[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/khamis.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]خميس التوبي[/author]
بإعلان ميليشيات ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" عن سيطرتها الكاملة على مطار الطبقة العسكري في محافظة الرقة وانتزاعه من قبضة تنظيم "داعش" الإرهابي، وقطعها طريق الطبقة ـ دمشق، تتضح النيات والمخططات المحاكة ضد سوريا أساسًا، ومن ضمنها تقسيمها عرقيًّا وطائفيًّا على النحو المراد في العراق ليكون (كرديًّا في الشمال وسنيًّا في الوسط والغرب، وشيعيًّا في الجنوب)، ذلك أن السباق الصهيو ـ أميركي نحو الرقة بعد نجاحهم في اختطاف المكون الكردي للاعتقاد الصهيو ـ أميركي بأن هذا المكون هو المخلص لبلاد العم سام ولتل أبيب والمحب لهما، على عكس أي مكون آخر يمكن أن ينقلب عليهما في أي لحظة، لا يمكن أن يقرأ (أي السباق نحو الرقة) بأي حال من الأحوال على أنه إرادة محاربة تنظيم "داعش" الإرهابي وتخليص الشعب السوري عامة وسكان أهالي الرقة خاصة، ولعل الغارات الأخيرة التي شنها الطيران الحربي الأميركي على الرقة والتي راح ضحيتها عشرات المدنيين، ثم استهداف الطيران الحربي الأميركي ذاته لسد الفرات، ما يهدد مناطق سورية واسعة في حال انهيار السد ـ لا سمح الله ـ يعكس الحدثان طبيعة التدخل الأميركي في الشأن السوري، والتناقض الفج بين محاربة الإرهاب المتمثل في "داعش" وفق الاستراتيجية والرواية الأميركيتين وبين التدمير الممنهج للبنية الأساسية للدولة السورية، مع ما يصاحب ذلك من استهداف للمدنيين جهلًا أو عمدًا، في الوقت الذي يتلقى فيه هذا التنظيم الإرهابي الدعم في مدينة تدمر حيث اختراق الطيران الحربي الإسرائيلي كان هدفه تدمير المواقع العسكرية للجيش العربي السوري من أجل تمهيد الأرضية وتسهيل مهمة إعادة سيطرة تنظيم "داعش" الإرهابي على المدينة، وفي محافظة دير الزور حيث الطيران الحربي الأميركي شن عدوانًا غاشمًا على مواقع الجيش العربي السوري في جبل الثردة لتمكين "داعش" الإرهابي من السيطرة الكاملة على المحافظة، ثم الاستهداف المتعمد للجسور في محافظة دير الزور.
من الواضح أن هذا التطور الجديد في مطار الطبقة والرقة يسلط الضوء على حقيقة الانقلاب على تفاهمات مؤتمر أستانا حول محاربة الإرهاب، واعتبار تنظيمي "داعش والنصرة" تنظيمين إرهابيين يجب محاربتهما في سوريا، وإعلان التنظيمات الإرهابية المشاركة في المؤتمر عزل نفسها عن تنظيم "جبهة النصرة" الإرهابي، وذلك بنكوص الضامن وتنظيماته الإرهابية ومعشر المتآمرين على أعقابهم، والتنسيق اللافت والكبير للهجوم الضخم على العاصمة دمشق والقابون في حماة. فهذا الانقلاب ليس فقط لإفشال أو فرض شروط على مؤتمر جنيف الذي اختتمت جولته الخامسة أمس الأول، وضرب الحالة المعنوية للجيش العربي السوري وللدولة السورية وللشعب السوري وكل عربي شريف وغيور جراء الرد الصارم والحازم على انتهاك الطيران الحربي الإسرائيلي الأجواء السورية ومحاولته استهداف مواقع الجيش العربي السوري، وإنما أعد لتشتيت الانتباه والجهود وإثارة الارتباك في صفوف الجيش العربي السوري وحلفائه، لقطع الطريق على هذا الجيش من شن هجوم كاسح على الرقة؛ ليقين الأميركيين وحلفائهم وأعوانهم أن الجيش العربي السوري وحلفاءه إذا قاموا بعمل عسكري ينهونه كما يجب ويحسمونه لصالحهم، وبالتالي فإن تمكُّن الجيش العربي السوري وحلفائه من الوصول إلى مطار الطبقة ثم دخول قلب الرقة، سيقطع على الصهيو ـ أميركي مخططه، وهو احتلال الأجزاء الشمالية الشرقية من سوريا؛ أي الرقة والحسكة والقامشلي، والوسط والجنوب (دير الزور ودرعا وحماة والجولان) والذي يسعى من خلاله إلى قطع تواصل محور المقاومة، وتجويف المساحة بين العراق وسوريا، وبالتالي عزل كل من سوريا والمقاومة اللبنانية عن كل من إيران والعراق.
لذلك في تقديري أن ما حصل في مطار الطبقة هو أشبه بسيناريو الدخول التركي إلى مدينة منبج وما جرى آنذاك من عملية تسليم وتسلم، فكما هو معروف أن ميليشيات ما يسمى "قوات سوريا الديمقراطية" ليست بتلك الإمكانات التي تسمح لها بأن تخوض معركة مع تنظيم "داعش" الإرهابي الذي لديه خبرات قتالية أعلى، سواء لجهة أنه يدخل في تكوينه جنود وضباط عراقيون سابقون في الجيش العراقي الذي حله الحاكم الأميركي في العراق بول بريمر، أو لجهة انخراط عناصر استخبارية وعسكرية لتنظيم "داعش" الإرهابي من قوى داعمة لهذا التنظيم الإرهابي.
على الجانب الآخر، التصريحات التي أدلى بها وزير الخارجية ريكس تيلرسون بأن مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد يحدده الشعب السوري، والتي أثارت ارتياحًا عامًّا، يمكن أن توصف في ميزان السياسة بأنها تغير بل تحول مهم في الموقف الأميركي حيال الأزمة السورية، إلا أن الغموض لا يزال هو كلمة السر، سواء في الاستراتيجية الأميركية في عهد الرئيس دونالد ترامب، أو في محاربة الإرهاب ووضع الرئيس السوري، وبالتالي الإفراط في التفاؤل غير مطلوب، بالنظر إلى الضغوط الصهيونية والإقليمية وبعض العربية على الإدارة الأميركية الحالية لكي تغير سياساتها حيال الأزمة السورية.

[email protected]