[author image="https://alwatan.com/v2/v2/wp-content/uploads/2016/05/salahdep.jpg" alt="" class="avatar photo" height="60" width="60"]د. صلاح الديب[/author]
فوجئت بمشهد غاية في الغرابة عندما اصطدمت بموظفين من القطاع الحكومي يتسمون بكل مميزات الموظف من القطاع الخاص من ابتسامة وتعاون وأغانٍ في خدمة المواطنين، وكان ذلك في إحدى المؤسسات الحكومية بإحدى الدول العربية ـ كما ذكرنا سابقا. كما أصبت بدهشة عندما وجدت في النفس المكتب موظفًا آخر من موظفي القطاع الخاص يتميز بكل ما يتميز به موظف القطاع الحكومي..

كثيرا ما نرى الأهرامات شامخة، فالهرم شكل هندسي ارتبط ارتباطًا وثيقًا بالحضارة الفرعونية التي شهدت ظهور هذا الشكل وبناء أول الأهرامات، وهو ما أثار الجدل والخيال لدى العلماء والمستكشفين والأدباء؛ فكان الهرم أعجوبة العصر الفرعوني. ويعتبر الهرم الأكبر أو هرم خوفو شاهدًا على ذلك وهو إحدى عجائب الدنيا السبع الباقية حتى يومنا هذا.
فالهرم هو شكل هندسي ذو أسطح متعددة فله قاعدة قد تكون مثلثةً أو مربعةً أو خماسيةً وهكذا، وله أسطح جانبية على شكل مثلثات تُعرف باسم الأوجه الجانبية أو الغلاف الجانبي وتتلاقى رؤوسها في نقطة واحدة تسمى قمة الهرم، ولكن تبدل الحال في زماننا هذا وأصبحت قمة الهرم في بعض الأحيان ليست كما هي متعارفا عليها في أعلى الهرم، ولكن أصبحت القمة مكان القاعدة، وأصبحت القاعدة مكان القمة فنتج عنها ما يسمى بالهرم المقلوب .
فلقد تصادفت بمشهد غاية في الغرابة في إحدى المؤسسات الحكومية في إحدى البلدان العربية عندما وجدت في مكتب واحد يوجد موظف من القطاع الحكومي وموظف آخر من القطاع الخاص، ولقد اعتدنا أن نعاني من سوء معاملة بعض الموظفين العاملين في العديد من المؤسسات الحكومية، وما نلاقيه من عدم تعاون ومتعة في تعذيب من يتقدمون إليهم ببعض المعاملات اليومية، بل وأصبح الكثير يؤرقه فكرة أنه سوف يذهب إلى إحدى المؤسسات الحكومية ويصدم ببعض الموظفين من العاملين بالقطاع الحكومي الذين يتلذذون في تعذيب من يسعى إلى إنهاء أي معاملة معهم، وذلك بتعقيد الإجراءات وطلب الاشتراطات واحدة بواحدة حتى يستنزف وقته وجهده، وهو بذلك يرضي غروره، ويصل الحال بالبعض أنهم قد يعزفون عن إنهاء هذه المعاملات أو يلجأون إما إلى المعرفة أو الواسطة لإنهاء هذه المعاملة، ولتخطي حاجز التعقيدات الذي يفرضه عليهم بعض هؤلاء الموظفين، وإما يلجأ البعض الآخر إلى دفع الرشاوى حتى يتمكنوا من إنهاء معاملتهم بطريقة يسيرة. وهنا أتحدث عن من هم معاملتهم مكتملة وسليمة ولا تحتاج إلى تجاوز لإنهائها، وهذا يفتح بابا كبيرا لانتشار الفساد نحن في غنى عنه وعن نتائجه التي تدمر البلاد والعباد .
وأيضا من البديهي أن نرى أي موظف من القطاع الخاص يتسم بالابتسامة، ويكون متعاونا إلى أكبر درجة ممكنة عندما يذهب إليه أحد المواطنين بمعاملة يريد أن يساعده أو يرشده على إنجازها، ويكون هذا الأمر ليس بالغريب، فالإجابة المنطقية أنه يتقاضى راتبه مقابل القيام بالعمل المكلف به بأعلى درجة ممكنة من الكفاءة، وأيضا العمل الجاد على رفع المعاناة عن كل مواطن يتقدم إليه بطلب المساعدة أو الإرشاد لإنهاء أي معاملة .
لكنني فوجئت بمشهد غاية في الغرابة عندما اصطدمت بموظفين من القطاع الحكومي يتسمون بكل مميزات الموظف من القطاع الخاص من ابتسامة وتعاون وأغانٍ في خدمة المواطنين، وكان ذلك في إحدى المؤسسات الحكومية بإحدى الدول العربية ـ كما ذكرنا سابقا. كما أصبت بدهشة عندما وجدت في النفس المكتب موظفًا آخر من موظفي القطاع الخاص يتميز بكل ما يتميز به موظف القطاع الحكومي من غضب مرسوم على وجه ومن تعالى وتجبر على المواطنين وكأنهم أزعجوا سيادته عندما أصبح لهم في يوم من الأيام إحدى المعاملات التي تحتاج إلى إزعاج هذا الموظف الذي نسي أنه يأخذ راتبه في الأساس من أجل خدمة المواطنين وإنهاء أو العمل على تذليل كافة الصعوبات أمام المعاملات الخاصة بهم .
وبهذا وجدت بعد هذا المشهد العبقري أنني أمام هرم مقلوب، فبدلا من أن يكون تصرف الموظف من القطاع الخاص على النحو الذي ينبغي أن يكون عليه من ابتسامة أو تعاون وأداء للمهام المكلف بها تجاه المواطنين الذين يحتاجون إلى إنهاء معاملات يكون تصرفه على النقيض تماما وكأنه أصبح لديك اليقين التام الذي وصل إلى بعض موظفي القطاع الحكومي وجعلهم يتهجمون في وجه المواطنين، ويتعالون عليهم وأيضا يتلذذون في تعذيبهم أثناء محاولتهم إنهاء أي معاملة معهم .
هل هذا أمر منطقي أن نصل إلى هذا الحال، ونرتضي بأن تنقلب الحقائق والثوابت في حياتنا حتى الأهرامات؟ هل يمكن لها أن تكون قمتها في القاع والقاعدة معلقة في الهواء؟ فهذا يعني أنه قد يصبح كل شيء في حياتنا بدون أساس متين وبدون قاعدة يمكن أن يرتكز عليها .
كيف يمكننا أن نعول على مؤسسات تبنى بدون ركائز وبدون دعامات يمكن أن تجعل لها الأساس القوي والمتين الذي يضمن لها بالبقاء قوية أبد الدهر، فعلينا أن نهتم بأن يكون العنصر البشري مؤهل وقادر على مواكبة متغيرات الحياة وعلى توعيته بالشكل الأمثل الذي ينبغي عليه، وأن يعلم أنه مكلف بالتيسير على المواطنين في تسهيل الإجراءات والمساعدة والإرشاد إذا لزم الأمر في حالة إذا ما توجه إليه أحد المواطنين لإنهاء إحدى المعاملات، وعلى أن يكون أغلب موظفي القطاع الحكومي على نفس هذا النموذج المشرف والرائع والذي يعتبر قدوة ينبغي على الجميع الاقتداء به وبما يؤدي على المدى القريب تخفيف العبء عن كاهل المواطنين الذين يصطدمون بواقع مرير إذا اضطرتهم الحاجة إلى التعامل مع أمثال هؤلاء الموظفين الذين يتلذذون بتعذيبهم .
وعليه فإن كل موظف من موظفي القطاع الحكومي يجب أن يفهم أنه معني بتخفيف العبء الذي تدفع راتبه من ضرائبهم ومن الرسوم التي يدفعها، وأن واجبه هو التخفيف والتيسير على المواطنين جميعا دون الحاجة إلى أن يلجأ إليهم بواسطة أو معرفة أو بالبحث عن إحدى الطرق أو البدائل التي تجعله يتغير رأسا على عقب مقابل هدية عينية أو إحدى الرشاوى التي تهدم أوطاننا بأكملها، ولذا ندق ناقوس الخطر لأن هذا الخطر ما زال إلى الآن في المراحل التي يمكن الحد منها والسيطرة عليها .
فعلى المؤسسات التأكد تمام التأكد أنه لا يوجد فجوة بين المواطنين والمؤسسة بكل ما بها من عنصر بشري وغيرها من الأشياء التي تساعده على إنهاء معاملته، ولا يشعر بأن الأمر الخاص بأي معاملة أمام أحد موظفي القطاعات الحكومية أنه عبارة عن مهمة انتحارية يحتاج إلى مقاتل يستطيع بصبره وجلده وقوة تحمله إنهاء المهمة أقصد المعاملة التي يسعى إلى الانتهاء منها .
ونأمل بأن نصل إلى اليوم الذى يكون فيه كل موظفي القطاع الحكومي أكثر تعاونا من موظفي القطاع الخاص، وعندما نصل إلى هذا اليوم، اعلم أن بلادنا ستقفز قفزات إلى المستقبل لا يمكن لأحد أن يدركها، ونستطيع أن نصحح وضع الهرم الذي انتشر في حياتنا مقلوبا .
مع أمل اللقاء والشرف بكم في العدد القادم إن شاء الله تعالى .