اليوم السابع والعشرون من رجب وهو يوم من الأيام الخالدة في التاريخ الإسلامي لما شهده من معجزة عظيمة كانت إحدى دلائل مكانة رسالة الإسلام الخالدة والمباشرة الفعلية بنشر نور الهدى والإيمان والرشاد إلى البرية، وإحدى الدلائل الكبرى على عظمة رسول الهدى محمد صلى الله عليه وسلم ومكانته بين الأنبياء والرسل، لتكون رحلة الإسراء والمعراج التي تحل ذكراها الخالدة اليوم خصيصة من خصائص التعظيم والتشريف لخاتم الأنبياء والرسل عليه الصلاة والسلام.
إن ذكرى الإسراء والمعراج تقدم دروسًا بليغة للمسلمين في مشارق الأرض ومغاربها، لعلنا نلتمس بعضها في المعاني والدلالات التي ينطوي عليها توقيت الحدث، فقد جاء بعد وفاة أبي طالب عم الرسول صلى الله عليه وسلم، الذي كان يمده بالعون والتأييد ويحول بينه وبين محاولات المشركين للنيل منه والفتك به، ولم ينفكوا يتربصون به الدوائر، ثم وفاة السيدة خديجة رضي الله عنها بعد ذلك، وهي التي كانت نعم الزوجة والرفيق والنصير للرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، ثم رحلته إلى الطائف يلتمس التأييد والمناصرة من أهلها فلم يصادف إلا الاستهزاء من زعمائها وسفهائها، بل أرسلوا صبيانهم وصغارهم ليرموه بالحجارة حتى أدموا ساقيه الشريفتين، وهناك دعا ربه يشكو إليه ضعفه وقلة حيلته وهوانه على الناس، فجاءه جبريل عليه السلام وأخبره أن ملك الجبال يمكن أن يطبق الجبلين على الطائف وأهلها، وكان الرد الكريم بأنه ـ عليه الصلاة والسلام ـ يرجو الله أن يأتي من أصلاب هؤلاء من يؤمن بالله.
فما يمكن أن يخرج به المسلم الحق من هذه الحادثة العظيمة في تاريخ الإسلام، مجموعة من الدروس والعبر من شأنها أن تنيره في حياته وفي سلوكه وتصرفاته القولية والفعلية، ومن هذه الدروس:
أولًا: الاطمئنان إلى نصر الله تعالى مهما اشتد الخطب وادلهمت الظروف وأحلكت الأوقات، فدائمًا يأتي اليسر مع العسر والفرج مع الشدة والضيق، والمهم هو عدم اليأس والقنوط، بل الاستمرار في الثبات على المبدأ والأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله تعالى والدعاء إليه التماسًا لمدده ونصره.
ثانيًا: التحلي بالصبر والجلد مهما كانت الشدائد، والانحياز دائمًا إلى الحكمة والموعظة الحسنة والدعوة إلى سبيل الله والجدل مع الغير بالتي هي أحسن، فما كان أيسر على الرسول الكريم أن يأمر ملك الجبال فيطبقها على من آذوه وسخروا منه واستهزأوا بدعوته، لكنه لم يفعل ذلك لأنه نبي الرحمة حتى بمن آذوه، وصاحب مبدأ وحق.
ثالثًا: تأكيد مكانة المسجد الأقصى لدى المسلمين إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها. ولهذا تقع على عاتق جميع المسلمين بمختلف أطيافهم وطوائفهم ومذاهبهم تحريره وفك أسره ليظل مفتوحًا دائمًا للراكعين الساجدين، وملاذًا آمنًا بكل من يؤمن بالله ولا يشرك به أحدًا.
رابعًا: إمامة رسولنا الكريم صلوات الله وسلامه عليه لكل الرسل والأنبياء في الصلاة بالمسجد الأقصى، تأكيد واضحة ورسالة بينة على أنه ـ صلى الله عليه وسلم ـ خاتم الأنبياء والمرسلين، وأن الدين عند الله الإسلام، وأن هذه العقيدة السمحة شاملة وصالحة لكل زمان ومكان إلى أن يقضي الله أمرًا كان مفعولًا.
ومن المؤسف أن المسلمين وهم يحيون مثل هذه المناسبات الدينية العطرة، لا تزال هناك بينهم فئات تتخذ من الإسلام ستارا وشعارا للاستمرار في تشويه سمعة الإسلام، جراء سلوكياتها المنافية للرسالة المحمدية الناصعة بالبياض والمفعمة بالمواقف السوية الشاهدة على عظمة الإسلام ونبذه مظاهر العنف والإرهاب واعترافه بالآخر ومحاورته بالحكمة والموعظة الحسنة، بل إن هناك ممن هم محسوبون على الإسلام تمادوا في تشويه سمعته بالتحالف مع العدو الأكبر للإسلام والمسلمين، وأصبحوا خدما له غير آبهين بما يعيثه فسادًا في المقدسات الإسلامية والمسجد الأقصى، وبما يمارسه من جرائم حرب وإبادة بحق المسلمين في فلسطين المحتلة.
إن المسلمين جميعًا مطالبون اليوم بالبحث دون كلل عن النقاط التي تقارب أحداث العصر مقاربة موضوعية بعيدًا عن لغة العنف والإرهاب، والتماسًا لأطر الحوار الموضوعي مع النفس في الغالب الأعم، ثم مع الآخرين؛ فحين يدعونا الإسلام إلى الجهاد فإنما يدعونا إلى مجاهدة النفس الأمارة بالسوء، ومجاهدة النفس تعني جملة من الممارسات والسلوكيات التي ترتق علاقاتنا بالآخرين وتعزز لغة التقارب وتعمق مفهوم التسامح، وترتقي بالنفس عن الدناءة والخسة والنذالة والعمالة.