[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/themes/watan/images/opinion/mohamedabdel.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]محمد عبد الصادق[/author]
نحن على أعتاب عصر البيانات الضخمة, حيث ستولد الأجهزة في عالم إنترنت الأشياء ما يزيد عن 40 ألف إكسا بايت من البيانات تساوي 40 تريليون جيجا بايت, وهي مساحة تكفي لتسجيل كل الكلام الذي نطق به البشر منذ عصر سيدنا آدم إلى يومنا هذا!

في الوقت الذي يستخدم معظمنا الهواتف الذكية في أشياء تافهة أو ربما ضارة مثل التشهير ونشر الشائعات والبحث عن الفضائح، ويضيع وقته وجهده في ارتياد مواقع التواصل الاجتماعي، وتحويلها لمنصات للتحرش والشتائم والتنابز بالألقاب ونشر الكراهية والعنصرية والطائفية, حتى أصبحت مواقع (للتنافر) الاجتماعي, واقتصر استخدامنا للحواسيب المحمولة على مشاهدة الأفلام وسماع الأغاني الهابطة، ومتابعة المبارايات الرياضية المشفرة، والاستفادة من بعض التطبيقات والبرامج التعليمية والإدارية التي نشتريها جاهزة من الخارج.
نجد العالم من حولنا تعامل مع التكنولوجيا بمبدأ المنفعة والاستفادة, وحول شبكة الإنترنت المربوطة بالهواتف الذكية والحواسيب المحمولة, إلى أداة لخدمة المجتمع وتحسين نوعية الحياة وتطوير الخدمات وزيادة الإنتاج في شتى المجالات, وهو ما يعرف بعصر "إنترنت الأشياء".. وليس هناك تعريف دقيق لمصطلح إنترنت الأشياء، لأنه لا توجد جهة تمتلك أو تتحكم فيه, ولكن جميع التعاريف تصب في مفهوم واحد وهو استخدام متطور لشبكة الإنترنت؛ بحيث تمتلك كل الأشياء المستخدمة في حياتنا خاصية الاتصال بالإنترنت أو ببعضها البعض لإرسال واستقبال البيانات للقيام بوظائف محددة من خلال الشبكة.
هذا العالم الرقمي أصبحنا نعيش بعض جوانبه بالفعل, فشاهدنا الساعات والنظارات والتليفزيونات وأساور اليد الذكية المتصلة بشبكة الإنترنت, وما زالت هذه الثورة في بدايتها ولم تكشف كل أسرارها بعد, ويبدو أنها ستصل لكل شيء نستخدمه في حياتنا: الملابس, الأثاث, الأواني المنزلية, أعضاء الجسم, الشوارع, بل وحتى الحيوانات الأليفة والمفترسة والداجنة.
أي شيء تتخيله يمكن أن تلتصق به وحدة معالجة, أو حساس "سينسور" يتصل بشبكة الإنترنت, وبالفعل بدأت الكثير من مزارع الأبقار حول العالم في توصيل أجساد الأبقار عن طريق أسورة ذكية تثبت في الرقبة أو الأذن أو الساق ـ بشبكة الإنترنت لمراقبة وضع الأبقار الصحي ودرجة خصوبتها ونسبة الهرمونات في أجسادها والتي تدل على أفضل وقت لحلبها مما يساهم في اتخاذ قرارات دقيقة لتحسين عملية الإنتاج, دون الحاجة لانتقال الأطباء البيطريين أو خبراء الزراعة إلى مكان المزرعة, بل يمكن الاستفادة من ربط المزرعة بشبكة الإنترنت في حالة الحصول على قرض من البنك؛ حيث تتيح الشبكة للبنك التأكد من صحة بيانات صاحب المزرعة والتعرف على الجدوى الاقتصادية لمشروعه.
بحلول عام 2020م, سيكون حجم سوق إنترنت الأشياء أكبر من سوق الهواتف الذكية وأجهزة الحاسوب والأجهزة اللوحية مجتمعة بمقدار الضعفين, حيث سيصل عدد أجهزة إنترنت الأشياء إلى 35 مليار جهاز متصل بشبكة الإنترنت, ويتوقع أن تصل إيرادات سوق إنترنت الأشياء إلى أكثر من 600 مليار دولار.
هذه رسالة للمستثمرين ورجال الأعمال والتجار لتأهيل وتجهيز مصانعهم ومتاجرهم ومزارعهم للاتصال بالإنترنت, وجرس إنذار للقائمين على التعليم وأولياء الأمور والطلاب لتغيير المناهج التقليدية، وتدريس البرمجة الحاسوبية وهندسة الشبكات، وتزويد المدارس بخوادم حاسوبية متصلة بشبكة الإنترنت, وعلى الطالب وولي الأمر تغيير مفهومهما عن نوعية التعليم المطلوبة في سوق العمل وعدم اللهاث وراء كليات القمة المزعومة, فمهنتا الطب والصيدلة سيتغير مفهومهما تماما وربما استطاع المريض عن طريق هاتفه الذكي الكشف عن مرضه وإجراء الفحوص والتحاليل وإرسالها عبر إنترنت الأشياء إلى المركز الطبي الذي يريده في أي مكان في العالم والمتواجد به أطباء متخصصون يتلقون بيانات المريض، ويشخصون حالته ويصفون له العلاج وجرعة الدواء بالدقة المطلوبة, يرسلها المريض للصيدلي عبر الشبكة ليصرف له الدواء, ولو تطلبت حالته تدخلا جراحيا, يمكن إجراء العملية الجراحية بواسطة المناظير الجراحية الذكية الشبيهة بالإنسان الآلي والتحكم فيها عبر الإنترنت, أو يجريها طبيب مستعينا بالتوجيهات أو أجهزة المحاكاة (السيميوليتر) إذا كانت عملية جديدة لم يسبق للطبيب إجراؤها.
نحن على أعتاب عصر البيانات الضخمة, حيث ستولد الأجهزة في عالم إنترنت الأشياء ما يزيد عن 40 ألف إكسا بايت من البيانات تساوي 40 تريليون جيجا بايت, وهي مساحة تكفي لتسجيل كل الكلام الذي نطق به البشر منذ عصر سيدنا آدم إلى يومنا هذا!
بدأنا نسمع مصطلحات من عينة "أتمتة المنازل وأنظمة المنازل الذكية" والتي ستمثل أكبر سوق لإنترنت الأشياء في قطاع المستهلكين, بينما ستشكل أنظمة البنية التحتية أهم المشاريع الحكومية التي ستستفيد من إنترنت الأشياء, لذلك تستعد شركات التكنولوجيا متعددة الجنسيات لاستثمار 250 مليار دولار خلال الخمس سنوات القادمة 90% منها سيوجه للاستثمار في الأنظمة والبرمجيات التي تشغل (سيرفرات وخوادم) إنترنت الأشياء.
مؤخرا تم إنتاج فيلم مصور لمنتجات إنترنت الأشياء الموجودة فعلا في الأسواق, ويبدأ كالتالي: "تستيقظ صباحا وتفرش أسنانك باستخدام فرشاة الأسنان الذكية التي تخبرك كم من الوقت استخدمتها، وهل قمت بتغطية جميع أجزاء فمك ونظفته بطريقة سليمة أم لا؟ .. تلبس ملابسك وتستعد للخروج من المنزل .. ولكنك تقف للحظات أمام المرآة الذكية التي تطلعك على حالة الطقس, وآخر الأخبار والمعلومات عن المرور وحالة الطريق .. في الطريق لعملك تقف عند المقهى وتطلب قهوة الصباح, وتطلب من البائع تعبئتها في كوبك الذكي الذي يخبرك بأن ما سكبه البائع لك هو فعلا قهوة قليلة السكر أم لا .. قبل مغادرتك للعمل عائدا للمنزل تقوم بتشغيل مكيف غرفة المعيشة؛ من خلال تطبيق جهاز التكييف المتصل بالإنترنت في منزلك .. إذا ذهبت إلى المتجر لشراء احتياجات المنزل لكنك لست متأكدا إذا كان هناك ما يكفي من البيض في ثلاجتك, فتفتح تطبيق طبق البيض الذكي المتصل بالإنترنت ليخبرك كم بيضة متبقية وكم بيضة على وشك الفساد, عقب عودتك للمنزل يعطيك جهاز "الأم الحنون" تقريرا ملخصا عن عائلتك متى عاد الأولاد من المدرسة؟ من منهم نظف أسنانه .. هل تناولت والدتك أدويتها في الموعد .. وتحضر لك كوبا من الشاي لتناوله وقت القيلولة؟
بعد أن ترتاح قليلا ترتدي لباسك "التي شيرت" الرياضي المزود بمجسات تحلل أداءك الرياضي وتقيس لياقتك القلبية والتنفسية بشكل دقيق وترسلها لهاتفك عبر التطبيق الخاص بالتي شيرت .. في طريق عودتك للمنزل يخبرك هاتفك أن حاوية النفايات المتصلة بالإنترنت ممتلئة وعليك إفراغها قبل الدخول للمنزل .. وأنت تستعد للنوم تقوم من خلال هاتفك الذكي بإغلاق الأبواب والنوافذ المزودة بأقفال إلكترونية مرتبطة بالإنترنت تسمح لك بتحديد أوقات القفل والفتح أوتوماتيكيا ومعرفة أي شخص حاول فتحها في غيابك .. هذا السيناريو السابق ليس مستقبليا أو خياليا ولكنه لمنتجات تستطيع شراءها بالفعل اليوم, تخيل ماذا سيكون عليه الوضع بعد عشر سنوات؟!