى نحو مماثل، كان الهاشتاج #Aluu4، الذي نشأ في أعقاب إعدام أربعة شبان بدون محاكمة بعد اعتبارهم عن طريق الخطأ لصوصاً بالقرب من جامعة بورت هاركورت، سبباً لفت انتباه وسائل الإعلام إلى عنف العصابات في نيجيريا. كما كانت الاحتجاجات باستخدام الهاشتاج #ChildNotBride هي التي أرغمت الجمعية الوطنية على الدفاع عن قرارها بعدم إزالة القسم 29.4 (ب) من الدستور، والذي ينص على أن أي امرأة متزوجة، بصرف النظر عن عمرها، مؤهلة كأنثى بالغة، الأمر الذي يسمح لزوجها بإرغامها على التخلي عن حقوقها كمواطنة نيجيرية.
وعلى نحو مماثل، بدأت حملة أعيدوا إلينا فتياتنا على شبكة الإنترنت بعد خطاب اليوم العالمي للكتاب الذي ألقاه الكاتب المسرحي النيجيري الشهير وول سوينكا، والذي دعا فيه جوناثان إلى "إعادة التلميذات". وسرعان ما تُرجِم تعبير النيجيريين عن الغضب على شبكة الإنترنت إلى عمل منظم خارج الإنترنت، بقيادة الوزيرة الحكومية السابقة أوبي إيزيكويسيلي (التي تحدثت أيضاً في اليوم العالمي للكتاب) وقادة المجتمع المدني، بما في ذلك المحامية مريم عويس، وهاديزا بالا عثمان. وانتشرت الاحتجاجات في مختلف أنحاء نيجيريا، فضلاً عن بلدان حيث تعيش جاليات نيجيرية كبيرة، مثل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وجنوب إفريقيا وكندا.
وقد أولت وسائل الإعلام الدولية الحدث اهتماماً جزلا، فأوردت التقارير عن الاحتجاجات والاعتصامات. كما هيمن التحدي الأمني الذي تواجهه نيجيريا على المناقشات أثناء انعقاد المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخراً في أبوجا، حيث كشف مبعوث الأمم المتحدة الخاص لشؤون التعليم العالمي، ورئيس الوزراء البريطاني السابق جوردون براون، النقاب عن مبادرة المدارس الآمنة.
إن حملة وسائل الإعلام الاجتماعية التي أحاطت بالهاشتاج "أعيدوا إلينا فتياتنا"، والتي هي بكل تأكيد أكثر أهمية من مجرد نداء متألم من قِبَل مواطنين مهتمين، تشكل جزءاً ساطعاً من وعي النيجيريين بضرورة محاسبة حكومتهم. ومع اقتراب الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في فبراير/شباط 2015، فإن التساؤلات الأكثر أهمية على الإطلاق هي ماذا قد يفعل النيجيريين بوعيهم السياسي الناهض، وما مدى استعدادهم لاستقبال نوع جديد من الزعامة القادرة على بناء الدولة التي يريدونها ويستحقونها. لكي يدخل النيجيريون عصراً جديداً أكثر أملاً وإشراقا، فيتعين عليهم أن يثبتوا لأنفسهم أولاً أنهم مواطنون جديرون بالحياة في ذلك العصر.

ساراتو أبيولا * كاتبة ومدونة تقيم في أبوجا بنيجيريا. ونشر هذا المقال تضامنا معها من صندوق تنمية المرأة الإفريقية، وهي مؤسسة مانحة تتخذ من أكرا بغانا مقراً لها